اغتيال مغنية والنتائج المعكوسة

تعود العاصفة السياسية الكبرى التي أثارتها عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية، ليس فقط للدور القيادي المقاوم والاستثنائي الذي كان يشغله الرجل في صفوف حزب الله ورموز المقاومة على المستوى الإقليمي، بل إلى تأكيد المراقبين السياسيين بأن عملية الاغتيال في الزمان والمكان ودلالاتها على الأصعدة كافة، تشير إلى اكتمال التحضيرات العسكرية والسياسية لمواجهة إقليمية كبرى، بدأ الإعداد لها أمريكياً وإسرائيلياً- وممن والاهما من «المعتلين العرب»- منذ هزيمة العدو الصهيوني على أرض لبنان في تموز 2006.

لا يحتاج المحلل إلى كبير عناء حتى يتهم واشنطن وتل أبيب بمسؤولية اغتيال الشهيد عماد مغنية. وقد اعترف كبير مراسلي صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في واشنطن شموئيل روزنر «إن الأمريكيين مثل إسرائيل يدّعون الجهل بمن صفّى عماد مغنية، وهم مثل إسرائيل يوجد شك كبير في أنهم يكذبون وربما يعرف الوزير روبرت غيتس الحقيقة الكاملة كما يعرفها رؤساء وكالات المخابرات الكبرى... ويستطيع مناقشتها مع الوزير أيهود باراك عندما يزور واشنطن في مطلع الشهر المقبل..»! ومن هنا نعتقد أن التحقيقات الجارية في دمشق ليس هدفها فقط تأكيد ما هو مؤكد حول مسؤولية الطرفين الأمريكي والإسرائيلي في عملية الاغتيال، بل معرفة أدوار بعض الجهات الأمنية والحكومات العربية في المنطقة المتورطة منذ ما قبل عدوان تموز وبعده في الحملة العدوانية الأمريكية- الإسرائيلية على المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. ولم ننس بعد وصف بعض قادة «دول الاعتلال العربي» للمقاومة بأنها «مغامرة»!.

... وهكذا فتحت عملية الاغتيال في دمشق أبواب المنطقة على كل الاحتمالات، وليس أقلها قيام التحالف الإمبريالي- الصهيوني بعدوان مباشر على لبنان وسورية، وكان قد سبق عملية الاغتيال سلسلة من المواقف والإجراءات التحضيرية ضد البلدين أبرزها:

جولة بوش الأخيرة في المنطقة وتصريحاته ضد سورية والمقاومة من منابر الرئاسة والجلالة في مصر والسعودية والكويت والبحرين والإمارات.

إعلان البيت الأبيض فرض عقوبات جديدة على سورية «لأنها لم تغير سلوكها تجاه الوضع في لبنان والعراق وفلسطين...».

رفض المبادرة العربية (على لسان السفير ساترفيلد) لمحاولة بقاء الوضع في لبنان قنبلة موقوتة وإلقاء تبعة ذلك على سورية وحزب الله وإيران.

الإعلان عن رفع مساهمة واشنطن في تمويل «المحكمة الدولية» حول اغتيال الحريري من 7 إلى 14 مليون دولار، واستعجال الدوائر الأمريكية والمخابرات السعودية والأردنية وقادة فريق 14 شباط في توتير الأوضاع الداخلية في لبنان بهدف جر المقاومة إلى حرب طائفية. وقد ادّعى الوزير السعودي سعود الفيصل أن: «سبب فشل المبادرات في لبنان، هو موقف المتطرفين الذين وضعوا لبنان على شفير الهاوية».

محاولات نسف القمة العربية قبل انعقادها وابتزاز دمشق لتقديم تنازلات- تطالب بها واشنطن- لتأمين حضور أصحاب الجلالة والفخامة والسمو إلى دمشق. وقد تولت السعودية ومصر عملية الابتزاز هذه من خلال تصريحات وزيري خارجية البلدين اللذين ربطا حضور بلديهما بحل المشكلة اللبنانية وفق مطالب فريق 14 شباط في لبنان.

... ولكن في الطرف الآخر من المعادلة جاءت عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية بنتائج معكوسة لم تدخل في حساب مدبريها:

ففي خطاب السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله يوم تأبين الشهيد كان الموقف واضحاً بأن الصراع مع العدو الصهيوني- الأمريكي انتقل من قضايا تحرير الأرض والأسرى اللبنانيين إلى عتبة أعلى وأقسى وأخطر يدخل في صلبها وضع مصير وجود الكيان الصهيوني على المحك.

ساهمت عملية استشهاد عماد مغنية في تسريع عملية الفرز بين من هم أنصار خيار المقاومة في الشارع العربي الذي جدد تعاطفه إلى أقصى حد مع حزب الله والمقاومة في فلسطين والعراق، وبين أنصار خيار المساومة والذل والهوان الذي تتزعمه «الرباعية العربية» والسائرين في ركابها في صفوف النظام الرسمي العربي.

بغض النظر عن المحاولات الخبيثة لخصوم سورية في الخارج والداخل الإساءة لتحالفها مع المقاومة وإيران بصدد عملية الاغتيال في دمشق، فإن الجهات المعنية تدرك رمزية وخطورة عملية الاغتيال ومراميها القريبة والبعيدة وهي ملزمة أمام الشعب السوري أولاً بكشف مدبريها ومنفذيها على الملأ، واتخاذ الموقف المطلوب الذي يعكس الغضب المتراكم لدى الشارع السوري من التحالف الإمبريالي- الصهيوني وأدواته في المنطقة. وهنا نذكّر كل أولئك الواهمين- عن خبث أو لقلة المعرفة- بإمكانية تحييد الخطر الأمريكي، بما قاله السيد رئيس الجمهورية لصحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية: «لقد فرضت علينا عقوبات وعزلتنا في الماضي لكن في كل مرة لم تطبق الدائرة علينا. لكن إذا سألتني ما إذا كنت أتوقع هجوماً مسلحاً... فقد كنت أرى هذا الهجوم قادماً منذ نهاية الحرب في العراق..» (أي منذ سقوط بغداد).

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 13:06