فزاعة احتلال سيناء يجب أن تتوقف
هددت «إسرائيل» بإعادة احتلال سيناء لمجرد أن وزارة الخارجية قررت فتح معبر رفح واتخاذ عدد من القرارات السيادية الأخرى مثل رعاية المصالحة الفلسطينية وإعادة العلاقات مع إيران.
وهو ليس موقفاً جديداً أو مفاجئاً، فلقد سبق أن أعلنت «إسرائيل» صراحة على لسان وزير أمنها الداخلي آفي ديختر عام 2008 بأنها قد انسحبت من سيناء بضمانات أمريكية بالعودة إليها مرة أخرى إذا حدث انقلاب في السياسة المصرية تجاه «إسرائيل».
ورغم أننا نعلم جيداً أن «إسرائيل» لن تجرؤ على هذه الخطوة، لأنها ستجد نفسها لأول مرة في مواجهة حرب تحرير شعبية مليونية، بعد أن كانت في السابق تواجه حاكم فرد يمكن الضغط عليه أو التحالف معه...
كما أنه لا يوجد عاقل يمكن أن يغامر بالاشتباك ضد شعب باكمله في حالة ثورة..
نقول رغم ذلك، فإنه لم يعد مقبولاً أن نعيش يوميا تحت فزاعة دائمة بإعادة احتلال سيناء كلما اتخذنا قراراً لا يرضي أمريكا أو «إسرائيل».
والخطوة الأولى في اتجاه التحرر من هذه الفزاعة هي في إشراك وتعريف الرأي العام بحقائق ما فرضته علينا اتفاقية السلام مع «إسرائيل» من قيود أمنية وعسكرية في سيناء تحول دون إمكانية الدفاع عنها فيما لو تعرضت لا قدر الله لعدوان مشابه لعدواني 56 و67.
ولذلك سأتناول هذا الموضوع بالتفصيل على محورين، الأول: هو التدابير الأمنية الواردة في الاتفاقية، والثاني هو القوات الأجنبية الموجودة في سيناء:
أولاـ التدابير الأمنية:
وهي ما ورد في الملحق الأول من الاتفاقية (الملحق الأمني)، ولقد وردت به القيود الآتية على حجم وتوزيع القوات المصرية في سيناء:
- تم لأول مرة تحديد خطين حدوديين دوليين بين مصر وفلسطين، وليس خطاً واحداً، الأول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة وهو الخط الواصل بين مدينتي رفح وطابا، أما خط الحدود الدولي الثاني فهو الخط العسكري أو الأمني وهو الخط الواقع على بعد 58كم شرق قناة السويس والمسمى بالخط (أ).
- ولقد قسمت سيناء من الناحية الأمنية إلى ثلاث شرائح طولية سميت من الغرب إلى الشرق بالمناطق (أ) و(ب) و(ج)
- أما المنطقة (أ) فهي المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) المذكور عاليه بعرض 58كم، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 ألف جندي مشاة مصري مع تسليح يقتصر على 230دبابة و126 مدفع ميداني و126 مدفع مضاد للطائرات عيار 37مم و480 مركبة
- ثم المنطقة (ب) وعرضها 109كم الواقعة شرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة
- ثم المنطقة (ج) وعرضها 33كم وتنحصر بين الحدود الدولية من الشرق والمنطقة (ب) من الغرب ولا يسمح فيها بأي وجود للقوات المسلحة المصرية وتقتصر على قوات من الشرطة (البوليس)، أضيف لهم عام 2005 عدد 750 جندي حرس حدود بموجب اتفاق فيلادلفي.
- ويحظر إنشاء أي مطارات أو موانئ عسكرية في كل سيناء
- في مقابل هذه التدابير في مصر، قيدت الاتفاقية «إسرائيل» في المنطقة (د) فقط التي تقع غرب الحدود الدولية وعرضها 3كم فقط، وحدد فيها عدد القوات بـ4000 جندي حرس حدود.
- وللتقييم والمقارنة، بلغ حجم القوات المصرية التي كانت موجودة شرق القناة على أرض سيناء في يوم 28 اكتوبر1973 بعد التوقف الفعلي لإطلاق النار، بحوالي 80 ألف جندي مصري وأكثر من ألف دبابة.
