مصر.. يا عمال المطاحن اتحدوا!
بدأ عمال شركة المطاحن بشمال القاهرة مؤخراً اعتصاماً مفتوحاً بفرعي الشركة في منطقتي فيصل والشربية مرددين هتافات مناهضة لقرارات التجويع وخفض نسبة القمح للمطاحن وهتافات ضد الرئيس مبارك، وذلك رغم محاصرة الأمن المركزي للشركة بأعداد كبيرة.
وجاء الاعتصام اعتراضا على قرارات تخفيض حصة المطاحن من الدقيق نسبة 28% وتحويله إلى القطاع الخاص الأمر الذي يهدد عمال المطاحن في أرزاقهم ونسبة الأرباح والذي يشير إلى نية الحكومة الانسحاب من تلك الصناعة لتركها كلياً في يد القطاع الخاص.
كما قام عمال شركة مطاحن مصر الوسطي بالمنيا بالتهديد بالإضراب ونظموا اعتصاماً استمر 3 ساعات احتجاجا على النظام الجديد لاستيراد مصر القمح الذي يتضمن استبعاد هيئة السلع التموينية من استيراد القمح، وقيام شركات المطاحن والأعمال الخاصة بهذه المهمة.
يبلغ عدد عمال فرعي الجيزة والقاهرة نحو 9 آلاف عامل، وهي تتبع الآن قطاع الأعمال العام بعد تحويلها من ملكية القطاع العام إلى ملكية الشركة القابضة للصناعات الغذائية بأسهم 5.3 مليون جنية حيث يمللك اتحاد المساهمين فيها نصف مليون سهم تقريباً.
وبعد أن استأنفوا اعتصامهم أضاف العمال مطالب متعلقة برفع الحوافز ورفع يد التموين عنهم.
وتحت عنوان يا عمال المطاحن اتحدوا جاءتنا المادة التالية من مجموعة التقدم البريدية بقلم إلهامي الميرغني.
تشكل صناعة المطاحن والمخابز أحد الصناعات الغذائية الرئيسية التي يعتمد عليها الشعب المصري بكل طبقاته، حيث تنتج مصر حوالي 6 مليون طن من القمح وتستورد حوالي 6.5 مليون طن نصفها من الولايات المتحدة الأمريكية. وتعد صناعة طحن الدقيق من أقدم الصناعات الغذائية التي عرفتها مصر منذ عصر الفراعنة بجانب صناعة عصر الزيوت.
تعتمد مصر على مطاحن القطاع العام الذي تم خصخصة شركاته خلال السنوات الأخيرة لتوفير الدقيق اللازم لمخابز «الخبز المدعوم». كما شهد القطاع إقبالاً استثمارياً من القطاع الخاص بجانب قطاع الأعمال الذي ضخ استثمارات كثيرة في القطاع ومنها 50 مليون جنيه تكلفة إنشاء مطحن السلندرات في مدينة بني مزار في محافظة المنيا. وكان السائد على مدى السنوات الماضية أن وزارة التموين سابقاً أو وزارة التضامن الاجتماعي حالياً تشتري القمح وتورده لشركات القطاع العام التي تتولي بيع الدقيق للمخابز بنسب الاستخراج المختلفة 72% و82%.
بدأت المشكلة الحالية عندما طرحت وزارة التضامن الاجتماعي في 13 شباط الماضي مناقصة توريد الدقيق استخراج 82% للمخابز في محافظات الإسكندرية والمنيا والإسماعيلية وتقدمت لها شركة مطاحن مصر الوسطى وبعض مطاحن القطاع الخاص وعند فتح المظاريف تمت الترسية على ثماني مطاحن قطاع خاص وحرمان شركة قطاع الأعمال من العمل بفارق أربعة جنيهات للطن. وبذلك أصبحت مطاحن شركة مصر الوسطى خاصة في المنيا عرضة للتوقف ومصالح 1600 عامل عرضة للتشرد، وملايين الجنيهات التي تم إنفاقها على مطاحن القطاع العام عرضة للإهدار والتعطل. لذلك قررعمال شركة مطاحن مصر الوسطى الاعتصام دفاعاً عن حقوقهم وأجورهم التي ستتأثر بتوقف العمل في مطاحنهم نتيجة المناقصة.
