الجولان: «عباد شمس» لقاء الخريف..
مع صعوبة توجيه ضربة لإيران حالياً بحكم المعطيات العسكرية فيما يبدو، أصبحت الضربة العسكرية لسورية أكثر إلحاحاً بالنسبة للإدارة الأمريكية، ومن يدور في فلكها، ولاسيما مع اقتراب موعد ما يسمى بـ«لقاء الخريف» الذي تستضيفه. وهي ضربة تكتيكية ــ إستراتيجية بآن معاً بنظر هؤلاء، من أجل أن تتحول مادة رئيسية على جدول أعمال ذاك اللقاء، الذي يراد منه أن لا يبحث السلام بمعناه الحقيقي، رغم جولات المبعوثين وزياراتهم واللقاءات «الشكلية» التي تمهد لـ«إنجاحه» بين «فلسطينيي السلطة» والكيان الإسرائيلي، كما هو معلن.
ولأن الرسائل الأمريكية والإسرائيلية، على حد سواء، متضاربة شكلاً في سياق توزيع الأدوار، بخصوص سقف التوقعات من اللقاء المذكور، وسط رفض إسرائيلي سافر بلسان أولمرت لحق سورية في إدراج «الجولان» على جدول الأعمال إثباتاً لأهدافه السلمية المفترضة، يصبح العدوان على سورية ضرورة لاجتماع الخريف، وكشفاً لنواياه الحقيقية من أجل حرف الصراع الرئيسي في المنطقة عن جوهره، بوصفه صراعاً عربياً-إسرائيلياً، إلى صراع أمريكي/إسرائيلي/عربي «اعتدالي» مع إيران، ولكن بعد «إنهاء» حالة الممانعة السورية، بما تعنيه لدى الشارع السوري والعربي، ولاسيما لدى شعوب «دول الاعتدال» كي تمضي أنظمتها في ذلك المخطط وذاك التحالف.
وبينما يراكم الأمريكيون والإسرائيليون عدداً من الذرائع المفبركة تحضيراً لاستعداء الرأي العام ضد سورية، تبقى الخاصرة اللبنانية بؤرة الاختراق الأبرز (إلى جانب مكامن الضعف في الجبهة الداخلية السورية)، والمؤشرات متعاظمة في هذا السياق، ولاسيما مع اقتراب الموعد النهائي للاستحقاق الرئاسي اللبناني في ظل استمرار حالة الاستعصاء بين استقواء الموالاة بالخارج وتأكيد المعارضة أن لديها بدائل:
الحريري الابن الذي أصبح «قائداً عظيماً(!!)» يجري استقباله من مختلف أركان الصف الأول من الإدارة الأمريكية، وفي أروقة الأمم المتحدة، لم يكتف بمواصلة التحريض ضد سورية وإيران وحزب الله والمعارضة اللبنانية عموماً، طالباً من ضمن قضايا أخرى بالتسريع باستكمال المحكمة الدولية، بل طلب خلال لقائه كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين حماية الاستحقاق الرئاسي ونواب الموالاة خلاله. ومفهوم أن هذا يعني عملياً طلب «تدخل عسكري»، لا يصعب فهم مقاصده ضد من.
زامن ذلك وسبقه حدثان «لا ينطويان على أي تدخل أمريكي»، أولهما طلب الإدارة الأمريكية «تغيير عقيدة الجيش اللبناني» وإشادتها بقوى الأمن الداخلي، المتهمة أصلاً باستدراج الجيش إلى مصيدة البارد، وثانيهما قيام السفير الأمريكي في بيروت جيفري فيلتمان بتقديم مساعدات «مليونية» لتلك القوى، تتضمن بزات (على الطراز الأمريكي على الأرجح)، وعتاد، وتلقيه بشكل استفزازي يتنكر لكل تضحيات الشعب اللبناني ومقاومته، درعاً «تكريمياً» من قائد قوى الأمن الداخلي اللبناني أشرف ريفي، يُذكّر بالتكريم سيء الصيت الذي حظي به مجرم الحرب الأمريكي جون بولتون من رموز في حكومة السنيورة.
وللمصادفة فقط، يتزامن ذلك كله مع حدثين آخرين، أولهما: قيام واشنطن بتدريب طيارين من دول «عرب الاعتدال»، وبالتأكيد لن يكون ذلك من أجل «استهداف تل أبيب في معارك تحرير القدس»(!!)، وثانيهما إعادة تسليط الضوء على نشاط ما يسمى بالمعارضة السورية والمنشقين السوريين بمؤتمرات صحفية وغير صحفية وزيارات بما فيها للسعودية.
في كل الأحوال، وإذا كان السوريون يدركون أن قضية الجولان هي ورقة «عباد الشمس» التي تكشف النوايا الحقيقية من لقاء الخريف، وقد تلقوا إجابات سلبية من الأطراف الأخرى وسط تخاذل عربي متوقع، فإن ذلك في المقابل وبنهاية المطاف يؤكد أن هؤلاء الأعداء يريدون سورية إما «محطمة أو مهمشة». وإذا كانوا يتصورون أن الضربات العسكرية يمكن أن تحقق الاحتمال الأول فإن السيناريو الآخر لديهم في محاولة تحقيق الاحتمال الثاني يتمثل في مواصلة حالة الإنهاك والإضعاف والاستنزاف لسورية مع مواصلة منطق «الشد والرخي» مع إيران، تصيداً لأي فرصة سانحة لضربها، وهو منطق لايمكن أن يستمر إلى ما لانهاية في ظل حالة الإنهاك الأمريكي المعترف به عسكرياً ودولارياً من جهة، وتعاظم القدرات العسكرية الإيرانية من جهة ثانية، واحتمالات خروج القدرات النووية الإيرانية عن أي تحكم خارجي إذا لم تجر ضربات استباقية لها.
وفي ظل تراكم المؤشرات على استهداف سورية عسكرياً كـ«ضرورة» تكتيكية وإستراتيجية بنظر أعدائها، فإن المطلوب مجدداً هو توجه دمشق نحو أخذ زمام المبادرة، وهو تساؤل يتردد ترجيحه المنطقي في أذهان عدد من المراقبين، الذين يقرنون ذلك بضرورة العمل الجدي لتحضير الجبهة الداخلية للاحتمالات كافة.