قاسيون في حوار شامل مع د. عصام الزعيم الجبروت الأمريكي واضح وبمقدار ما هو واضح معرض للانهيار
أجرت قاسيون حواراً شاملاً مع الباحث والمفكر الاقتصادي الدكتور عصام الزعيم المعروف بمساهماته البحثية داخل القطر وخارجه، للوقوف على رؤيته للواقع الاقتصادي العالمي عموماً والوضع الاقتصادي السوري بشكل خاص.
• قاسيون: ثمة قضايا كثيرة تحدث حالياً ولها العديد من الدلالات، منها ارتفاع أسعار النفط وانعكاساتها خصوصاً على الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقة اليورو بالدولار حيث أصبح اليورو بـ1.35 دولار، وتصريح مسؤول الخزانة الأمريكي حول حجم المديونية التي وصلت إلى /8/ تريليون دولار، مما يهدد الدولار، كذلك هناك رفض الصين تخفيض الـ «يوان» بطلب من أمريكا.. كيف يقرأ د. عصام الزعيم هذه المؤشرات التي ستفضي إلى نتائج خطيرة فيما يتعلق بالأزمة البنيوية العميقة داخل الاقتصاد الأمريكي، وهل لها حلول داخلية؟ وإذا لم تكن ثمة حلول، فهل الحل يكمن في الانتشار العسكري في جهات الأرض الأربع؟؟؟
* د. الزعيم: يسعدني أن أتحدث وإياكم في صحيفة «قاسيون» التي بدأت بالقضايا العامة والمركزية.. من المؤكد أن النفط عنصر اقتصادي بقدر ما هو استراتيجي، وأنه عنصر تبادل بقدر ما هو عنصر للحرب، بالتالي الوصول إلى النفط والتحكم فيه من القضايا الملتهبة دائماً، لها أبعاد اقتصادية واستراتيجية معاً، وخلال الفترة التي مضت تغيرت الخارطة النفطية في العالم كثيراً، وتمكنت الولايات المتحدة أن تضع موطئ قدم لها في بحر قزوين وآسيا الوسطى، وكان الصراع على الغاز شديداً، وتتداخل فيه المصالح الأمريكية ومصالح الدول الكبرى مع المصالح الإقليمية لكل من تركيا وإيران. هذا البعد يستحق التركيز، لما له من انعكاسات مباشرة على المنطقة العربية بشكلٍ عام. أمريكا كانت وما تزال تنتهج استراتيجية نفطية عالمية، حيث ركزت تركيزاً شديداً على بحر قزوين وآسيا الوسطى، وأفريقيا الغربية، وهاتان منطقتان جديدتان. فإفريقيا، وخاصة (نيجيريا وأنغولا والموزامبيق وتشاد والسودان..) محور هام من محاور الصراع الأمريكي، وهذا ما يفسر الصراعات الدائرة في دارفور وتشاد والقرن الأفريقي. واستطاع الأمريكان أن يعقدوا حلفاً استراتيجياً مع أذربيجان، وتحقيق انتصارات في القفقاس، والتحكم بإنتاج هام في النفط في بحر قزوين.
ولكن كل هذا لا يخفف من أهمية النفط العربي، لأن المسألة كبيضة القبان، فيمكن بإنتاج محدود أن تتحكم بالسوق العالمية، كما فعل الغرب ببحر الشمال من أجل زعزعة قوة أوبيك تفاوضياً. وهناك موضوع التغير الكبير في آسيا والشرق الآسيوي، حيث تبين أن الروس قوة أولى في إنتاج الغاز الطبيعي، وأنهم أصبحوا مزودين رئيسيين لأوروبا، وكذلك الصراع الياباني الصيني حول من يستحوذ على الغاز الروسي. فاللعبة السياسية كبيرة، والروس يتصفون بكثير من الروية وضبط النفس، فهم لا يريدون أن يقطعوا الجسور بينهم وبين اليابان، بالعكس، هم يرغبون بتجديدها للحصول على الغاز من جزر ساغالين. فالرد على العولمة الجديدة، وزوال التوازن الدولي، هو التقارب الروسي الصيني «لقاء شنغهاي».
في أمريكا اللاتينية اعتبر الأمريكان أن الغاز والنفط هما من عناصر الأمن الاستراتيجي الأمريكي، ولكن الأحداث جاءت لتغير الكثير من المعطيات، وفي المنطقة العربية يلاحظ تحول دولة قطر إلى أول دولة مصدرة للغاز في العالم، وأن السعودية تسعى إلى اكتساب موقع متميز في الغاز، لا تقل أهميته عن النفط، ولكن في الوقت نفسه تحاول أن تقيم علاقات تضمن لها الحد الأدنى للتحكم، وتصطدم الولايات المتحدة بأن الدول النامية بما فيها السعودية، لا تريد أن تعيد دخول الشركات الأمريكية في النفط المحلي. فالأمريكان حاولوا أن يعيدوا الدخول إلى آرامكو، التي كانت بالأصل شركات أمريكية، تضم أكثر من شركة احتكارية، وجرى تأميمها في السبعينيات.
وظهور تشافيز في أمريكا اللاتينية، والاصطدام بين قوى الامبريالية والعولمة، والقوى المتضررة من العولمة أصبح حامياً، مما أضفى بظلاله على الدول النامية الأخرى.
وإذا أخذنا البرازيل وكوبا وفنزويلا، فهناك درجة أعلى من الصراع والوعي في الوقت نفسه، بالعلاقة مع الولايات المتحدة، لم نجدها لدينا نحن. أما بالنسبة للصراع بين الصين والولايات المتحدة، فالصين تعتبر أول دولة طلباً على الطاقة، وهي مستهلكة لـ43% من الطاقة العالمية.