- ولكن الرئيس الراحل أنور السادات وافق على سحبها جميعاً وإعادتها إلى غرب القناة ما عدا 7000 جندي وثلاثين دبابة، وذلك في اتفاق فض الاشتباك الأول الموقع في 18 يناير 1974.
- إن مراجعة خطة العدوان الإسرائيلي على سيناء في حربي 1956 و1967، تثير القلق فيما إذا كانت الترتيبات الحالية قادرة على رد عدوان مماثل لا قدر الله.
ثانياً: القوات الأجنبية في سيناء:
وهي القوات متعددة الجنسية MFO أو ذوو «القبعات البرتقالية» كما يطلق عليها للتمييز بينها وبين قوات الأمم المتحدة ذوي القبعات الزرقاء. ويهمنا هنا التأكيد على الآتي:
- نجحت أمريكا و«إسرائيل» في استبدال الدور الرقابي للأمم المتحدة المنصوص عليه في المعاهدة، بقوات متعددة الجنسية، وقع بشأنها بروتوكول بين مصر و«إسرائيل» في 3 أغسطس 1981.
- تتشكل القوة من 11 دولة تحت قيادة مدنية أمريكية، و40% من القوات أمريكية.
- ولا يجوز لمصر بنص المعاهدة أن تطالب بانسحاب هذه القوات من أراضيها إلا بعد الموافقة الجماعية للأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
- وتقوم القوة بمراقبة مصر، أما «إسرائيل» فتتم مراقبتها بعناصر مدنية، ومن هنا جاء اسمها «القوات متعددة الجنسية والمراقبون» MFO
- مقر قيادة القوة في روما ولها مقرين إقليميين في القاهرة وتل أبيب.
- المدير الأمريكي الحالي ديفيد ساترفيلد ومدة خدمته أربع سنوات بدأها في أول يوليو 2009. وقبل ذلك شغل منصب كبير مستشاري وزيرة الخارجية كونداليزا رايس للعراق ونائب رئيس البعثة الأمريكية هناك، كما كان سفيراً للولايات المتحدة في لبنان.
- وكان المدير السابق يدعى جيمس لاروكو أمريكي الجنسية أيضاً وكذلك سيكون التاليين بنص البروتوكول.
- تتمركز القوات في قاعدتين عسكريتين: الأولى في الجورة في شمال سيناء بالمنطقة (ج) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة
- بالإضافة إلى ثلاثين مركز مراقبة
- ومركز إضافي في جزيرة تيران الخاضعة للسعودية لمراقبة حركة الملاحة!
- وتتكون هذه القوات من قيادة وثلاث كتائب مشاة لا تزيد عن 2000 جندي ودورية سواحل ووحدة مراقبة ووحدة طيران حربية ووحدات دعم وإشارة
- الكتائب الثلاث هي كتيبة أمريكية تتمركز في قاعدة شرم الشيخ والكتيبتين الأخريين إحداهما من كولومبيا والثانية من فيجي وتتمركزان في الجورة في الشمال وباقي القوات من باقي الدول موزعة على باقي الوحدات.
- رغم أن جملة عدد القوات لا يتعدى 2000 فرد، إلا أنها كافية للاحتفاظ بالمواقع الإستراتيجية لصالح «إسرائيل» في حالة وقوع أي عدوان مستقبلي منها، خاصة في مواجهة قوات من الشرطة المصرية فقط في المنطقة (ج)
- إن الوضع الخاص للقوات الأمريكية في بناء الـMFO قد يضع مصر في مواجهة مع أمريكا في ظل أي أزمة محتملة، مما سيمثل حينئذ ضغطاً إضافياً على أي قرار سياسي مصري.
- تم استبعاد كل الدول العربية والإسلامية والإفريقية والآسيوية من المشاركة في هذه القوات
- ومعظم الدول الأخرى عدد قواتها محدود وتمثيلها رمزي فيما عدا كولومبيا وفيجي
- إن القيادة العسكرية كلها من دول حلف الناتو
وفي «إسرائيل»:
أما على الجانب الاخر في المنطقة (د) فلا يوجد أكثر من 50 فرد، كلهم من المدنيين.
كان ذلك هو بيان بالقيود الأمنية المفروضة علينا في سيناء، والتي توظفها «إسرائيل» كفزاعة دائمة للتدخل في شؤوننا الداخلية.
وهو وضع لا يمكن أن يستمر بأي حال من الأحوال.
القاهرة في 19 يونيو 2011