«فتح»، و«فتح الإسلام»، و«فتح الجبهة»...
التحول الخطير في لبنان المتمثل في انتقال المواجهات بين الجيش اللبناني والجماعات «الإسلاموية» إلى محيط مخيم عين الحلوة، مع استمرارها في نهر البارد، لم يكن مفاجئاً، فهو بطبيعة الحال خطوة مطلوبة لاستكمال مكونات ومقدمات تفجير الأوضاع في لبنان مجدداً من جانب من أراد ذلك.
ودون الغوص مجدداً في تفاصيل كون هذه الخطوة حلقة في سياق تدويل مجمل الوضع في لبنان وارتهانه بالكامل للخارج، بعد إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع، وانتشار اليونيفل أصلاً، والمساعدات الاقتصادية المشروطة من باريس3 وما سبقها من أرقام مع شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، فإن مجمل الوضع في لبنان يسلط الضوء مجدداً على هشاشة بنية النظام اللبناني المرتبطة بشكل أساسي بحقيقة تكوينه طائفياً من جهة، وعلى كون الحلقة الفلسطينية في لبنان هي الأكثر هشاشة في تلك البنية الهشة، من جهة ثانية.
وإذا كان المبتغى على المستوى اللبناني من وراء هذا التفجير عبر «حرب المخيمات» مرة أخرى، هو قيام طيف من تحولات تبدأ بتفتيت ما تبقى من بنية الدولة اللبنانية عبر ضرب جيشها وتصفيته، وصولاً إلى سحب سلاح حزب الله، مروراً بالتوطين وسحب السلاح الفلسطيني، مع تثبيت حكم «فريق الأكثرية الحالي» بالأمر الواقع و«الضرورات الوطنية»، فإن نظرة متفحصة في الوضع اللبناني تظهر أن البنية اللبنانية ذات التركيبة الطائفية السايكس-بيكوية تنتج منذ الخمسينات وحتى اليوم سلسلة انفجارات دورية على اعتبار أن هذا النظام لا يعبر عن مصالح المجتمع اللبناني ولا يلبيها. وبالتالي تجد النخب السياسية الحاكمة، التي تعد نتاج ذاك النظام، نفسها أمام خيارين: إما تفجير النظام ذاته وخسارة مواقعها وامتيازاتها، أو تفجير المجتمع، وهو الحل الأسهل من أجل استمرار زعاماتها على حساب الشعب اللبناني. وهي في ذلك كانت وما زالت تستقوي بالخارج إقليمياً ودولياً ولكن مع تبديل المرجعيات والمظلات بحكم التحولات واختلاف موازين القوى على الساحتين الإقليمية والدولية ودائماً على قاعدة «الارتباط بالأقوى».
بطبيعة الحال، وفوق الضعف البنيوي المجتمعي اللبناني فإن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تشكل «الحلقة الأضعف» بحكم ظروف الشتات التي لا تسمح بإدماج الفلسطينيين انسجاماً مع رفض التوطين من جهة، وبقاء مجمل الحركة الفلسطينية في الشتات، من جهة ثانية، مرتبطة بتقلبات وتحولات الداخل الفلسطيني نفسه الذي دخل حالياً، تحت وطأة الاقتتال الداخلي وتنازع السلطة وتصاعد العدوان الإسرائيلي، مرحلة من الاضطراب العميق. وعلاوة على ذلك فإن إهمال المخيمات بمختلف الأشكال، وبغض النظر عن ارتباط تلك الجماعات «السلفية» بـ«القاعدة» ووجود عناصر غير فلسطينية من جنسيات عربية مختلفة في تركيباتها، يخلق بحد ذاته أرضية للتهميش وشريحة من المهمشين التي يسهل بيعها وشراؤها، وتحولها لأدوات منظمة ومسلحة ومخترقة استخباراتياً بيد اللاعبين السياسيين المنتفعين من وجودها، سواء كان هؤلاء اللاعبون لبنانيين أو إقليميين أو دوليين.
الجديد في اللوحة اللبنانية منذ نهاية التسعينات، (وعذراً لاستخدام مفردات طائفية لأول مرة ولكن دون تحيز)، هو تحول «الشيعة» في لبنان إلى قوة كبرى، ووجود من يحاول على نحو خطير ومشبوه تحويل «السنة» إلى قوة موازية، في حين أنهم تاريخياً لم يتشكلوا على أساس حزب سياسي ولم يشكلوا ميليشياتهم الخاصة طائفياً بل كانوا موزعين على مختلف القوى والتيارات اللبنانية، وتحديداً الوطنية منها.
الآن، وفي مقابل السلطة الحاكمة ومن والاها ويدعمها خارج الحدود، والتي تنتظر مآل الأمور بهدف البقاء في السلطة، فإن الجيش اللبناني مهدد بمؤامرة نفذت وتنفذ بحقه ولا يجد مناصاً منها إثباتاً لوجوده ودوره في مكافحة «مصادر الإرهاب»، والمخيمات الفلسطينية مهددة، والشعب اللبناني والقوى الوطنية اللبنانية مهددون بالعودة إلى أتون الحرب الأهلية، والفصائل الفلسطينية بين نارين، وكذلك حزب الله الذي يتفرد بامتلاكه سلاح الردع الحقيقي في وجه الكيان الإسرائيلي ومن يقف خلفه أو يستعين به.
بالتالي، وفي ظل استمرار النظام اللبناني بمنطق إعادة إنتاج ذاته على قاعدة التفجيرات الدورية الداخلية، وعدم تمكن اللبنانيين من نسف نظامهم الطائفي باتجاه الدولة الوطنية، فإن المطلوب كمخرج من شرك المواجهات مفتوحة الاحتمالات نحو الأسوأ، ولاسيما مع اقترابها من مناطق النفوذ التقليدية لحزب الله في الجنوب، المطلوب هو إعادة فتح جبهة الجنوب وتسليط النار على العدو الأساسي، بما يقلص إلى حد كبير نفوذ أدواته، سواء كان اسمها «14 شباط» أو «فتح الإسلام» أو «جند الشام» أو «عصبة الأنصار»، الخ. وهي خطوة متوقعة وإن كان توقيتها ما يزال مجهولاً، ولكنها، رغم وجود خاصرة مجروحة بمعالم اقتتال داخلي أو نيران من الخلف، تشكل ورقة قوية بيد حزب الله ستفضي إلى إعادة الاصطفاف من جديد على أساس وطني حقيقي على مستوى العالم العربي كله بين أنصار المشروع الأمريكي الصهيوني وأنصار مقاومته، وتسهم بالتالي في فتح بقية جبهات هذا الصراع. وكلما كان هذا أسرع كلما كان أحسن لجهة التثمير السياسي للانتصار المتوقع ارتباطاً بمنطق المقاومة الشاملة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.