• قاسيون: هناك من يقول إنه قبل /2001/ كانت أمريكا مسيطرة على السوق النفطية بشكل عام. لماذا اضطرت الآن أن تقدم بأساطيلها على باب البئر النفطي تماماً، في هذه المنطقة الحيوية التي تعتبر عتبة الوصول إلى بحر قزوين؟ وكما قال أحد الكتاب الأمريكيين عندما سأله أحد أبنائه: «نفطنا تحت رمالهم»! فهل وجود القوة العسكرية الأمريكية في الخليج يعكس أزمة في الداخل الأمريكي؟ وهل وجودهم على باب البئر سيساعدهم على إبطاء النمو الصيني الياباني الأوروبي والاقتصاد فيها؟ وهل رفع الأسعار سيجعل الوصول إلى مراكز التنافس أسهل بالنسبة إليهم؟
* د. الزعيم: إن الاحتلال الأمريكي لآبار النفط يستهدف التحكم في أهم المصادر من حيث الكمية والموقع الجغرافي، ومن ناحية أخرى يستهدف التحكم بالإمداد الخليجي والعربي لكل من اليابان والصين وأوربا الغربية. وما هو جديد لأمريكا أنهالم تعد كما كانت في الماضي، دولة مكتفية ذاتياً، بل هي الآن مستوردة. وأوربا الغربية أقل استيراداً للنفط مقارنة مع أمريكا، ولكن بالمقابل أمريكا لديها مصادر أخرى للطاقة متطورة كالطاقة النووية والفحمية، فإذا ارتفعت الأسعار، ارتفعت أرباح الشركات الأمريكية النفطية، ولكن تتضرر صناعة السيارات، لذلك. أصبحت هناك صيغتان: إما شراء النفط المستخرج، أو التشارك بإنتاجه. إن أهم مصادر الإنتاج في الخليج هي السعودية وإيران، وما ينتج هناك غير تابع للسيطرة الأمريكية، فالسعودية طورت نوعاً من الاستقلال من أجل تعزيز القدرة التفاوضية للدولة. وجعلت شركة أرامكو سعودية مئة بالمئة مع كل الضغوط التي تمت ممارستها من أجل أن تفتح تلك الشركة أبوابها من جديد للأمريكان، وعندما أطلقت السعودية مبادرتها الاستراتيجية في الغاز الطبيعي، أسست أربعة تجمعات كبرى للتنقيب عن الغاز و تصديره، ولم يكن للأمريكان نصيب بالمشاركة فيها. أما بالنسبة لقطر فالوضع يختلف. إذاًَ الاقتصاد الأمريكي يتحول تدريجياً إلى قطاعين متمايزين، قطاع يعتمد على النفط، وقطاع يعترض على النفط بقوة..
• قاسيون: إذاً لماذا تقوم هذه الحروب؟
* د. الزعيم: لأن النفط مايزال عصب النقل الاستراتيجي الحيوي، والنقل البري يشمل قطاعات احتكار السيارات من قبل شركات كبرى في العالم، إلى جانب شركات الكهرباء المعتمدة على الغاز بشكل كبير.
• قاسيون: إذا ارتفعت أسعار النفط ألا تصبح الصين وأوروبا متضررتين أكثر من أمريكا نفسها، في ظل السيطرة المباشرة، أي الاستيلاء على مواقع النفط بشكل كبير؟
* د. الزعيم: الأمريكان والأوربيون يتبارون للتملك. فالأوروبيون لديهم مصالح كبرى نفطية مباشرة مثل شركة توتال، ولكن الأمريكان يتميزون عن الأوروبيين بأن استراتيجيتهم النفطية لا تنقذها السجون العسكرية.
• قاسيون: يقول أحمد زكي اليماني في تصريح له أنه في حال تعرض إيران لضربة عسكرية ستصبح أسعار النفط من 150 ـ 200 دولار للبرميل الواحد. وأشار بشكل واضح أن الأمريكان لا يتضررون بقدر ما سيتضرر الأوربيون والصينيون لأن تكلفة المنتج ستزداد، وخاصة بالنسبة للصين لأنهم لا يمتلكون الطاقة..
* د. الزعيم: الصينيون لا يزالون يعتمدون اعتماداً كبيراً على الفحم، والطلب العالي على النفط، لأنه لم يتغلغل في الاقتصاد الوطني كما هو عليه في أوروبا و أمريكا. وأنا هنا لست بصدد المقارنة، ولكن باعتقادي أن ارتفاع الأسعار يضر بمصالح الرأسمالية بصفة عامة، لأن هذا يعني التعدي على صناعات عديدة.
• قاسيون: نحن لا نتحدث عن مرحلة هادئة، بل مرحلة ساخنة في العالم، فسياق الأحداث يفترض شيئاً غير متوقع، وهنا سأنتقل إلى سؤال حول علاقة اليورو بالدولار، وهذه النسبة التي أصبحت 1.35 كيف تفسر ذلك؟
* د. الزعيم: الولايات المتحدة ترغب في ارتفاع أسعار اليورو لمصلحتهم لأنه يؤدي إلى ضعف الموقف التجاري لأوربا مع الولايات المتحدة، أما على الصعيد المالي فإنه يعمق الأزمة الحالية لأمريكا، التي بدأت عام 1971 عندما تم تحرير الدولار من الذهب، وأصبحت تصدر شيكات على البياض، وهذا الوضع يتفاقم عندما يضعف الدولار أمام اليورو، لكن الأمريكيين مستعدون لاستقطاب استثمارات أجنبية إلى الولايات المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى سيصعب على الاتحاد الأوروبي التصدير للسوق الأمريكية.
