اللّواء المتقاعد عزّ الدين إدريس لـ«قاسيون»: أكبر خطر يتهدّد العرب هو من العرب أنفسهم!
أجرت قاسيون لقاء مقتضباً مع اللواء المتقاعد عز الدين إدريس، وسألته في بعض المستجدات على مستوى المنطقة، خصوصاً بعد تصاعد العدوان على غزة، الذي ترافق مع وصول المدمرة الأمريكية «كول» إلى قبالة السواحل اللبنانية، وكان الحوار التالي:
• سيادة اللواء، ثمة تطور دراماتيكي للأحداث في عموم المنطقة، حيث تتصاعد وتيرة تهديدات العدو الأمريكي – الصهيوني من الخليج إلى لبنان وفلسطين، فهل نحن أمام نذر حرب إقليمية واسعة؟
هناك عدد من المحللين السياسيين، وبعض السياسيين أيضاً، يرجحون احتمال اندلاع حرب إقليمية، لكن حتى نحصل على استنتاجات أقرب للواقعية، لابد من أن نستخدم منهجاً تحليلياً يقوم على منطق الأحداث نفسه التي عايشناها من عام 2001... بعد أحداث أيلول في أمريكا إلى يومنا هذا.. لأن هذا الواقع هو حصيلة كل تلك الأحداث التي بدأت بإعلان الرئيس بوش ما أسماه الحرب العالمية على الإرهاب الدولي، ومن ثم ضرب أفغانستان، واحتلال العراق وما جرى ويجري في فلسطين.. وأخيراً الأزمة التي نراها في لبنان حالياً نتيجة التدخل الأمريكي السافر في الأوضاع الداخلية اللبنانية ومناصرة فريق على فريق آخر.. هذا الواقع القائم، إذا قرأناه في ضوء الأحداث.. وأردنا أن نوصف حال أمريكا.. وهل يسمح الوضع الأمريكي بشن حرب إقليمية، نجد ما يلي:
هناك مأزق أمريكي كبير في أفغانستان.. وظهرت علائمه من خلال المؤتمر الذي عقد في برلين لوزراء دفاع حلف الأطلسي، وتركيز وزير الدفاع الأمريكي على ضرورة أن تزيد بعض الدول الأوروبية الأطلسية قواتها ومعداتها في أفغانستان.. والدول الأوروبية لا تريد أن تتورط أكثر في أفغانستان مع أمريكا.
أيضاً، هناك المأزق في العراق. في هذا الإطار، قرأت مقالة لكاتب أمريكي يقارن بين حرب فيتنام ومأزق العراق.. ويقول: إن الإرث الذي سيتركه الرئيس بوش لخلفه هو إرث ثقيل وصعب... وليس من السهل على أي رئيس سواء أكان ديمقراطياً أو جمهورياً أن يعالج هذا الوضع وتبعاته بسهولة.
إذاً، أمريكا مأزومة في العراق وأفغانستان، وحلفاؤها في لبنان انكشفوا، وبدوا أنهم ضعفاء جماهيرياً.. الانقسام في لبنان حاد بين فريقين.. فريق موالٍ لأمريكا وإسرائيل والفريق الآخر مقاوم وممانع.
إذا درسنا وضع أمريكا في ضوء هذا الواقع ورفض معظم الشعب الأمريكي لاستمرار الحرب في العراق ومطالبته بسحب القوات من هناك نستخلص أن الوضع الداخلي في أمريكا لا يسمح لبوش باتخاذ قرار خطير بحجم إعلان حرب إقليمية كبيرة.. وقد لا يوافق الكونغرس على قرار من هذا النوع..
إسرائيل هي من تضغط باتجاه حرب إقليمية، شريطة أن تقوم بها أمريكا سواءً أكانت الآن أم في المرحلة القادمة. الصهيونية العالمية تضغط لحسم الصراع في المنطقة بأسرع وقت ممكن، لأنها فرصة تاريخية لإسرائيل قد لا تتكرر بعد أن أخذ خطها البياني بالانحدار..
إذا أخذنا كل هذه المعطيات الواقعية فإنني استبعد احتمال قيام حرب إقليمية.
