هل تخرج ألمانيا جديدة للعالم؟
تجد ألمانيا ذاتها من خلال تغير الموازين الدولية والعمليات السياسية التي لا تستطيع اللحاق بها، على مفترق طرق، إذ أن قدرتها على التأثير في مجريات التغيرات الدولية مربوط بشكل مباشر بقدرتها على تحقيق استقلالها السياسي عن واشنطن، وإعادة تشكيل المنطقة الأوربية المحيطة بها.
كنتيجة للأزمة الرأسمالية، تصدع البنيان الأوربي من طرف، وتصدعت سائر القوى الأوروبية عموماً، بما في ذلك الألمانية الكلاسيكية، من «اليمين المحافظ» إلى «الاشتراكي الديمقراطي الأوربي»، فالطرفان وما بينهما، فشلا في إنجاز عملية استقلال أوروبا وتوحدها.
إعادة توزيع القوى
يثبت حجم التغير والأزمة
تعرف الأزمة الألمانية بشقين، الداخلي: هو تراجع الوضع الاقتصادي الاجتماعي الألماني. والثاني هو: شكل العلاقات الخارجية الألمانية، والموقع الألماني على المستوى الدولي.
لم يتغير شكل توزيع القوى الألمانية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت القوى السياسية الألمانية التقليدية، مثل «الحزب المسيحي الديمقراطي»، و«الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، و«حزب الخضر»، و«حزب اليسار Die Linke»، هي الأحزاب المهيمنة والمسيطرة على المشهد السياسي الألماني، وهي أحزاب بمجملها يمينية البرامج والتوجهات، وقد قادت المشهد السياسي الألماني بمتوالية متسلسلة نحو الأزمة الحالية، التي كانت إحدى نتائجها تصاعد اليمين الشعبوي، كمحصلة لأزمة الطبقة الحاكمة الألمانية.
وقد أرهب اليمين الشعبوي الجموع الألمانية من اللاجئين، وحملهم وحدهم مسؤولية الأزمة، الأمر الذي لم تنفه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، حيث هي الأخرى- وبعد الهزيمة في الانتخابات المحلية- حملت أزمة حزبها وكل سياستها منذ العام 2002 إلى اللاجئين، إذ قالت أنها أسرفت في شعار «نستطيع فعلها» الذي جاء في حملتها للترويج لاستقبال اللاجئين.
طريق ألمانيا يمر شرقاً
أمام ألمانيا فرصة ملائمة جداً لصعود تاريخي في حال استفادت من الوضع الدولي الراهن، ولم تدخل قواها العاملة في معركة كسر عظام مع روسيا والقطب الصاعد عالمياً، فالقوى العاملة في الولايات المتحدة وأوروبا منهكة ومتعبة بسبب الحروب والأزمات، لكن الوضع الألماني يبدو حتى اليوم أقل سوءاً من نظيراتها.
إذا أرادت ألمانيا أن تكسب وزناً دولياً مرموقاً، فعليها عدم إنهاك قواها العاملة، وتأزيم وضعها، بل الإسراع نحو تطبيع العلاقات مع روسيا في القضية الأوكرانية، وتخفيف الوزن الأمريكي المعطل عمليا لتطبيع العلاقات، فألمانيا ودول أوروبية أخرى عدة، يعلو فيها الصوت نحو تطبيع العلاقات مع روسيا، الذي يبدو أنه اقترب مع زيارة نائب المستشارة الألمانية عن «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» لموسكو، ولقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والهدف هو عملياً الوصول إلى تفاهمات.