• قاسيون: لكن بالنظام المالي هذا الضعف ليس لصالح الدولار خاصة هناك حديث عن حجم الدولار السابح في العالم بحوالي /300/ تريليون دولار وحسب تصريح وزير الخزانة الأمريكي فإن حجم الديون /8/ تريليون دولار وهذا يهدد الدولار جدياً.
* د. الزعيم: هذا مؤكد، لأن الأزمة تتفاقم باستمرار، فالولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى نظام هي أول من يخالفه، وهذا لا بد أن يكون له نهاية بالتباري مع الاقتصادات الأخرى. ولكن المسألة مازالت تنضج، ولم يتداول الاقتصاد بما فيه الكفاية، والموقف الأوربي والياباني مهادن لأمريكا، وليس في موقف الهجوم، مما يسمح لأمريكا أن تتصرف من دون مسؤولية، فيما يخص سعر صرف الدولار. ومع أن أوربا الغربية تمر بمرحلة مخاض قد تصل إلى عشر سنوات، لا بد لها من أن تجمع قواها، فالدول الأوربية التي كانت اشتراكية، تتميز بأنها شديدة التخوف من الولايات المتحدة، وأقل التزاماً للمصالح الأوربية. ولكن هذه الظاهرة مؤقتة، فأمريكا تحاول أن تؤثر في ألمانيا وفرنسا اللتان تشكلان الأساس التاريخي لأوربا. أمريكا تعتمد في نموها على الاستهلاك الاستقراضي أي تقترض لكي تستهلك باقتصاد عملاق.
• قاسيون: إذاً لماذا هذا الحجم الهائل في المديونية.
* د. الزعيم: ولماذا لا يكون لدي هذا الحجم إذا لم أجد أحداً يردعني.
• قاسيون: وهل هناك في الأفق من يردعها؟ وكيف تفسر رفض الصين تخفيض سعر اليوان بطلب أمريكي.
* د. الزعيم: الصينيون نجحوا خلال العشر سنوات الماضية في درء الضغوط الأمريكية. وتمكنوا من الحفاظ على سعر الصرف المنخفض، وهذا ردع لعملية ما بشكل هائل. وهناك احتمال أن يرفعوا سعر اليوان، مع أن صندوق النقد والبنك الدوليين يطالبان بسعر منخفض للعملة الوطنية، بما فيها سورية..
• قاسيون: هل يمكن أن نستنتج من علاقة اليورو بالدولار، أو تصريح وزير الخزانة، أو رفض الصين الطلب الأمريكي، أن هنالك أزمة في الاقتصاد الأمريكي جعلتها تفكر بحلول من الخارج سواء عسكرياً أو بالضغط ترهيبياً أو ترغيبياً؟
* د. الزعيم: لا نستطيع أن نقول الاقتصاد الأمريكي فقط. فالاقتصاد الرأسمالي اقتصاد دولي. وأمريكا اقتصادها المحلي قوي ، سوقها الاستهلاكية واسعة وعالية القدرة الشرائية، ولكنها تحتاج أيضاً إلى الأسواق الخارجية. والقوة المحركة للرأسمالية الأمريكية والأوروبية واليابانية والكورية، شديدة الاعتماد على الطاقة التكنولوجية والثورة الرقمية. وهناك ازدواجية بالاقتصاد الأمريكي، فالشركات التي تعتمد على المواد الخام، بما فيها النفط، تندفع نحو المشاريع العدوانية والعسكرية، بينما الشركات الالكترونية تحقق غاياتها من دون جيوش.
• قاسيون: هيكل ومقابلاته التي تجري على إحدى الفضائيات، يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية الآن ليست في أحسن حالاتها، بل هي في طور الاتجاه العكسي التراجعي، هذا بالمعنى السياسي، هل توافقه الرأي بالمعنى الاقتصادي؟
* د. الزعيم: في مقارنة السياسي بالاقتصادي، الجبروت الأمريكي في السياسة واضح. ولكنه مرشح للانهيار في السنوات المقبلة، وهذه إشكالية كبيرة، لأننا نخاف من فاشية أو نازية أمريكية، عندما تضغط دولة إمبريالية أو قوى أخرى على ذيل الذئب الأمريكي. وقد تظهر قوة أشد عدوانية من أمريكا، وقد تستخدم خيارات سيئة حين تفقد قيادة العالم.
• قاسيون: ما هي حصة أمريكا بالإنتاج العالمي قياساً مع أوربا؟ وإذا ربطنا الاقتصاد بالسياسة نشاهد أن أمريكا توجه الضربات «اللكمات» لكل عالم، لكنها ليست كلية القدرة مع وجود أمكنة رخوة في هذه الخاصرة أو تلك، وهنا نعتقد أن ما يجري الآن من تواجد لخمس حاملات طائرات في الخليج والبحر الأحمر من أصل تسع، له دلالات عدة. فما الذي دفع بأمريكا التوجه إلى جهات الأرض الأربع عسكرياً؟ وما علاقة ذلك بالاقتصاد؟
* د. الزعيم: هناك قانون الأواني المستطرقة فعندما انهار الاتحاد السوفييتي، وزال النظام الاشتراكي الدولي، أعيد توحيد العالم رأسمالياً. وكان على الولايات المتحدة أن تسد هذا الفراغ بأن تصبح قوة عظمى، تفرض ديكتاتوريتها على العالم، ولكن حصلت تغيرات.
