بوش في زيارته للقواعد الأمريكية في المنطقة «الرقص على الدماء»
المكرمات الرئاسية التي نثرها حاكم البيت الأبيض أثناء جولاته التفقدية لقواعده العدوانية المنتشرة مابين الكيان الصهيوني غرباً، وقاعدة «الجفير» في البحرين شرقاً، هطلت على رؤوس أبناء الأمة العربية صواريخ ودماراً في قطاع غزة، المحرر شكلاً والمُحتلة سماؤه ومعابره وحتى هواؤه، والمستباحة أرضه عملياً، وتساقطت هراوات «حُماته» في رام الله على أجساد المحتجين على تدنيس جزار البشرية لبلدتهم، المسيجة بالجدار والأسلاك وقوات حكومة تسيير الأعمال. هبطت طائرته الرئاسية أولاً في فلسطين المحتلة، للتأكيد على دور «المركز» الصهيوني المستقبلي في منطقة الشرق الأوسط الكبير أو الموسع أو...
لافرق بين كل التسميات المتداولة راهناً، طالما أن المهمة والدور والوظيفة هي ذاتها. في القدس المحتلة ظهر «إمبراطور الشر» على حقيقته الصارخة، ناطقاً رسمياً باسم المشروع الصهيوني/الإمبريالي بالمنطقة. إذ أكد بمؤتمريه الصحفيين في كل من القدس ورام الله المحتلتين على التزامه الكامل بمواقف حكومة العدو في القضايا الأساسية من الصراع العربي/الصهيوني. وأعاد التذكير والتأكيد على مواقفه حول «يهودية الدولة»، وضرورة التعامل مع الحقائق الجديدة على الأرض- إلغاء حدود 67 واعتبار جدار الضم العنصري الحدود الجديدة بما يتضمنه من ضم لكتل المستعمرات الكبرى ومساحات جديدة من أراضي الضفة المحتلة الغنية بمياهها الجوفية ومواقعها الإستراتيجية- وأضاف بعداً جديداً في تصريحاته تلك، إذ أشار إلى إسقاط دور الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية من كونها المرجعية المتوافق عليها في قضايا الصراع «رغم ماتحمله العديد من قراراتها من غبن وإجحاف لحقوق الشعب الفلسطيني»، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام 48، والتعويض لهم بحفنة من الدولارات، وهو ماسيقود تالياً إلى فتح ملف التوطين مجدداً. واستطراداً لكل ذلك وبالتزامن معه، شدد بوش على بذل كل الجهود من أجل وضع حد لما يسميه بالإرهاب- مقاومة الشعب للغزو والاحتلال- منطلقاً من التحريض المباشر على المقاومة المتصاعدة في قطاع غزة، ومدن وقرى الضفة المحتلة، وهو ما ترجمته قوات الاحتلال بالمجازر المتتالية التي جسدتها المذبحة البشعة في مناطق شرق حي الزيتون و الشجاعية وبيت حانون يوم الثلاثاء الماضي (والتي) استخدم جيش العدو فيها قذائف غير اعتيادية من النوع المسماري والانشطاري مما يؤدي لحدوث تمزقات وحروق في أجساد المصابين.
خلال الأيام السوداء الطويلة لجولة بوش في المنطقة، لم تتوقف آلة العدو الصهيوني عن ممارسة دورها في القتل والاعتقال والاقتحام والتوغل وتجريف الأراضي، وهو مايُسقط عن الزيارة عنوانها الكاذب «السلام»!. لأن الأيادي الملطخة بدماء الملايين في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان والصومال لايمكن لها أن تصنع الاستقرار والتنمية والديمقراطية، خاصة وأن الهدف الحقيقي من الزيارة تحسين صورة الرئيس في سنته الأخيرة أمام شعوب المنطقة، والأهم تبييض الصورة السوداء للإدارة، وبالتالي الحزب الجمهوري في عيون الناخب الأمريكي، التي أكدت كل استطلاعات الرأي على انخفاض شعبية سيد البيت الأبيض إلى أدنى مستوياتها. وعلى الرغم من ازدحام أجندة الزيارة المشؤومة بمهمات التحريض على الجار الإيراني، وتصويره على أنه «العدو» الأوحد للأمة العربية، مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني، باعتباره «جزءاً طبيعياً» من المنطقة، وضمان سلامة وجوده، والاعتراف به والتطبيع معه، مما سيؤدي إلى «السلام والاستقرار» الكامل، فإن الإمبراطور الممثل الرسمي لإدارة الاحتكارات المتوحشة، قام بعرض بضاعة الشركات العملاقة لصناعة الأسلحة على زبائنها الدائمين، كيف لا ومندوب مبيعاتها يتجول بسعادة كبيرة بين «مريديه» الذين استقبلوه بترحاب استثنائي، وبرقصات تراثية مميزة، حمل فيها بوش بكل رعونة السيف العربي ـ رمز العزة والرجولة والفتوحات في الزمن الغابر ـ وبطلبات شراء لأسلحة جديدة متطورة تزيد فاتورتها عن عشرين ملياراً من الدولارات، كدليل على السخاء والكرم العربي!.
خلال «وصلات» الرقص مع الذئب، كانت مساحة الدم الفلسطيني والعراقي تتسع والأجساد المفتتة بفعل السلاح الأمريكي تتناثر، وبالوقت ذاته كانت إرادة المواجهة والتصدي تتصاعد في غزة ونابلس وفي شوارع رام الله والمنامة والقاهرة وداخل العراق المقاوم، مما يفرض على كل قوى المواجهة الوطنية والقومية، تعزيز لـُحمتها، وتطوير أدوات مواجهتها، من أجل قطع الطريق على محاولات حلف القوى المعادية من التقدم في وطننا، كخطوة ضرورية لإفشال مخططه الإمبريالي/ التوسعي/المتوحش.