«كامب ديفيد» والسِّيادة المجروحة في سيناء - أرقام وحقائق
يتحدثون عن السيادة، فليكن، فنحن لسنا أقل حرصاً على أمن مصر وسيادتها. فدعونا نتحاور ونتحاسب ونتداول حقائق الأمور، وأرجو أن تتسع صدورنا لتفاعل موضوعي هادئ حول الأصلح لوطننا المشترك.. ولنبدأ بالأمور الأكثر جدية وأكثر تأثيراً على أمننا القومي.
سنتناول في هذه الورقة انتهاك السيادة الوطنية المصرية في سيناء بناءً على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979، وسيتم التركيز فيها على محورين أساسيين، الأول: هو التدابير الأمنية الواردة في الاتفاقية، والثاني هو القوات الأجنبية الموجودة في سيناء:
أولاـ التدابير الأمنيّة:
وهي ما ورد في الملحق الأول من الاتفاقية (الملحق الأمني)، ولقد وردت به القيود الآتية على حجم وتوزيع القوات المصرية في سيناء:
• تم لأول مرة تحديد خطين حدوديين دوليين بين مصر وفلسطين، وليس خطاً واحداً، الأول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة وهو الخط الواصل بين مدينتي رفح وطابا، أما الثاني فهو الخط العسكري أو الأمني وهو الخط الواقع على بعد 58 كم شرق قناة السويس والمسمى بالخط (أ).
• ولقد قسمت سيناء من الناحية الأمنية إلى ثلاث شرائح طولية سميت من الغرب إلى الشرق بالمناطق (أ) و(ب) و(ج).
• أما المنطقة (أ) فهي المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) المذكور أعلاه بعرض 58 كم، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 ألف جندي مشاة مصري مع تسليح يقتصر على 230 دبابة و126 مدفعاً ميدانياً و126 مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 37مم و480 مركبة.
• ثم المنطقة (ب) وعرضها 109 كم الواقعة شرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة.
• ثم المنطقة (ج) وعرضها 33 كم وتنحصر بين الحدود الدولية من الشرق والمنطقة (ب) من الغرب ولا يسمح فيها بأي وجود للقوات المسلحة المصرية وتقتصر على قوات من الشرطة.
• ويحظر إنشاء أية مطارات أو موانئ عسكرية في كل سيناء.
• في مقابل هذه التدابير في مصر قيدت الاتفاقية إسرائيل فقط في المنطقة (د) التي تقع غرب الحدود الدولية وعرضها 4 كم فقط، وحدد فيها عدد القوات بـ4000 جندي
• وللتقييم والمقارنة، بلغ حجم القوات المصرية التي كانت موجودة شرق القناة على أرض سيناء في يوم 28 اكتوبر1973 بعد التوقف الفعلي لإطلاق النار، حوالي 80 ألف جندي مصري وأكثر من ألف دبابة.
• ولكن الرئيس الراحل أنور السادات وافق على سحبها جميعاً وإعادتها إلى غرب القناة ما عدا 7000 جندي وثلاثين دبابة، وذلك في الاتفاق الأول لفض الاشتباك الموقع في 18 يناير 1974.
• إن مراجعة خطة العدوان الإسرائيلي على سيناء في حربي 1956 و1967، تثير القلق فيما إذا كانت الترتيبات الحالية قادرة على رد عدوان مماثل لا قدر الله.
• وللتذكرة فلقد تم العدوان الإسرائيلي عام 1967 على أربعة محاور:
محور رفح، العريش، القنطرة
محور العوجة، أبو عجيلة، الإسماعيلية
محور الكنتلا، نخل، السويس
محور إيلات، دهب، شرم الشيخ جنوبا ثم الطور، أبو زنيمة شمالاً ليلتقي مع هجوم المحور الثالث القادم من رأس سدر.
• وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة المسلحة الوحيدة (أ) تنتهي قبل ممرات الجدي ومتلا والخاتمية التي تمثل خط الدفاع الرئيسي عن سيناء.
• سبق للرئيس السادات أن رفض هذا الوضع، إذ أنه صرح في 19 مارس 1974 «إن الحديث الدائر في إسرائيل عن نزع سلاح سيناء يجب أن يتوقف. فإذا كانوا يريدون نزع سلاح سيناء فسوف أطالب بنزع سلاح إسرائيل كلها. كيف أنزع سلاح سيناء ؟؟ إنهم يستطيعون بذلك العودة في وقت يريدون خلال ساعات».
ثانيا- القوّات الأجنبيّة في سيناء:
وهي القوات متعددة الجنسية MFO أو ذات «القبعات البرتقالية» كما يطلق عليها للتمييز بينها وبين قوات الأمم المتحدة ذات القبعات الزرقاء. ويهمنا هنا التأكيد على الآتي:
• نجحت أمريكا وإسرائيل في استبدال الدور الرقابي للأمم المتحدة المنصوص عليه في المعاهدة، بقوات متعددة الجنسية، وقع بشأنها بروتوكول بين مصر وإسرائيل في 3 أغسطس 1981.
• تتشكل القوة من 11 دولة ولكن تحت قيادة مدنية أمريكية.
• ولا يجوز لمصر بنص المعاهدة أن تطالب بانسحاب هذه القوات من أراضيها إلاّ بعد الموافقة الجماعية للأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
• وتقوم القوة بمراقبة مصر، أما إسرائيل فتتم مراقبتها بعناصر مدنية، ومن هنا جاء اسمها «القوات متعددة الجنسية والمراقبون» MFO.