فأوروبا كانت ميالة لتحدي الولايات المتحدة، وقد برز هذا كثيراً عند كول واندريوتي. لذلك وجدت جهات عدة ضد الهيمنة الأمريكية، أما الآن هناك من يقر علناً بأنه بالحضن الأمريكي، هذا لا يعني أنه ليس هناك تناقضات، ولكن هناك إقرار واقعي من قبل الرأسماليات والدول الأوربية أنها لا تستطيع أن تتحدى أمريكا. أما أمريكا اللاتينية ففيها عدة تكوينات، فالبرازيل تطبق برنامج صندوق النقد الدولي المخفض. بينما تشافيز مع استنهاض للقوى الاستقلالية في أمريكا اللاتينية، وقد ينجح مع كاسترو وحلفائهما في خلق تكتل اقتصادي، مستفيداً الكثير من المعطيات، خاصة بعد الزعزعة في النظام الأمريكي الشامل.
• قاسيون: المحور الثاني للنقاش هو المحور العربي، والبداية مع الكويت التي ربطت دينارها بسلة عملات، وهي تعتبر محمية أمريكية بامتياز، سياسياً، فما التفسير الاقتصادي لهذا الربط؟
* د. الزعيم: الكويتيون تجار مهرة ويدركون مصالحهم، والماهر لا يربط نفسه بالدولار الآن، بل بسلة عملات، وهذا لا بد أن يعم على كل دول الخليج عاجلاً أم آجلاً، وسأعود قليلاً للصين التي لم أعطها حقها، فصعود الصين يعني أن تتحول إلى أمرين: أولاً أن تصبح مركز استقطاب للرساميل في القطاعات الطليعية، وثانياً أن تصبح دولة مصدرة كبيرة وهذا أيضاً بدأ يبرز.
فالصين ستشكل تحدياً اقتصادياً فائقاً، بدأ بتعزيز المنعة التكنولوجية والاقتصادية الذاتية، وتهديد القطاعات المتأزمة في النظام الرأسمالي، كالنسيج والمعادن. ويجب ألا نقلل من تجربة النمور الآسيوية وخاصة كوريا، وهي من الدول السبع الكبرى، وإذا توحدت الكوريتان فستكون هناك قوة عملاقة.
وصعود الفيتنام ودول جنوب شرق آسيا سيغري اليابان بالمزيد من الاستقلال عن الولايات المتحدة.
• قاسيون: الفوائض البترولية الخليجية تقدر الآن بألف مليار دولار ما مدى تأثير ذلك على سياسات دول الخليج.
* د. الزعيم: تدفق العوائد النفطية هي الزيادات التي تمت في عام 2005 ـ 2006 وتجاوزت /480/ مليار دولار، لكن الإصلاح الاقتصادي الليبرالي الذي فرضه صندوق النقد والبنك الدوليان، على معظم الدول العربية نتيجة ديونها الخارجية دخل مرحلة جديدة من العمق منذ التسعينات، وما يجري في مصر ليست خصخصة بنوك فقط، بل يبيعها للبنوك الدولية ولشركات أوربية. فالتملك المباشر، وخاصة المالي والمصرفي، في عدد من الدول العربية مسألة مهمة اقتصادياً.
الأمر الثاني أن هذا التدفق بالأموال يتحقق نتيجة ارتفاع أسعار النفط، الذي يرتبط باستنزاف الثروة النفطية. آسيا هي أهم توسع للاستثمارات الخليجية، لأن أمريكا الآن أصبحت منطقة غير آمنة، من ناحية شروط الإقامة والدخول والخروج وشروط الجهات الأمنية، خاصة مع العرب. بالإضافة إلى احتمالات المصادرة أو الاستيلاء الأمريكي على الأموال الخليجية. وبدأ البحث عن مخارج أخرى، وتشكل شركات في غاية الأهمية بين اليابان والصين وكوريا والدول الخليجية، وهذا يشكل مجالاً رحباً للاستثمار. ومع هذا الخليجيون بحاجة إلى الاستثمار في منطقتهم أولاً والمنطقة العربية ثانياً.
• قاسيون: الخليج الآن بركان يكاد في أية لحظة أن ينفجر، كيف ستتأثر دول الخليج بالاقتصاد العالمي؟ وما هو شكل الحلول؟
* د. الزعيم: الطفرة النفطية حصلت في عام /2005 ـ 2006/ وخلقت واقعاً جديداً تميز بوجود فائض من الأموال، استخدم من أجل التطويق المالي وأسواق البورصة. والأموال التي جاءت مولت شركات اتصال كبرى، وهذا النمو غير اقتصادي وغير متوازن مع القطاعات الأخرى كالصناعات التحويلية والألمنيوم، ولكن كل هذا لم يحل المشكلة فهناك أموالٌ كثيرة تبحث عن مكان للاستثمار، والدول العربية الأخرى لا تملك سياسات اقتصادية ذكية، في سورية مثلاً، ليس لدينا سياسات لتشجيع الخليجيين على الاستثمار في الصناعة والزراعة والتكنولوجية. فعملية الاندماج بالعولمة تتم الآن في كل البلاد العربية، والتي أساسها التمويل الليبرالي في الانفتاح التجاري، وتشجيع الاستثمار الأجنبي كأساس لتدعيم العولمة.
هذه العملية تتم بطريقة مدروسة بالتوازي مع العولمة من أجل التحكم في الصراع العربي الإسرائيلي ودمج إسرائيل بالاقتصاد العربي مع العالمي كما حصل في الأردن. مع أن الأمريكان فشلوا في قمة الدار البيضاء وعمان والقاهرة والدوحة. ولكنهم الآن يعودون من خلال اتفاقات ثنائية ملزمة. ويضعون شروطاً ليس لها علاقة بحرية التجارة، لأنه لا يمكن الدخول بالسوق الأمريكية ومنظمة التجارة إلا إذا التزمت قسراً، وتحالفت مع عدوك الإسرائيلي، كشروط لعملية السلام الجارية، ومجمل العلاقات التي تطبقها الولايات المتحدة ترتبط باستخدام عمالة أجنبية يتم استغلالها بشكل بشع، وتعطى فرص العمل على حساب العمالة العربية المحلية.
