ليبراليون جدد.. مماليك جدد

سقط ماكين وجاء أوباما، وأثبت عرب الليبرالية الجديدة أنهم ليسوا في الواقع سوى مماليك جدد، ذلك أن حرصهم على الرأسمالية يدفعهم للقبول بأي سيد جديد، فطموحهم يتجلى فقط في القدرة على استرضاء العدو وتذليل العقبات أمامه ومشاركته في نهب أوطاننا وتزييف الوعي بما يحدث. وهم يختلفون بشدة عن المماليك القدامى الذين كان من بينهم أبطال حاربوا الفرنجة والمغول والأتراك... الخ. كما كان بينهم من عملوا من أجل الانعتاق من نير العبودية وحصلوا على الحرية وأصبحوا أمراءَ.

عرب الليبرالية الجديدة، أي المماليك الجدد، مصممون على عدم الاعتراف بالكارثة التي حاقت بالرأسمالية كنظام، والتي اعترف بها أصحابها في البلدان الإمبريالية نفسها، وبالتالي لا يريدون الاعتراف بأن طريق الرأسمالية في بلادنا قد أصبح مستحيلاً، وأنه لا يحمل سوى الاستغلال الوحشي والجوع والحرمان والمرض والجهل وإبادة شعوبنا، وبأن الرأسمالية قد استنفدت كل السبل للحفاط على نفسها دون القدرة على تخطي تناقضاتها وأزماتها الدورية وصولاً إلى أزمتها الأخيرة التي وضعتها على مشارف السقوط والإندثار (شريطة أن يتم نضال حاسم لتحقيق ذلك).

الرأسمالية توسعت بالحرب وعاشت في كنفها، وعمقت استغلال شعوبها وشعوب العالم ونهبت ثروات هائلة لتلبية حاجاتها في الاستهلاك العارم وتراكم الثروة على حساب شعوب الكوكب. وحاولت عبر «الكينزية» وتدخل الدولة، علاج أزماتها وتخطيها، ووضعت نظم مالية لتمكينها من الهيمنة، وأقامت الأحلاف، وزرعت العملاء في كل مكان.... الخ. ولكن تطورها الموضوعي الذي شخصه لينين بحق، منذ ما يقارب المائة عام، يشير إلى سير الرأسمالية في مرحلتها الاحتكارية (أي الإمبريالية) نحو الطفيلية والتعفن الناتجين أساساً عن اندماج رأس المال الصناعي مع رأس المال المصرفي وتشكل رأس المال المالي، وهو ما تطور في العقود الأخيرة إلى السيادة المطلقة للاقتصاد المالي عالمياً، وهو اقتصاد وهمي بكل المعايير.

المماليك الجدد في عالمنا العربي لا يريدون أن يعترفوا علناً بهذه الحقيقة، وربما يجهلونها. وهكذا يستمرون في سياساتهم التي جلبت الخراب. وعبر التزييف يشدون الناس عنوة عن طريق إعلامهم المسموم نحو وهم اعتبار أوباما هو «المسيح المخلِّص» للرأسمالية من أزمتها الأخيرة، التي هي بلا حل سواء في الأجل القريب أو البعيد.

فكيف يخلع أوباما الاقتصاد الوهمي من عرشه؟ وكيف يجرد طواغيت المال من هيمنتهم ومن مواقعهم الحاكمة؟ وكيف يسيطر على ما يقارب 700 تريليون دولار هائمة على مستوى العالم؟ أو يعدل من توجهات استثمار 60 دولاراُ على الأقل في الاقتصاد المالي الوهمي مقابل دولار واحد في الإقتصاد الحقيقي؟ وكيف يستعيد مئات المليارات من أموال التأمينات الاجتماعية للأمريكيين التي نهبتها إدارة بوش بوهم تجاوز الأزمة، أو تريليونات الدولارات التي أبيدت من جراء الأزمة؟ أو مئات الآلاف من العمال والموظفين الذين تم تسريحهم مؤخراً وازدياد أعدادهم وصولاً إلى الملايين في المدى القريب؟ أو آلاف المنشآت التي أفلست؟... الخ. باختصار لن يستطيع أوباما تحقيق شيء من هذا لأنه لا يستطيع وقف التطور الموضوعي للرأسمالية بإتجاه هلاكها. أي أن الخروج من الأزمة يستلزم سلطة طبقية جديدة، إذ لا يمكن تخطيها بالطبقة السائدة أو بالرئيس الجديد.

