شرعية المقاومة في مواجهة «محمية شرم الشيخ»!
اشتهرت «محمية شرم الشيخ» كمكان للقاءات السياسية بين قادة الغرب الاستعماري وزعامة النظام الرسمي العربي منذ المؤتمر الدولي الأول عام 1996 تحت شعار «مكافحة الإرهاب» أو بكلمة أدق مكافحة خيار المقاومة لدى شعوب هذا الشرق العظيم. وتحول موقع «شرم الشيخ» بعد ذلك إلى مكان دائم لمؤتمرات دولية وإقليمية (ثنائية، ثلاثية، ورباعية)، تبوأ فيها الكيان الصهيوني مكاناً بارزاً حضوراً وتأثيراً في القرارات الصادرة عنها، وهي في أغلبها ذات أهداف واحدة متكررة وهي: إخماد المقاومة المتفجرة أو المتوقعة، وإطالة أمد الاحتلال، وإخضاع شعوب المنطقة للمخططات العدوانية ـ التوسعية للامبريالية الأمريكية والصهيونية.
... وبعد فشل كل سياسات الكيان الصهيوني من مقاطعة وحصار وتجويع وتفجير وقصف وقتل للشعب الفلسطيني ومقاوميه، وتدمير للمؤسسات الفلسطينية على مدى خمسة عشر شهراً بعد فوز «حماس» في الانتخابات، وبعد فشل عدوان تموز 2006 على لبنان، والذي كان يهدف لأخذ المنطقة بضربة واحدة، كان لا بد من تكليف «الرباعية العربية» بزعامة السعودية بعدم تمكين القوى المناهضة والمقاومة للمشروع الإمبريالي ـ الصهيوني في المنطقة من تحويل الانتصار العسكري للمقاومة في لبنان إلى انتصار سياسي يجعل من خيار المقاومة الشاملة خياراً استراتيجياً محكوماً بالانتصار لجميع حركات التحرر في المنطقة.
... وعندما لم تجد نفعاً قمتا الرياض وشرم الشيخ (السابقة) ثم اتفاق مكة في تثبيت أكتاف المقاومات أو ترويضها في مثلث المآسي والتضحيات /فلسطين، لبنان، العراق/، كان لا بد من فرط اتفاق مكة وإشعال الفتنة والاقتتال الداخلي في غزة وضرب حكومة الوحدة الوطنية عبر تقوية الاتجاه المساوم المتمثل بـ محمود عباس وفريقه السياسي والأمني، متعدد الرؤوس والارتباطات. وهذا ما يفسر السخاء المصري والتشجيع الإسرائيلي لتعزيز حرس الرئاسة والأمن الوقائي والأجهزة الأمنية التابعة لمحمود عباس تدريباً وسلاحاً ومالاً ومتطوعين جدداً. فقبل الأحداث المأساوية في غزة بأسبوعين اعترفت الصحافة الإسرائيلية (يديعوت أحرونوت) «إن حكومة أولمرت تعمل كل ما بوسعها لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا ما سيتضمنه جدول أعمال أولمرت في محادثاته مع جورج بوش وقادة البنتاغون في واشنطن». وهذا ما حصل بالفعل حيث صرح أولمرت غداة لقائه بوش «إن الرئيس اقتنع بفكرة العزل وبمعاقبة حماس على ما فعلته بغزة كنوع من الحروب الاستباقية ضد الإرهاب»!! وهذا يذكرنا كيف سبق لشارون أن أقنع الرئيس بوش بضرورة اجتياح الضفة والقطاع عام 2002 بعد قمة بيروت بثلاثة أيام، على اعتبار أن المقاومة حسب واشنطن وتل أبيب إرهاب!!
... من خلال كل ما تقدم لا يجوز اعتبار قمة مبارك، عبد الله، أولمرت وعباس في شرم الشيخ في إطار العلاج لوصل ما انقطع بين حركتي /فتح وحماس/، بل في إطار العمل المكشوف لتفتيت الوحدة الوطنية الفلسطينية والإجهاز كلياً على خيار المقاومة الذي يوحد جميع المقاومين من كل الفصائل الفلسطينية (عملية الوهم المتبدد نموذجاً). وقد سبق لوزيرة خارجية العدو تسيبي ليفني أن أفصحت عن جدول عمل ومهام قمة شرم الشيخ في خطابها أمام وزراء خارجية الاتحاد الأوربي قائلة: «علينا الاستفادة إلى أقصى حد من أحداث غزة التي فرزت بين المعتدلين والمتطرفين، وعلينا الوقوف إلى جانب حكومة محمود عباس الجديدة...»!
.. فإذا كانت «نتائج قمة شرم الشيخ» مرتبطة بالمقدمات التي أشرنا إليها، فإن محمود عباس وفريقه قد ارتكبا أكبر الخطايا بحق الشعب الفلسطيني عندما أعلن عباس رفضه الحوار مع حركة حماس وفي الوقت ذاته قبل الحوار مع الجلاد أولمرت الذي لم يعر عليه إلا الوعود المذلة: إطلاق سراح 250 أسيراً فتحاوياً من أصل عشرة آلاف أسير فلسطيني في معتقلات الاحتلال، وإزالة بضعة حواجز من أصل 630 حاجزاً عسكرياً تقطع أوصال الضفة الغربية المحتلة وتجعل عباس نفسه محاصراً في ثلاثة مناطق على حد تعبير الكاتب البريطاني باتريك سيل، الذي أضاف:
«المطروح الآن على عباس هو مقاتلة حماس إذا شاء الفوز بالفتات على طاولة الأقوياء» الرباعية الدولية وتابعتها الرباعية العربية.
لا غرابة إذا خلا خطاب أبو مازن في قمة شرم الشيخ من التأكيد على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، لأن سلطة محمود عباس تتماهى بالجوهر مع النظام الرسمي العربي المنهار والمهيأ للتنازلات والتفريط بالسيادة الوطنية.
... وإذا كنا لسنا على مسافة واحدة من طرفي الأحداث في الأراضي المحتلة، فإننا نؤكد أن قوة حماس ومشروعها المقاوم لا يتحققان باحتلال المواقع، بل في استمرار مشروع المقاومة والذي سيعطيها وغيرها من الفصائل الأخرى الشرعية ـ الشعبية أساس الوحدة الوطنية والانتصار اللاحق والأكيد على قوات الاحتلال وتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس طال الزمان أم قصر!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.