• قاسيون: هنا ندخل إلى المحور الثالث والأخير المرتبط بالوضع الداخلي السوري. هل الأموال الريعية الخليجية التي أتتنا إلى سوق العقارات، هي مصدر لنمو اقتصادي حقيقي؟ كما يدعى البعض؟!.
* د. الزعيم: قطعاً لا! مع العلم أنه ليس من الصحيح نفي أي تأثير إيجابي لهذا التدفق، ولكن الجوانب السلبية أكثر بكثير. لماذا؟ أولاً ما هي أولويات التنمية، وما هي أولويات التمويل الاستثماري في سورية؟ والجواب ليست العقارات الترفيهية قطعاً، فإذا تحدثنا عن العقارات، مطلوب عقارات يستطيع أن يحصل عليها مواطنون عاديون، وليس لها علاقة بأنماط العقارات التي يجري الحديث عنها.
ونحن بحاجة ماسة للمال من أجل تحديث القاعدة الارتكازية للقطاع الزراعي ورفع إنتاجيته، حيث عانى كثيراً من ضآلة القروض الممنوحة للتطوير خلال السنوات العشرين الماضية، وبالتالي هناك توجه وتعطش من أجل تطوير الزراعة واستثمارها.
• قاسيون: هناك الآن عبارة متداولة بعد مجيء هذه الأموال الخليجية إلى بلدنا أن أسعار العقارات أصبحت أوربية والأجور سورية.
* د. الزعيم: إن أولويات التنمية في سورية هي تصفية البطالة والفقر، وهذا لا يتحقق إلا بالاستثمار الكثيف(التكنولوجيا)، برفع الإنتاجية، برفع القوى المضافة، والاستثمار الكثيف بالصناعات التحويلية، فليس لدينا أي استثمارات في الفروع الصناعية الأكثر ديناميكية، وأقصد الصناعات الالكترونية.
• قاسيون: إذاً كيف يتفق ذلك مع تصريحات الدردري بأن حصة الفرد من الدخل الوطني قد ازداد من 1100 إلى 1700 دولار، كيف تفسر ذلك؟
* د. الزعيم: نحن في سورية بحاجة ماسة أن ننهض بالتكنولوجيا لرفع الإنتاجية والقيمة المضافة، وهذا يعني التركيز على القطاعات الإنتاجية الأكثر حداثة، وهذا ما لا يتم، وهي غير واضحة بالخطة الخمسية العاشرة، التي تؤكد أولوية التكنولوجيا الحديثة والصناعة والزراعة في التحديث والتطوير، وليس هناك وضوح بصياغة الأهداف، ولا بالتمويل الكافي لتحقيق هذه الأهداف، وأعني بالوضوح ما هو موقع هذه الصناعات؟ مثل النسيج والأغذية والصناعات الهندسية؟! هذه الأسئلة الكبرى ماتزال أسئلة، والمشكلة تكمن هنا، فهناك مثلاً حالات استملكت فيها الدولة الأراضي من الفلاحين، كما حصل في محافظة /حماه/ عندما استملكت الأرض بثماني ليرات من الفلاح، وباعتها إلى شركة خليجية عقارية. وفيما بعد باعت الشركة المتر الواحد الحوالي عشرين ألف ليرة سورية، فهذه الشركات ربحت أرباحاً طائلة دون أي استثمار، مما أدى إلى رفع الأسعار. المطلوب نمو له أساس مادي، يخلق الفرص الدائمة ويزيد الدخول بشكل دائم، ويقلص الفقر، فأنا أؤيد الاستثمارات العربية البينية، وأؤيد تجمعاً اقتصادياً عربياً إقليمياً، لأن من الضروري أن نواجه العولمة بقاعدة إقليمية وليس بقاعدة قطرية، وهناك تناقض في السياسات الاقتصادية العربية التي تعارض التوجه الاشتراكي..
• قاسيون: ما هي المؤشرات الحقيقية عن ازدياد حصة الفرد من الدخل الوطني.
* د. الزعيم: أنا متحفظ على هذه الأرقام، وأعتبر أنه حصلت بوادر إيجابية منذ بداية العقد الحالي، ولكن في السنتين الأخيرتين هناك تدهور في القوة الشرائية والدخل الفعلي، والحصول على الحاجات الأساسية أصبح أعلى كلفة كما كانت سابقاً.
فالغذاء واللحوم والفاكهة والمسكن والأراضي والملابس، كل العناصر الأساسية تعرضت للتضخم في الأسعار، وبالتالي فإن ما يتعلق بدخل المواطن السوري بحاجة إلى تحري دقيق، لأنه نتيجة حصول سورية على عوائد إضافية من النفط العراقي ورد الكثير من السجال في هذا الموضوع.
وما يبرز في الفترة الأخيرة يسمى تراجعاً، وابتداءً من العام 2004 بدأ التضخم بالإرتفاع وحسب صندوق النقد الدولي لعام 2005 تجاوز 9% وفي عام 2006 هناك من يؤكد بأنه تجاوز لـ20% وفي كل الأحوال فالرقم الحقيقي مخفي، والدليل تدهور القوة الشرائية..
