مشروع الشرق الأوسط الكبير دخل طريقاً مسدوداً
يبدو أن عربة الأطماع الأمريكية على ساحة الشرق الأوسط الكبير لا سرعة خلفية لها فلا يبقى أمامها إلا الانفجار أو التفجير وهذا عين المغامرة المجنونة لان الانفجار سيسفر إما عن إزالة الحواجز التي تعترض تلك الأطماع (أي خيار المقاومة) أو ستتهاوى العربة بمن فيها (أي المشروع بما حمل) نحو قعر الهزيمة التاريخية.
وإذا كانت المنطقة سابقا تخرج من أزمة لتدخل في أخرى مشتقة عن سابقتها فإن الوضع الآن أختلف من حيث تراكم الأزمات وتحولها إلى حالات استعصاء لا حلول لها لأن الإمبريالية الأمريكية وحليفتها إسرائيل الصهيونية أصبحتا طرفًا دائماً في هذه الأزمات كافة لدرجة فرض المواجهة العسكرية على شعوب هذا الشرق وإن بإشكال مختلفة، على طريق الانفجار الكبير!
ففي لبنان تمكن الجيش اللبناني ذو العقيدة الوطنية المعادية للكيان الصهيوني من اقتلاع تنظيم فتح الإسلام الإرهابي المرتبط بالقاعدة من نهر البارد ولو بعد أربعة أشهر من القتال الضاري وبثمن باهظ من الشهداء ونزوح جماعي لأهالي المخيم ثم تدميره اضطراراً، ولكن أصابع زينب الأمريكية– الصهيونية والرجعية العربية واللبنانية الداخلية ستحاول وبشتى الوسائل بما فيها خلق انفجار جديد من مستوى ما حدث في نهر البارد لمنع تحويل هذا الانتصار الكبير إلى رافعة تعزز الوحدة الوطنية اللبنانية وتساهم بتمرير الاستحقاق الرئاسي بدون الاستقواء بالخارج وتخلق المناخ لتتكامل مفهومي المقاومة الوطنية والجيش الوطني في إطار إستراتيجية دفاعية ضد الأطماع الصهيونية في لبنان.
واللافت هنا مغزى حديث قائد الجيش العماد ميشال سليمان حول «ضرورة إخراج الانتصار الذي حققه الجيش من البازار السياسي من أجل توجيه البنادق ضد العدو الإسرائيلي». وهذا يعني أن انفجار نهر البارد أعطى نتائج معاكسة لما كان يطمح إليه ديك تشيني وبندر بن سلطان من زج الشعب اللبناني في أتون الفتنة الطائفية وعرقنة لبنان!
ـ أما في بلاد الرافدين فالوضع يزداد استعصاءً أمام قوات الاحتلال التي ترفض الحل السياسي بعد فشل الحل العسكري وبناء عليه وصلت الأزمة إلى طريق مسدود. ورغم كل الجرائم الطائفية بحق الأبرياء والتي تغذيها قوات الاحتلال وعملاؤها، فإن المقاومة ضد قوات الغزو متعددة الجنسيات إلى ازدياد ملحوظ. وما شهدناه مؤخراً من إعادة انتشار للقوات البريطانية في الجنوب، ومن زيارة مفاجئة وسرية لكل أركان الإدارة الأميركية (بوش، رايس، غيتس، هادلي) إلى العراق استمرت 12 ساعة طيران وست ساعات على أرض محافظة الأنبار وهي تشبه عملية إنزال جوي خلف الخطوط، يثبت عمق المأزق الذي تتخبط فيه قوات الاحتلال في بلاد الرافدين. وإذا كان لم يرشح عن الزيارة سوى تصريح للرئيس بوش بعد لقائه المالكي والطالباني في قاعدة عسكرية حصينة، حول إمكانية خفض القوات الأميركية في العراق العام القادم «إذا استمر التقدم الذي يحرزه الجيش على المستوى الأمني خصوصاً في محافظة الأنبار»، فإن الزيارة تحمل رسائل عدة أولها تحميل رئيس الوزراء المالكي مسؤولية فشل الخطة الأميركية. كما جاءت الزيارة قبل أيام من تقرير القائد الأعلى لقوات الاحتلال الأميركية في العراق الجنرال بيتراوس والسفير كروكر إلى الكونغرس لتقويم خطة الإدارة في العراق. وإذا كان خصوم بوش في الكونغرس يتهمونه بضحالة ما حققه من أهداف غزو العراق، فإن الزيارة وضعت جدول عمل للطالباني والمالكي والذي يتضمن جملة قوانين يجب عرضها على البرلمان وإقرارها (وأهمها قانون النفط) قبل عرض تقرير بيترايوس ــ كروكر أمام الكونغرس.
ـ الوضع في الضفة والقطاع المحتلين في حالة تفجّر مستمرة والتآمر الأمريكي ـ الصهيوني ـ الرجعي العربي على أشده ضد خيار المقاومة وضد حقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة (حق العودة، القدس،إقامة الدولة الفلسطينية)، حيث تتقاطر الوفود الأجنبية إلى سلطة الحكم الذاتي في رام الله وإلى عواصم دول الاعتدال، وتستأنف المفاوضات بين أولمرت ومحمود عباس بهدف تكريس الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة والقطاع وتسعير الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس لتكريس ثنائية وهمية مفادها أن هاتين المنظمتين «تختزلان» الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. ففي الوقت الذي يعلن فيه خافيير سولانا وطوني بلير رفض الاتحاد الأوربي والرباعية الدولية لأي حوار مع حماس، وبالمقابل التأكيد على تعزيز سلطة محمود عباس تمهيداً لإنجاح اجتماع الخريف الذي دعا إليه بوش، تقوم قوات الاحتلال الصهيوني باستكمال مخطط تهويد الأراضي الفلسطينية والتحضير لعملية اجتياح عسكري واسع لقطاع غزة ليس فقط لضرب حماس، بل للإجهاز على جميع فصائل المقاومة التي مازالت في حالة اشتباك مع قوات الاحتلال.
واللافت هنا أن حكومة أولمرت أخبرت مصر وحكومة عباس- فياض بنواياها حول اجتياح جنوب القطاع ومازالت تنتظر ردهما على ذلك!!
وتبقى مشكلة وأزمة العدو الصهيوني قبل الاجتياح المتوقع وبعده هي في تنامي خيار المقاومة والذي لم تنفع معه محاولات الترغيب والترهيب.!
ـ ... وفي الدائرة الأبعد من ساحة الشرق الأوسط الكبير حسب المفهوم الأمريكي، نلاحظ تفاقم الوضع في أفغانستان، حيث لاتسيطر حكومة كرزاي إلا على بعض أحياء العاصمة كابول، أي بحجم المنطقة الخضراء في بغداد، وفي الجوار الباكستاني تتأزم الأوضاع وتجري عملية خلق البدائل لبرويز مشرف عبر تظهير وإحياء لبنزير بوتو ونواز شريف بهدف احتواء الغليان الشعبي ضد الامبريالية الأمريكية وضد قيادة الجيش المتحالفة معها لدرجة أن الجيش لم يعد يحكم السيطرة على مناطق القبائل المحاذية لأفغانستان، ولا على فرض الأمن في مناطق حساسة من باكستان النووية!
وإذا كان بعض أركان بوش صرح مراراً أن واشنطن تخوض حرباً عالمية رابعة، فإن هؤلاء لم يتعلموا دروس ونتائج انتصار الشعوب على ألمانيا الهتلرية في الحرب العالمية الثانية!