• إذاً ما الذي يريده الأمريكيون اليوم؟
بوش ضمن إستراتيجيته الجديدة، مصرّ على إقامة دولة فلسطينية في فترة رئاسته، حتى ولو كانت مؤقتة.. لكن الانقسام في فلسطين حدّ من قدرة السلطة الفلسطينية على السير في مخططها لعقد اتفاقية كيفما كان ولو بإعلان دولة مؤقتة بين عباس وأولمرت.. هذا الانقسام الفلسطيني يعيق تحقيق الهدف الذي يطمح له بوش، لذلك فإن هناك تركيزاً على إضعاف حماس والمقاومة في فلسطين، وهذا ما يفسر كل هذا الضغط على قطاع غزة، فمن شروط الوصول إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل خلال ما تبقى من هذه السنة هو إنهاء حماس والقوى الأخرى المقاومة، لكن هذا الأمر ليس بالأمر السهل، وإسرائيل من أشهر تعلن أنها ستجتاح قطاع غزة لكنها تتردد لأنها تحسب الخسائر والأرباح..
• والمدمرة «كول» جاءت لهذا الهدف؟
بعض المحللين يرون أن كول جاءت لحماية ما تقوم به إسرائيل في غزة، أي لمنع أية محاولة لدعم حماس خاصة من المقاومة اللبنانية.. وإنذار كل من سورية والمقاومة اللبنانية لعدم محاولة تقديم أية مساعدة لغزة.
• هل توافق على هذا الرأي؟..
هذه وجهة نظر فيها شيء كثير من الصحة.. إنها تحذير لقوى المقاومة في لبنان، وتحذير إيران وسورية بوجوب عدم التدخل وترك المسألة تحسم بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتجميد دور حزب الله..
فإذا استطاع بوش أن يمرر هذه الاتفاقية سيفاخر بأنه أنجز الدولة الفلسطينية وحقق السلام بين إسرائيل وفلسطين.. فالقضية الفلسطينية كانت تعتبر دائماً بأنها السبب في جميع مشكلات المنطقة.. هذا إنجاز، ولو شكلي يسعى بوش لتحقيقه، والدليل على ذلك هو مجيء رايس إلى المنطقة..
أما عن إسرائيل، فهي لا تمانع بنشوب حرب إقليمية، وتورط أمريكا وأوربا لتحسم الصراع في المنطقة لصالحها.. لكن هذا الصراع غير قابل للحسم، حتى ولو شاركت أمريكا وإسرائيل وأوربا في حرب إقليمية.. هذا صراع تاريخي..
وهنا أريد أن أوضح مسألة لم ينتبه لها عدد كبير من المحللين.. الصراع العربي الإسرائيلي دخل في طور تاريخي جديد، يمكن أن نسميه تحول الصراع من صراع عربي - صهيوني إلى صراع إسلامي - صهيوني.. ساحة الصراع أصبحت أوسع والقوى أكثر توازناً.. وهذا التحول مهدت له اتفاقية كامب ديفيد.. وبدأ فعلياً بعد اجتياح لبنان عام 1982، إذ نشأت المقاومة في لبنان وأخذت طابعاً مشتركاً إسلامياً ووطنياً.. ولاحقاً أصبحت القوى الإسلامية هي الأساس في هذا الصراع، وهذا التحول غذاه إعلان بوش الحرب العالمية على الإرهاب ويقصد فيه الإرهاب الإسلامي، أو الإسلام حصراً.. كل هذه الأمور نقلت الصراع من صراع عربي – صهيوني، إلى صراع إسلامي - صهيوني والنظام العربي يتحمل مسؤولية ذلك، لأن الدول العربية تخلت عن دورها وعن قضية فلسطين، ودخلت في المحور المعاكس..
إن أكبر خطر يتهدد العرب هو من العرب أنفسهم خصوصاً مع ظهور التيار الذي يسمى بالمعتدل والذي لا أحد يعلم إلى أين يريد أن يوصلنا؟
الخطر في أن يقتتل العرب فيما بينهم، أو يستسلموا للفتن.. إن الخطر يأتي منا على أنفسنا عندما ندخل في فتن داخلية.