حفرة «الرباعية العربية» لدفن القضية الفلسطينية
جاء توقيت الكشف عن «خطة الرباعية العربية لتفعيل وتحريك الملف الفلسطيني» للتأكيد، على أن مايسمى بأنظمة «الاعتدال» العربي (السعودية ومصر والأردن والإمارات)، باتت هي الناطق والمُعَبِّرعن توجهات وسياسات النظام الرسمي العربي، منذ أن هيمنت على جامعة الدول العربية، وحددت خياراتها، ورسمت قراراتها، ونفذتها على أرض الواقع، وهو ما تجلى في السنوات الخمس الفائتة، دماءً ودماراً، على صعيد أكثر من قطر/ إقليم عربي.
تتوزع الخطة على أربعة بنود: الأهداف، آليات تنفيذية، المسؤوليات والواجبات، وأخيراً: إجراءات ضاغطة. عند قراءة تلك البنود، يتوضح للباحث والمحلل، بدءاً من العنوان، أن هناك خطة لإنهاء القضية التحررية للشعب الفلسطيني، وتحويلها إلى «ملف فلسطيني» مثل أية ملفات مطروحة!
في المحاور الأربعة التي تضمنتها «الأهداف»، تبرز عملية «تحريك عملية السلام على أساس المبادرة العربية»، كمهمة أساسية يجب الوصول إليها من خلال «توحيد حركة فتح، وإعادة استنهاضها»، و«تحقيق المصالحة الوطنية بين فتح وحماس وبقية الفصائل»، مع ضرورة التأكيد على «دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات».
آليات التنفيذ: ألغام على الطريق
من الواضح أن «عقلاً فلسطينياً» كان حاضراً خلال مشاورات وجلسات التحضير للحوارات التي أدت لظهور الوثيقة، ومشرفاً، على صياغة الخطة. فالتفاصيل الواردة في الآليات، لم تكن هامشية، بل، شكلت، متن الوثيقة، لأنها تحمل في كل فترة زمنية محددة، مهمات وجب تنفيذها، تارة بعبارات الحرص على الشعب الفلسطيني، وغالباً، بالوعيد:
(سبتمبر- ديسمبر 2016)
مهمات محددة للتنفيذ داخل «حركة فتح»: توحيد الصف بما يتطلب من إعادة للمفصولين من فتح والسلطة، كلٌ إلى مكانه السابق، ومعالجة الملفات القضائية، وعودة محمد دحلان لعضويته في مركزية فتح.
لسنا بحاجة لأدوات بحث للكشف عن الهدف الواضح والمحدد: عودة دحلان لعضوية اللجنة المركزية (كان لافتاً التغاضي عن تقديمه كعضو مجلس تشريعي منتخب)، وإعادة المفصولين كلهم من أنصاره للحركة، والأهم: معالجة ملفاتهم القضائية التي تضمنت العديد من التهم المعروضة على المحاكم (يمكن العودة لجلسة انعقاد دورة المجلس الثوري الثالثة عشر في رام الله، يوم 10/3/2014، لمتابعة وسماع ما تحدث به رئيس السلطة عن دحلان، وهي موجودة على شبكات التواصل الاجتماعي). ولا ينسى كاتب الخطة أن يؤكد على ضرورة (وضع الخطط والبرامج لإعادة تفعيل م.ت.ف من خلال التشاور مع فصائلها ومكوناتها كافة).
(يناير- مارس 2017)
على أساس الانتهاء من ملف فتح، تنطلق خطة التشاور مع الفصائل ودعوتها لاجتماع في القاهرة من أجل: المصالحة الشاملة على أساس الشراكة الكاملة، وبعيداً عن المحاصصة، وصولاً إلى توحيد الضفة والقطاع تحت سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد.
بعيداً عن التشكيك بـ«النوايا الحسنة» التي غلفت الكلمات التي صاغها كاتب الخطة حول الوحدة والمصالحة والشراكة، لتمهد لكلام مفخخ وليس ملتبساً: «سلاح شرعي واحد» الذي تمتلكه السلطة، بمعنى أن أي سلاح آخر- وهذا هو جوهر الموقف- «سلاح المقاومة» سيكون غير شرعي. ولتنفيذ هذا الاتفاق، سيتم تشكيل لجنة عربية للإشراف، ستقوم بإلزام الأطراف كافة ببنود الاتفاق- لا إشارة ولا حديث عن أساليب وأدوات الإلزام.