لا يلوح في الأفق أن أوباما أو الساسة والخبراء في الغرب الرأسمالي يمتلكون أية رؤية إستراتيجية لتخطي أزمة الرأسمالية، ولذلك فإن أوباما المحسوب تارة على المحافظين الجدد وتارة على غيرهم ليس أمامه سوى هامش ضيق لتغيرات شكلية هزيلة (لا علاقة لها بالسياسات الأمريكية تجاهنا). ولا تمتد اطلاقاً إلى جذور الأزمة لأن جذورها بدون نهاية.

ما يمكن أن يفعله أوباما (غير الحرب) هو أن يحاول إجراء تعديل طفيف في التوزيع يحقق قدراً ضيئلاً من الإشباع للفئات الوسطى في بلاده. ولن يقبل طواغيت المال هناك بذلك.

لا حل إذاً أمام الإمبرياليين (وعلى رأسهم أوباما) سوى التوسع حرباً أو سلماً وتعميق الاستغلال في بلادهم وفي العالم لتلبية حاجات الإستهلاك العارم والوحشي للموارد في كوكبنا، وللحصول على «فائض قيمة تاريخي جديد» يمكنهم من الاستمرار. وطريق الحرب قد جربت من قبل وأتت بنتائج عكسية، كما أن المقاومة العالمية للامبريالية تتسع يوماً بعد يوم.

رغم كل ذلك يعمل المماليك الجدد في بلداننا على خداع الناس بوسائل وأساليب تافهة ويحاولون استجداء المستثمرين الأجانب للاستثمار في بلادنا، رغم الوضع المزري لممكنات الاستثمار في أي مكان نتيجة للأزمة الحالية.

ويتحدثون عن أصل ولون أوباما (الأفريقي) وأحياناً (المسلم). وهذا وهم فإن الأصل الأفريقي لوزير خارجية أمريكا كولن باول لم يمنعه من الكذب من أجل الاندفاع للهجوم على العراق واحتلاله. وأن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس التي تنتمي لأصول أفريقية تعتبر من أسوأ وزراء الخارجية في تاريخ أمريكا.

لقد كان الثائر الأفريقي العظيم باتريس لومومبا ضحية لخائن أفريقي أيضاً هو تشومبي الذي قتل لومومبا وأكل كبده. فالموقف السياسي والإيديولوجي لا علاقة له باللون أو العرق، وإنما يتعلق بالموقف والانحياز الطبقي.

يرتبط بذلك إشاعة الأوهام عن الوضع المؤسسي في أمريكا الذي سوف يساعد على تجاوز الأزمة. ويتم تجاهل أن «المؤسسة» ليست شيئاً محايداً أو معلقاً في الهواء. هي نتاج لنظام سياسي اجتماعي (طبقي)، وهي تعبير عن الطبقات السائدة. وحيثما تكون الرأسمالية هي السائدة تكون مؤسساتها معبرة عنها. وحينما تكون الطبقة العاملة وكل الكادحين لهم السيادة تكون لهم مؤسساتهم المعبرة عنهم.

الأزمة بدون حل، ولو حاول أوباما التفكير في السير بعيداً (ولو في أضيق الحدود) عن مصالح الطبقة المسيطرة فسوف تتم تصفيته.

لا تخدعوا أنفسكم أيها المماليك الجدد ولا تخدعوا الناس. فالأزمة خانقة في بلاد سادتكم في الغرب الرأسمالي، وهي أشد وطأة في بلداننا التابعة.

إن أفقاً جديداً يلوح أمام البشرية.. سوف نناضل من أجله.. إنه الاشتراكية!.