• وليس من المستبعد أن يكون جزءاً من القوات الأمريكية في سيناء عناصر إسرائيلية بهويات أمريكية وهمية أو مزورة.
وفيما يلي بعض التفاصيل:
• تتحدد وظائف MFO في خمس مهمات = (4+1) هي:
-1 تشغيل نقاط التفتيش ودوريات الاستطلاع ومراكز المراقبة على امتداد الحدود الدولية وعلى الخط (ب) وداخل المنطقة (ج).
-2 التحقق الدوري من تنفيذ أحكام الملحق الأمني مرتين في الشهر على الأقل ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.
-3 إجراء تحقيق إضافي خلال 48 ساعة بناءً على طلب أحد الأطراف.
-4 ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران.
-5 المهمة الخامسة التي أضيفت في سبتمبر 2005 هي مراقبة مدى التزام قوات حرس الحدود المصرية بالاتفاق المصري الإسرائيلي الموقع في أول سبتمبر2005 والمعدل في 11 يوليو2007 (ملاحظة: لم يعلن عن هذا الاتفاق ولا نعلم ما جاء به، ولقد وقع بعد سيطرة حماس على غزة).
• مقر قيادة القوة في روما ولها مقران إقليميان في القاهرة وتل أبيب.
• المدير الأمريكي الحالي يدعى جيمس لاروكو James A. Larocco ومدة خدمته أربع سنوات بدأها في 24 يوليو 2004 ولقد شارك في مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كما عمل من قبل في الكويت والسعودية وأفغانستان وباكستان وبنغلاديش وإسرائيل.
• وكان المدير السابق يدعى آرثر هيوز، أمريكي الجنسية أيضاً وكذلك سيكون التاليين بنص البروتوكول.
• تتمركز القوات في قاعدتين عسكريتين: الأولى في الجورة في شمال سيناء بالمنطقة (ج) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة.
• بالإضافة إلى ثلاثين مركز مراقبة.
• ومركز إضافي في جزيرة تيران الخاضعة للسعودية لمراقبة حركة الملاحة!
• ملاحظة: (السعودية لا تعترف بإسرائيل فكيف تكون طرفاً في الترتيبات الأمنية لكامب ديفيد).
التكوين وتوزيع القوّات:
• تتكون من قيادة وثلاث كتائب مشاة لا تزيد عن 2000 جندي ودورية سواحل ووحدة مراقبة ووحدة طيران حربية ووحدات دعم وإشارة.
• الكتائب الثلاث هي كتيبة أمريكية (قوامها 687 فردأ يشكلون القيادة العسكرية وكتيبة المشاة والوحدة الطبية) تتمركز في قاعدة شرم الشيخ والكتيبتان الأخريان من كولومبيا (بقوام 350 فرداً) وفيجي (بقوام 329 فرداً) وتتمركزان في الجورة في الشمال وباقي القوات بمشاركة رمزية من المملكة المتحدة، كندا، فرنسا، بغاريا، إيطاليا، نيوزيلندا، النرويج، والأرجواي.
• تضطلع الولايات المتحدة بمسؤولية القيادة المدنية الدائمة للقوات كما أن لها النصيب الأكبر في عدد القوات 687 من 1678 فرداً بنسبة 40 %
• وذلك رغم أنها لا تقف على الحياد بين مصر وإسرائيل، (راجع مذكرة التفاهم الأمريكية الإسرائيلية الموقعة في 25 مارس 1979 والتي تعد أحد مستندات المعاهدة).
• وقد اختارت أمريكا التمركز في القاعدة الجنوبية في شرم الشيخ للأهمية الإستراتيجية لخليج العقبة والمضايق بالنسبة لإسرائيل.
• رغم أن جملة عدد القوات لا يتعدى 2000 فرد، إلاّ أنها كافية للاحتفاظ بالمواقع الإستراتيجية لصالح إسرائيل في حالة وقوع أي عدوان مستقبلي منها، خاصة في مواجهة قوات من الشرطة المصرية فقط في المنطقة (ج).
• إن الوضع الخاص للقوات الأمريكية في بناء الـ MFO قد يضع مصر في مواجهة مع أمريكا في ظل أية أزمة محتملة، مما سيمثل حينئذ ضغطاً إضافياً على أي قرار سياسي مصري.
• تم استبعاد كل الدول العربية والإسلامية من المشاركة في هذه القوات.
• ومعظم الدول الأخرى عدد قواتها محدود وتمثيلها رمزي فيما عدا كولومبيا وفيجي.
• إن القيادة العسكرية كلها من دول حلف الناتو.
الميزانيّة والتمويل:
• تقدر الميزانية السنوية الحالية للقوات 65 مليون دولار أمريكي، تتقاسمها كل من مصر وإسرائيل بالإضافة إلى تمويل إضافي من اليابان وألمانيا وسويسرا.
وفي إسرائيل:
أما على الجانب الآخر في المنطقة (د) فلا يوجد أكثر من 50 فرداً كلهم مدنيون وأكثر من ثلثهم أمريكيون.
كان ما سبق هو حجم أزمة السيادة في سيناء، أما عن السبيل للخروج منها، فان لهذا حديث آخر.
كاتب مصري