• قاسيون: إذاً هل طريقة الحساب الحالية في الدخل الوطني صحيحة؟ خاصة عندما تدخل فيها الكثير من الأمور، كالخدمات وما شابه ذلك. وهل تعكس الزيادة الفعلية للثروة الوطنية؟
* د. الزعيم: أي تضخم في قطاع الخدمات على حساب قطاعات الإنتاج ينتج أسئلة كثيرة، فهل قطاع الخدمات يحقق فرص عمل؟ حتماً لا يحقق إلا القليل، لأن ارتفاع أسعار الأراضي والشقق تضاعف، وهذه الأسعار لا ترتبط بزيادة العمالة إطلاقاً، أي هل هناك دخول جديدة جراء الشركات العقارية الكبرى؟ لا أظن! فمشروع «الفورسيزن» لا يمكن الاستفادة منه بتاتاً وإطلاقاً، بل تستفيد منه فئة صغيرة جداً. وهذا يدل على عدم وجود مضاعفات اقتصادية إيجابية في المجتمع وعلى الطبقات الوسطى.
• قاسيون: يسعدنا جداً نحن في قاسيون أن نسمع هذا الكلام الدقيق من أخصائي كبير في الاقتصاد، ولكن المكتب المركزي للإحصاء، منذ فترة بسيطة أعلن أن البطالة تراجعت من 8% إلى 12% ماذا يعني هذا الرقم؟
* د. الزعيم: بصراحة أنني أشعر بالأسف الشديد، حينما أسمع هذه الأخبار وهذه الأرقام، كنت أتمنى أن تكون حقيقية، ولكن على ماذا تستند، ما هو التوسع الذي استمر في الاستثمار الصناعي؟ الدولة قامت بتجميد فرص العمل، و الاستثمار الخاص كان ومازال يصطدم بالكلفة العالية، ولا تتم أي طفرة حقيقية بالاستثمار الصناعي في سورية، لأن سعر الفائدة هو 9% ويصل إلى 12%، بإضافة التكاليف الإضافية، وهذا السعر يعتبر رادعاً للاستثمار الصناعي. والعامل الأساسي في توسع الاستثمار الخاص هو حصوله على المال اللازم، وهذا يعتبر صعباً في الوقت الحالي، فالقطاع العام يعاني من التجميد، وغياب الرؤية والحلول الاستراتيجية، و الخاص يجد عقبات حقيقية في التوسع، وهذا يدل بأنه لا يمكن أن يخلق فرص عمل بهكذا وضع.
ومكتب الإحصاء نفسه في الإحصاء السنوي لعام 2006 يبين أن معدل الاستثمار الإجمالي المحلي هو بحدود 25%، وهذا أفضل مما كان عليه أول العقد الحالي، ولكنه يبقى منخفضاً، ولا يمكن في ظل هذه الأرقام أن تنخفض البطالة، ولا أن تتجاوز النمو الذي يصل إلى 5.5%، هذا مستحيل اقتصادياً، نحن نحتاج إلى معدلات نمو للاستثمار ما بين 35-40%، من إجمالي الناتج المحلي.
فكل ما يقال عن نمو عالٍ، لا يتفق مع الأرقام التي أعطاها مكتب الإحصاء نفسه، فلدينا معلومات غير مرضية وغير كافية، للاستثمار الصناعي، حول أداء الاستثمار الخاص. فيما يخص المشاريع المرخص لها بموجب القانون رقم /10/ التي نفذت كلها بشكل جزئي. وإذا أخذنا بالأرقام التي صدرت عن مدير القطاع في وزارة الصناعة لعام 2006 عن أرقام 2005 نجد أن فرص العمل التي تحققت بغضون الـ/6/ سنوات الأخيرة كانت بمعدل 25 ألف فرصة عمل بالسنة.
إن البطالة تقاوم وتمانع التصفية، لأن الأسلحة الفعالة، هي الاستثمار الكثيف بالبنية المتقدمة، ونحن بحاجة إلى إصلاحات كثيرة وعميقة. فاستثمارات العقارات أدت وتؤدي إلى تضخم واسع، دون أن تلبي حاجات العمل وحاجات السكن لأغلبية السكان.
وإن الاستثمارات الأجنبية، لا تؤدي إلى تفعيل فرص عمل، من خلال الصناعات التحويلية والصغيرة، فنحن نعاني من الخطط الاستراتيجية.
البطالة والفقر يحتاجان إلى استثمار كثيف في الاستثمارات ذات الأولوية، وهذا غير قائم، ويحتاج إلى رؤية استراتيجية واضحة، تحدد ما هي الأولويات. ونحن بحاجة إلى ذلك بعد ميل إنتاج النفط إلى الانخفاض والطلب على المشتقات النفطية في ازدياد، وهذا أيضاً سببه القصور في التخطيط. فكل الخطط تفتقد إلى رؤية استراتيجية مستقبلية ولكن المقلق في الخطة الخمسية العاشرة، أنها تدعو إلى الاستثمار في التنمية البشرية من جهة، وإلى تنمية ارتكازية من جهة أخرى، كمحورين أساسيين للخطة. التنمية البشرية تتضمن التعليم، الصحة، الطبابة، السكن، المياه والكهرباء. هذا الهدف إذا لم يندرج في نموذج تنموي متكامل، يؤدي إلى عكس أهدافه؟
ليس لدينا إطار اقتصادي، ولا أولويات استثمارية، ولا خطط استراتيجية بالتسويق والتصدير.