هنا سارعت حكومة الدكتور نظيف لاحتواء الموقف حيث أعلنت استمرار مطاحن المنيا في العمل على أن يتم تصريف إنتاجها في محافظات القاهرة والجيزة وشرق الدلتا وهو ما يعني عدم حل المشكلة بشكل جذري ولكن ترحيل الحل إلى محافظات أخرى.
لكن ما لم تحسب الحكومة حسابه هو أن عمال شركات المطاحن في هذه المحافظات ستتأثر دخولهم نتيجة كميات دقيق مطاحن المنيا وبالتالي تنخفض حوافزهم بسبب ذنب لم يقترفوه، لقد أنهى عمال شركة مطاحن مصر الوسطى اعتصامهم ليبدأ اعتصام عمال مطاحن شمال وجنوب القاهرة والجيزة وشرق ووسط وغرب الدلتا وبذلك امتد احتجاج عمال المطاحن دفاعاً عن أجورهم ودفاعاً عن إنتاج شركاتهم في مواجهة القرارات العفوية.
تبرز هنا مشكلة أن الصراع تحول وكأنه مواجهة بين عمال مطاحن مصر الوسطى وعمال مطاحن الشركات التي تضررت من إنتاج هذه الشركة وهنا تبرز لدينا عدة تساؤلات منها:
ـ لماذا غيرت وزارة التضامن تنظيم المناقصات الخاصة بالتوريد هذا العام؟!
ـ هل أجرت شركة مطاحن مصر الوسطى دراسة كافية قبل المناقصة وهل كان تخفيض أربعة جنيهات للطن سيؤثر على اقتصاديات الشركة بشكل أكبر من تأثير التوقف الكامل للمطاحن نتيجة عدم ترسية المناقصة؟!
ـ ماذا كانت تنتج مطاحن القطاع الخاص على مدى السنوات الماضية وهل ستقدم منتج بنفس المواصفات أم هناك اختلاف في نسب الاستخراج؟
إنني اخشي من تحول المشكلة إلي صراع عمالي داخل صناعة من أهم الصناعات فهي الصناعة التي يقوم عليها رغيف الخبز والذي يستهلك 60% من الدعم الغذائي في مصر. رغم تراجع متوسط استهلاك الفرد من القمح من 202 كيلو غرام سنوياً عام 1985/1986 إلى 185 كيلو غرام سنوياً.
بدلا من تحويل المشكلة إلى صراع عمالي-عمالي يجب أن يفكر العمال في مواجهة علمية للمشكلة حول مستقبل صناعة المطاحن والمخابز، لقد ضخت الدولة استثمارات كبيرة في القطاع وتم تحديث العديد من المطاحن والتي يجب أن تعمل بشكل اقتصادي. كما أن مستثمري القطاع الخاص أنفقوا أيضا ملايين الجنيهات لإنشاء صناعة حديثة وهم ينافسون في السوق والمفترض أن معايير الجودة والسعر هي وسيلة المفاضلة.
هل يمكن أن تتبني القوى السياسية الدعوة لمؤتمر حول مستقبل صناعة المطاحن والمخابز في مصر يدعى له خبراء الزراعة وخبراء صناعة المطاحن لتطوير التقنيات الحالية وأساتذة الاقتصاد والتسويق من أجل تطوير آليات العمل في سوق الدقيق. هل يمكن أن تشارك شركات قطاع الأعمال وشركات القطاع الخاص وعمال المطاحن والمخابز في الحوار من أجل مستقبل واحدة من أقدم الصناعات المصرية ومن أجل مستقبل عشرات الآلاف الذين يعملون في هذه الصناعة؟! أم سيظل عمل القاهرة والجيزة والدلتا في مواجهة عمال مصر الوسطى؟!
إن تطوير هذه الصناعة هو الهدف الذي يجب أن يسعى له الجميع لكي يجد العمال أجورهم وتنتظم حوافزهم، ولكي تجد شركات قطاع الأعمال عائداً مناسباً لاستثماراتها، ولكي يجد مستثمري القطاع الخاص عائداً يكفي لاستمرارهم وسداد التزاماتهم من أجل مستقبل مصر.
وهل تتوقف حكومة الدكتور نظيف عن القرارات العشوائية وتستخدم العلم لمواجهة المشكلة بدلاً من تصديرها من شركة إلى أخرى... يا عمال المطاحن اتحدوا!