(يوليو وأغسطس 2017)
العمل على تجديد الشرعيات، وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة (تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني)، ومن ثم العمل على دعم التوجه الفلسطيني للمحافل الدولية لملاحقة «إسرائيل» ومحاكمتها. و ذلك كله، كما يتضح من أجل إعادة إحياء المبادرة العربية للسلام (دون تعديل). والسؤال: ألم تشبع تلك المبادرة التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به، موتاً، حين دفنتها دبابات جيش الغزاة بقيادة مجرم الحرب شارون قبل أن يجف المداد الذي طبع كلماتها.
(سبتمبر 2016 – مستمر)
نجد هنا كلاماً متكرراً، عن تعزيز الدعم العربي المالي والمعنوي للشعب الفلسطيني، في الضفة والقطاع، ومخيمات لبنان وسورية، ودعم صمود أهل القدس، والعمل على التصدي لتهويدها. لكن اللافت والجديد، كان في الإعلان عن أن هذا الدعم المالي العربي، سيكون «مباشراً».
مسؤوليات وواجبات مَنْ؟
في البند الرابع، تتعرى الوثيقة لتظهر على قباحتها. ماهو مطلوب من رئيس فتح والسلطة والمنظمة؟ تحقيق وحدة فتح بالشروط والمقاييس والمعايير التي تراها الرباعية، وليس كوادر الحركة، ولن أقول مؤسساتها، التي تم إما تفكيكها أو سحب صلاحياتها، لصالح «الرئيس الفرد».
وفي حال عدم تحمل هذه المسؤولية، فالخطة البديلة جاهزة (البحث عن آليات دعم الحركة بعيداً عن الطرف المعرقل للمصالحة). وتكشف الخطة عن الدور المرسوم لجامعة عربية، شكلية وهزيلة وتابعة، يرأسها الصديق الحميم للمجرمة، تسيبي ليفني، وصاحب مقولة «تكسير أرجل الفلسطينيين» التي «ستتدخل لفرض الاتفاق على الفصائل الفلسطينية الرافضة له»، ولا تخفي الرباعية هدفها من تحقيق بنود الخطة كلها: من أجل طرح المبادرة العربية للسلام، لأنها «السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربي «الإسرائيلي»، وإقامة علاقات طبيعية بين «إسرائيل» والدول العربية».
لكن ما ينتظر الشعب والقضية «في حال عدم قيام الفلسطينيين بما عليهم واستمروا في الانقسام على أنفسهم» هو أن «بعض الدول العربية ستضطر لدراسة بدائلها الخاصة في التعاطي مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي».
وفي جانب آخر، ستعتمد الرباعية منذ البدء على «القيام بإجراءات ضاغطة على الأطراف المعطلة، أياً كانت هذه الأطراف وفي مراحل التنفيذ كلها». لكن الخطة لم تشر، لا من قريب أو بعيد، إلى أدوات الضغط.
خاتمة
تكتسب الخطة أهميتها من الموقع الجغرافي لمصر والأردن، ومن الدعم المالي للسعودية والإمارات، ومن البعد الإقليمي والدولي في شبكة العلاقات التي تربط تلك الدول بالسياسة الإمبريالية الغربية، وبكيان العدو الصهيوني.
ولا يبدو مفاجئاً لأحد، أن هذه الدول لا تمتلك الجرأة لطرح هذه الخطة دون التنسيق الكامل مع المعسكر الإمبريالي- الصهيوني. ومن هنا، لم يكن متوقعاً أن تتضمن تلك الخطة، أية مواقف عن «تفكيك المستعمرات ووقف بنائها، والانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة عام 1967 والجدار، وعودة اللاجئين، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين..»، ناهيك عن شعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948 الذين أسقطتهم الخطة من حساباتها.
إن هشاشة وتآكل الحالة السياسية والتنظيمية لحركة فتح والسلطة- واعتمادها على الخارج لاستمرار وظيفتها- والعديد من القوى السياسية هو الذي سمح لمثل هذه الدول التابعة، أن تتدخل وتعبث بالقضية الفلسطينية. وهنا، يبرز الدور الذي لعبته سلطة اتفاق أوسلو الكارثي، والوهم الذي عشش في عقليات قيادات فصائلية أخرى عن إمكانية تحقيق «سلام» مع الغزاة المحتلين.
إن عملية إجهاض الخطة وإسقاطها، تتطلب وحدة القوى السياسية والأهلية والشخصيات الوطنية، الملتزمة بالثوابت الوطنية والقومية لشعبنا، والعمل على تشكيل إطار لتجميع الإمكانيات الشعبية كلها من أجل الضغط على الفريقين الفلسطينيين، والقوى كافة، من أجل رفض الخطة الراهنة وقطع الطريق على مختلف المبادرات التي تستهدف التخلي عن القضية الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني، وفي المقدمة، إسقاط اتفاق أوسلو وملحقاته.
*كاتب فلسطيني