إبراهيم البدراوي القاهرة-خاص قاسيون إبراهيم البدراوي القاهرة-خاص قاسيون

مرحلة جديدة تهل علينا

جاءنا من بعيد.. تنوعت طوال سنوات تعبيرات أصحاب الحلم الأمريكي في بلداننا العربية، أولئك الذين يلتمسون الأعذار للعدو الأمريكي مستخدمين كل أساليب التزييف.

على مدى عقود ومنذ تحول المشهد الإمبريالي لتكون الولايات المتحدة في صدارته، لم يكفوا لحظة عن تكرار مواقفهم وإن بتعبيرات تنوعت بحسب الأحوال، رغم أنها تحمل جوهراً واحداً. وعلى هذا الطريق يصور البعض (بحسن نية وبلاهة أو بسوء نية وخداع) جورج بوش بأنه استثناء من قاعدة، في حين أن إدارته لا تختلف- من حيث الأهداف الإستراتيجية- عن كل ما سبقها من إدارات سوى من حيث الكم لا الكيف، ومن حيث أسلوب الوصول إلى الهدف الإمبريالي،ومن مستوى تطور الإمبريالية التي وصلت إلى ذروة عالية من انحطاطها، ومن ضرورة توسعها وتحقيق المزيد من التوسع لضمان البقاء.

الكلام التافه الذي تردده الطبقات الحاكمة العميلة في كل البلدان العربية- باستثناء سورية- عن العلاقات الإستراتيجية، وصنع السلام، والعتاب الذليل للكف عن الكيل بمكيالين، وضرورة قيام أمريكا بدورها، والمساعدات الاقتصادية والتكنولوجية، وإقناع الأمريكيين بحقوقنا، وعدم تضييع فرص السلام، كل ذلك لا يعبر عن عدم فهم ولكنه مجرد خداع. لا يعبر عن عقلانية بل عن خيانة.

***

في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة عداءً شعبياً كاسحاً على مستوى العالم باستثناء الكيان الصهيوني، وبالرغم من أن جراحها تنزف بشدة في منطقتنا المرشحة لأهم الأدوار في هزيمتها، إلا أن الطبقات الحاكمة وكل قوى العمالة في بلداننا هي التي تلعب الدور الرئيسي المساند للعدو سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً.

سياسياً في قهر الشعوب ولجم تحركات الجماهير وتجويعها، ووضع كل البيض في السلة الأمريكية واعتبار أمريكا هي راعي السلام والأمن والمقاوم للإرهاب، وصولاً إلى اعتبار كل من سورية وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية هم الأعداء وهم الخطر الداهم. واقتصادياً بضخ تريليونات الدولارات في شرايين الاقتصاد الأمريكي وتشغيل آلته العسكرية والصناعية وبورصاته ومؤسساته المالية، إلى حد إسناد الدولار الذي يمكن أن ينهار تماماً لو تم اعتماد عملة أخرى في المعاملات الدولية للعرب خاصةً في تسعير النفط وبيعه. وعسكرياً بالقواعد والتسهيلات اللوجستية التي لم تحلم بها أمريكا من قبل... الخ.