والكفاءات التي تعمل من أجل هذه الأهداف تهاجر، فتكون الدولة قد لعبت دوراً في تصدير هذه الكفاءات.والدول الأوربية وأمريكا جاهزة لاستقبالها،
فكيف تمول الدولة التنمية البشرية إذا كانت في رقعة محاصرة وضيقة ومعزولة عن النشاط الاقتصادي؟ هل تمولها من المساعدات الخارجية؟ لا يمكن! فهذا يتطلب اقتصاداً اجتماعياً متطوراً، وبنفس الوقت، توسع الاقتصاد الليبرالي لا يعطي أي دور للدولة. هذا تناقض خطير. فأهم مأخذ على الخطة الخمسية أنها تتخلى عن التعددية الاقتصادية، فالمشكلة إذاً أنها تبنت أفكاراً متناقضة، بين أن تكون طموحة في الميدان الاجتماعي، وأن تكون مغرقة في الاقتصاد والفكر الليبرالي.
• قاسيون: هل يضعف هذا التناقض الدور الإقليمي لسورية في ظل هذا الاقتصاد المتعرج.
* د. الزعيم: إن الموضوع في غاية الأهمية، وهذه قضية حاضرة وغائبة بنفس الوقت. تحدثت أكثر من مرة، عن قضية الفجوة بين المنعة الاستراتيجية والسياسية لسورية، والهشاشة الاقتصادية. فسورية منخفضة التنافسية، متخلفة بنظام الإدارة الاقتصادية، وتتصدى بنفس الوقت لدور سيادي وريادي، والأهم أننا يجب أن نمتلك اقتصاداً متيناً وقوياًَ وشديد الاعتماد على الذات، فلم التمهل في توقيع عقود جديدة للتنقيب عن النفط ونحن نعاني من الانخفاض؟ الشركة الصينية أكدت أنهم يملكون كل الطاقات والخبرات، ولديهم تجربة طويلة في التنقيب، وفي الحفر الأفقي، وفي أعماق البحار. لكن المسؤول السوري لم يعط أية أهمية للمسألة واستغرقت المباحثات أربع سنوات، كنا بحاجة شديدة لاختصارها.
نحن بحاجة إلى إصلاح القطاع العام وإعادة هيكلته، من منظور تنموي لا تصفوي. وهو يحتاج إلى إصلاح وتحديث وتطوير، ولكن مشكلته سياسية بحتة، أي أن يكون محايداً سياسياً، وأن يكون له معايير وأخلاقيات للعمل الوطني تلهم العاملين فيه دون الأطر الحزبية الضيقة، وأن يعامل العاملين فيه من خلال الكفاءة المحضة.
• قاسيون: هناك من يقول بوجود فائض في العمالة، وهناك من قال العكس تماماً، أي نقص في العمالة، ما تعليقك على ذلك؟.
* د. الزعيم: هذا قد لا يكون دقيقا،ً وهناك ضخامة فائضة كبيرة، ولم يتم استبدال المتقاعدين بعمال جدد خلال /15/ سنة الماضية. المسألة الثانية، عندما أدخلنا تقنيات الأتمتة في عملية الإنتاج في صناعات الغزل، تم رفع سقف الإنتاج. وأصبح استيعاب العمالة كبيراً نسبياً. عندما كنت وزيراً للصناعة، قدمت مقترحات لم ترً النور ولم يعلن عنها، عن خطة لمدة /5 ـ 7/ سنوات لإعادة تأهيل العمالة السورية، تستهدف إعادة توطين في الاستثمارات والمجالات الجديدة، وهذا يتطلب بالمقابل، مقاربة تنموية بالقطاع العام وليس مقاربة تراجع، ومحاصرة الاستثمار الصناعي، وهذا يؤكد غياب المبادرات من قبل الدولة بغياب الرؤية.
• قاسيون: إذاً من يعيق ذلك.
* د. الزعيم: بمثال واحد بسيط، بدأ في عام 2000 ـ 2001 مد قناة مياه إلى منطقة تدمر لإقامة مصنع للأسمدة، ومجموعة مصانع أخرى، ولم ينفذ حتى الآن. عندما كنت وزيراً للتخطيط، ومن ثم الصناعة، بذلت المستحيل، لكن لم يتم البدء حتى بالتنفيذ. كل شيء متوفر لدينا. فلماذا كل هذا التأخير؟ لماذا نستمر في استيراد الأسمدة بدل أن نصدرها؟ هذا شيء محير فعلاً!
• قاسيون: لا نعتقد بأن البعض يتجنى عندما يقول أن الحكومة في الكثير من الأحيان تسير عكس الخطاب السياسي هل يفسر هذا سوء في التصرف بالموارد والثروة البشرية.
* د. الزعيم: أعتقد أن المسألة لا ترتبط بالحكومة فقط، فهناك من ناحية ثانية، قوى متمثلة بقوى السوق تضغط من أجل تصفية القطاع العام، وحجتها أن القطاع العام يخسر. وهناك مدافعون عنه متمثلون بمجموعتين، اقتصادية واجتماعية. وباعتقادي أن المسألة تنموية واستراتيجية، لها بعدها السياسي أيضاً، وليس اجتماعي اقتصادي فقط بجوهرها، استراتيجي في دلالتها وأهميتها، واجتماعي في مضمونها..
