الذهاب للانتخابات المبكرة ومستقبل المنطقة

مع فشل  ليفني «السيدة النظيفة أو المعقمة!»، كما يحلو لخصومها السياسيين أن يسخروا منها، تكون الأزمة السياسية داخل الكيان، قد انتقلت لمرحلة جديدة، لكنها متوقعة، ومهيأة للتعامل السريع معها، بحسب النصوص الرسمية المعمول بها.

فالانتخابات المبكرة، المقرر إجراؤها في منتصف شهر شباط القادم، هي العلاج الممكن لحالة العجز عن تأليف الحكومة، التي أصبحت في مراحل عديدة، الحل الوحيد للخروج من تعثر التوافقات على تشكيل الحكومات. فالذهاب إلى انتخابات مبكرة، كان بوابة العبور نحو شكل التحالفات، وبالتالي تشكيل الحكومات. فعلى مدى عقدين من الزمن، شهدت الساحة السياسية داخل دولة العدو، المتحركة على «سطح صفيح ساخن» بفعل حرارة الأزمات الداخلية والإقليمية، الهروب الدائم نحو هذا المخرج. فخلال تلك المدة لم تستطع أية حكومة استكمال مدة الأربع السنوات، وهي الفترة المحددة لها، مما يشير إلى عمق الأزمة التي تتخبط فيها التركيبة السياسية، القابضة على مكونات «المستعمرة/الثكنة».

بالرغم من محاولات ليفني الدؤوبة للخروج بصيغة تحالف مع حزب شاس الديني «بيضة القبان» الذهبية في ميزان تشكيل حكومتها، فإن ما رشح عن الأسباب التي تم تداولها، على صعيد الاشتراطات الابتزازية لزعيم الحزب «ايلي يشاي»، لم تكن فقط، موضوع مدينة القدس، والمبالغ الحكومية المخصصة للعائلات الفقيرة «الضمان الاجتماعي»، وميزانية المدارس التوراتية. بل إن الحديث عن دخول زعيم الليكود «نتنياهو» على خط الحوارات بين ليفني ويشاي، هو الذي دفع بالأخير لرفض الدخول في الحكومة المقترحة، مقابل الوعود بحصص سياسية ومالية أكبر في حال فوز الليكودي الفاشي بتشكيل الحكومة القادمة. إن قراءة متأنية لواقع الكتل السياسية الرئيسية المتنافسة، سيتيح التنبؤ الافتراضي، بإمكانية وصول نتنياهو- المستفيد الأكبر من فشل ليفني بتشكيل الحكومة- لرئاسة الحكومة القادمة، في ظل مناخ عنصري، فاشي، تنمو في داخل تجمعه الاستعماري، كل الممارسات العدوانية، وتتزايد بداخله وبوتيرة عالية، درجات العداء للعرب. إن هذه القوى التي تسعى لصياغة تحالفاتها القادمة، لتشكيل حكومة «إدارة الصراع»، وليس كما يتمنى بعض «الحالمين» بأن تأتي حكومة «تصنع السلام ؟!» بدأت تعمل على شحن الناخب بهستيريا عدوانية توسعية. فأية تشكيلة وزارية محتملة، ومهما اختلفت تسميات القوى المؤتلفة بداخلها، لن تخرج عن «البديهيات» التي تتشكل على أساسها التحالفات. فـ«السلام» الذي تتحدث عنه القوى الأكثر «اعتدالاً»- كما يحلو للبعض تسميتها- لم ولن تصنع السلام الموهوم. فعلى يديّ جنرالات قادة حزب العمل وكاديما، تحققت أبشع المجازر والحروب العدوانية بحق الأمة والشعب الفلسطيني، فجميع القوى السياسية الصهيونية تتفق في ما بينها- ولو بتعبيرات شكلية متفاوتة- على عدم وجود «شريك فلسطيني للسلام»، لكنها تؤمن بأن الإنسان الفلسطيني الحي، النقيض الحقيقي لأوهامها القائمة على نفيه وإقصائه، هو الهدف الدائم للقتل، سواء بالرصاص أو الصاروخ أو في السجن أو داخل الحصار.

وإذا كان نتينياهو الرابح الأكبر في مسابقة الذهاب للانتخابات المبكرة، فإن الخاسر الأبرز سيكون حزب العمل، الذي ينحسر دوره، وتتآكل وتضمحل قدراته، وهو المهيأ راهناً، لأزمات داخلية يمكن أن تعصف بوحدته التنظيمية. فزعيم الحزب «باراك» الذي كانت تصفه بعض المحافل الصهيونية بـ«الجنرال...الذي متعته القتل» و«نابليون إسرائيل» و«الجندي الأول»، هو القادم اليوم (للمنافسة برجل عرجاء جداً، وكل شخص غريب وعجيب يسخر منه، ومكانته بارزة فقط لدرجة تزيد قليلاً عن مكانة شرطي القرية) كما يقول عنه قبل عدة أيام، «بن كاسبيت» الكاتب في صحيفة «معاريف» الصهيونية. كما أن العديد من قيادات كاديما، مازالت تتعارض، بل وتتناقض تقييماتها حول أداء ليفني التفاوضي أثناء تكليفها بتشكيل الحكومة، وهو ما يؤكد على تفاعل الأزمات الداخلية البنيوية التي تَشَكَلَ على أساسها، والتي قد تؤدي لتفسخه، فما بين الحنين للعودة للحزب الأم «الليكود» أو الاعتزال، تتراوح رغبات ودوافع بعض قياداته.

إن لغة الخطاب السياسي السائدة، والمعلنة من داخل الكيان، ترسم للمرحلة القادمة الإطار الفعلي للوحة التفاعلات المحتملة. فالخطاب الذي تلاه نتنياهو في جلسة افتتاح الدورة الـ17 للكنيست، والذي يمكن اعتباره برنامجاً لحملته الانتخابية، سيساعد على التعرف على خطة العمل التي سيعتمدها في حال فوزه برئاسة الحكومة المقبلة «لن ندير مفاوضات على القدس، عاصمة شعب إسرائيل منذ 3000 سنة، لم أفعل ذلك في الماضي، وأنا أتعهد ألاّ افعل ذلك في المستقبل». كما أكد قائلاً «في كل تسوية سياسية سنحافظ على حدود قابلة للدفاع عن دولة إسرائيل. لن نعود إلى خطوط 67. غور الأردن، صحراء يهودا، وهضبة الجولان ستبقى الحزام الأمني الشرقي لدولة إسرائيل». بعد انتهاء الخطاب بساعات، أجرت جريدة «يديعوت أحرونوت» استطلاعاً للرأي، أشار إلى أن رصيد حزب الليكود من مقاعد الكنيست سيرتفع من 12 مقعداً حالياً إلى 26 مقعداً في انتخابات فبراير القادم، في حين أن نتائج استطلاع آخر قامت به «معاريف»، أفاد بأن رصيد الحزب بزعامة نتانياهو، سيرتفع إلى 29 مقعداً. إن ما يعكسه الاستطلاعان، يؤكد على أن منسوب درجة التطرف والتعصب والتوسع، هو الأكثر تأثيراً على رأي الناخب.

مابين زعيق نتنياهو، ونباح افيغدور ليبرمان، وصراخ جنرالات الموت والدم- الذين تتسابق على ضمهم لصفوفها تلك الأحزاب الصهيونية- ستعاني الأمة العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، وكل شعوب المنطقة من مجازر متنوعة وعلى أكثر من صعيد، وهذا يتطلب من كل الوطنيين، الشروع في صياغة برنامج عمل شامل لمجابهة الغطرسة والتوسع والعدوان.