جاءنا بوش على خلفية شديدة السواد، وعلى تراث أمريكي شديد البشاعة ومع ذلك تم استقباله في بلدان الخليج استقبالاً حافلاً - بالقبلات والأحضان- وبحميمية أكثر مما لقيه لدى العدو الصهيوني (لم يصل مصر حتى كتابة هذه السطور). وأقيمت حلقات الرقص بالسيوف ومواكب الخيول العربية (التي هي بالقطع أكثر ذكاءً وفطنه وفائدة من أصحابها). ونطق بتصريحات هي تثبيت للأمر الواقع القائم على التوسع الاستيطاني الصهيوني وإسقاط كل القرارات الدولية- رغم أنها كانت جائرة- بما في ذلك حق العودة، وهو موقف نوعي يتساوى مع موقف الاعتراف بهذا الكيان يوم الإعلان عنه، كما هاجم كل من سورية وإيران بشكل عنيف، وجوهر هذا الموقف أنه بداية لمرحلة جديدة في الصراع العربي - الإمبريالي الصهيوني، وهو صفعة على «قفا» الذين كانوا يفاخرون بأن بوش هو أول رئيس أمريكي يوافق على دولة فلسطينية. ولم تجد هذه المواقف ردود فعل ملموسة من قادة مسيرة الاستسلام الذين يطلق عليهم (معسكر الاعتدال العربي) أو من غيرهم؛ بل أسعدهم ما قاله بوش عن مساندته لأصدقاء الولايات المتحدة في العالم العربي (طبعاً داخل الحكم وخارجه من العملاء).

***

كان لبنان إلى ما قبل زيارة بوش للمنطقة هو البلد الذي يظهر فيه الواقع العربي بشكل مكثف وساطع وأكثر ملموسية من أي بلد آخر.

بعد الزيارة اقتربنا من عتبة سقوط الفارق الشكلي بين لبنان وبين الغالبية الساحقة من بلداننا العربية، التي يمتلك كل منها مائة سنيورة ومائة حريري ومائة فتفت ومائة جعجع ومائة جنبلاط... الخ. سوف تعلو أصوات الأفاعي من العملاء الصهيو-أمريكيين بمختلف مسمياتهم على قمم السلطة وخارجها في بلداننا بنفس درجة تبجح وصلف الصهيو- أمريكيين في لبنان.

لكن الصورة لا تقتصر على مشهد العدو الصهيو- أمريكي. فلقد دخلها العدو الصهيو- فرنسي، وعلينا أن نتذكر جيداً أن (دم الشهداء تعرفه فرنسا). وها قد أنقض المنافس الإمبريالي الفرنسي الذي فاز بصفقات سعودية أعلن ساكوزي ذو الجذور الصهيونية بنفسه أنها تبلغ 60 مليار يورو (أي ما يقارن 90 مليار دولار). وقد أوضح الاقتحام الفرنسي بشكل أكثر جلاءً طابع المرحلة الجديدة، أي الاقتحام والانقضاض الإمبريالي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، الذي سوف يفضي إذا ما سار بهدوء ودون مقاومة إلى فناء شعوبنا.

تلك ليست نظرة تشاؤمية، ولكنها تنبيه إلى طبيعة المرحلة التي بدأت والموصولة بما سبقها، والتي يجب أن نتجاوز بخصوصها مجرد الكلمات عن الزيارات المشؤومة ووعود بوش الظالمة وتأرجحات وطموحات ساكوزي، إلى بحث سبل المواجهة شعبياً. وأن ندرك أن العدو هو في الخارج وفي الداخل على السواء، إمبريالي- صهيو- أمريكي من الخارج وقوى عمالة وتبعية من الداخل.

***

إذا كانت سورية وإيران صامدتين، وإذا كانت الشعوب في العراق وفلسطين وأفغانستان تقاوم، وإذا كانت المقاومة اللبنانية قد انتصرت في معركة مجيدة، وإذا كان الاصطفاف السياسي لقوى المقاومة قد تم في لبنان بصورة مبهرة، فإن الاصطفاف السياسي للقوى الشعبية المقاومة في باقي بلداننا العربية لم يتم، وبالتالي فلم يتم الاصطفاف السياسي الشامل لقوى المقاومة العربية، وهذه استحقاقات حياة أو موت.

إن الحرب دائرة، والحرب ليست معركة واحدة، وليست في ميدان واحد. إنها سلسلة من المعارك الطويلة. ميدانها مفتوح بطول وعرض وطننا العربي وتخومه الإسلامية، ومداها الزمني لا يمكن التنبؤ به، وإن مرحلتها الجديدة تستحق كل التضحية ممن يريد الحياة.

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 13:44