عندما كنت وزيراً للصناعة، حاولت المستحيل من أجل تطوير الصناعات الغذائية، فلم أنجح، لوجود قوى ممانعة. فليس معقولاً أن نصفي معملاً للمعكرونة والبندورة والكونسروة في حوران، لماذا؟
ننتج البندورة، ونحتاج إلى تصنيعها، لماذا لا نقوم بإنشاء معامل حديثة، وبكلفة عادية، وبمردود مؤكد؟ إذاً هناك غياب للقرار الاستراتيجي، وقصور عند مدراء المؤسسات الصناعية. مصانع السكرً تعمل في السنة ثلاثة أشهر فقط، بحجة نفاذ الشوندر السكري. فلمعت فكرة استيراد الشوندر الأحمر، وتم الرفض بحجة أنه مكلف اقتصادياً. ثانياً، المشتقات الجانبية لها قيمة عالية، فقلنا أنتم تنتجون الخميرة والكحول الأسيدي، فلماذا لا تنتجون مواد أخرى في مصانع السكر هذه؟ فلديكم الأرض والعمال والمادة الأولية، لماذا لا تعمل بها؟ ومصنع الجرارات أيضاً، التابع لمعمل الفرات في حلب، ينتج نموذجاً للجرارات غير محبب للفلاحين. ولدينا مشاريع منذ عشر سنوات، بوضع خطوط جديدة مع بيلاروسيا ومع الهند، ولم يتحقق شيء منها. في مجال تصنيع التلفزيون «سيرونيكس»، لم نقم بأي تغيير فعلي في العلاقة مع شركة (LG) الكورية، ولازلنا نقوم بالتجميع دون أن تغيير يذكر منذ /15/ سنة.
حتى عندما قمنا بإنشاء معمل للسيارات، الذي كان من المفترض إقامته بحلب نقلناه إلى درعا. فحتى اختيار المشاريع يكون غير صحيح.
وشركة نيسان اليابانية للسيارات، والتي أصبحت شريكاً لنا، فبعد تحولها إلى إسبانيا، لم نفكر حتى بالتعامل معها، مع أن حقوقها المالية والقانونية محفوظة، ومع ذلك لا نستفيد منها.
• قاسيون: يعني أنه إذا بقيت الحالة هكذا، بدون سياسات وبدون خيارات، فالحالة من سيء إلى أسوأ، والوضع ليس سهلاً وليس مطمئناً.
* د. الزعيم: نعم لأنه يمشي ببطء شديد، فمثلاً أقيم مشروع إيطالي بمساعدة منظمة الأمم المتحدة يونيدو من أجل إعادة تأهيل الصناعات السورية، 45 شركة من القطاع الخاص و/3/ شركات قطاع عام، وتأخر هذا المشروع من 2000 إلى 2007، فنحن بحاجة إلى مشروع تأهيل شامل. عندما بدأنا بتفعيل مفاوضات الشراكة في صيف 2000 كان ينبغي أن نطلق برنامجاً استراتيجياً لتأهيل الصناعات السورية في القطاعين العام والخاص. نحن نحتاج إلى بيئة صناعية بكل ما أمكن، وتنافس الصناعة الخارجية. فبدون اقتصاد متين لن نحقق شيئاً.
فتصور أننا الآن نستورد القمح! مع أننا كنا من المصدرين الرئيسيين لمادة القمح، فالفائض الزراعي تقلص مع الوقت، وبعد خمس سنوات ممكن أن نضيع كلياً، نصبح دولة من دون فائض زراعي، كما حصل مع النفط.
لذلك ينبغي أن نتحرك في الوقت المناسب، قبل تأتي التحديات وتحاصرنا. فإذا اعتمدنا على ذاتنا تصبح عناصر المقاومة والممانعة قوية.
فالغاز الذي سيمر من مصر إلى الأردن وسورية، مروراً بتركيا، ثم إلى أوربا، سنحصل على غاز لم نكن نحصل عليه من قبل، إذا استؤنف استجرار النفط من العراق إلى سورية، فالبحر المتوسط سيعود علينا بفائض نفطي، وبعوائد إضافية. فلم أجد بالأدبيات السورية مشهداً واضحاً وفرضيات، هل يأتي النفط بعد سنتين، أو خمس سنوات عبر العراق؟ حتى يستقر مرور الغاز بسورية؟
• قاسيون: إن المشهد الزراعي الذي طرحته، يجعلنا نفكر بالبادية، هذا الخزان الهائل من الأراضي والواحات، المدهشة بخضرتها وزراعتها، فلم يصدر أي قرار بتحويلها إلى زراعة، أو إلى ثروة حيوانية مصنعة.
* د. الزعيم: نحن نأخذ بكل مساوئ العولمة، والليبرالية الاقتصادية. فنصدر هذا الكنز من لحم العواس والخضرة، وما شابه ذلك، ونترك الباقي للشعب، بدل أن نترك الأجود والأفضل له، نصدرها للخارج.
• قاسيون: سؤال أخير دكتور عصام ما مدى تفاؤلك.
* د. الزعيم: سعد الله ونوس كان يقول نحن محكومون بالأمل، ونحن هنا محكومون بالانتصار. بالأمل مع وجود قاعدة مادية للانتصار. وسورية كانت لها علاقات اقتصادية ومالية وصناعية جيدة مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، والآن خرجنا جزئياً من السوق، وسوف نعود إلى الاندماج مع السوق كلياً، ولكن لم نهيء أنفسنا بعد مع الجولة الجانية من المفاوضات.
• قاسيون: لا يسعنا إلا أن نبدي لك جزيل الشكر على هذا اللقاء العلمي والصريح.
* د. الزعيم: شأني شأنك، ومثل جميع الصامدين، لا أتردد أبداً في وضع نفسي بالمعسكر الوطني دائماً، وجيلنا لم يكن بحاجة إلى تجربة العراق لكي يتعلم، نحن منذ نشأتنا تعلمنا أن نكون في الموقع المضاد للإمبريالية الأمريكية، فالخيارات إذاً واضحة، وما علينا إلا أن نكون على كفاءة عالية اقتصادياً، حتى يكون موقفنا شجاعاً، وأن نحقق ونعمل على تحسين المستوى المعيشي للجماهير، التي بتحقيقها نصون ونمتن الجبهة الداخلية، بتأمين الصحة، والتعليم، والسكن، والزواج، وهذا أساس النجاح لأي خطة وتنمية.