إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

شعار محور «الاعتدال»: نصادق من يصادق أمريكا وإسرائيل ونعادي من يعاديهما!!!

انعقد مؤتمر القمة العربية العشرين في دمشق. حضر من حضر..وغاب من غاب، لكن المؤتمر الذي انعقد في ظروف غاية في الدقة والخطورة المعلومة من القاصي والداني، تم في ظل رفض قاطع من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان منع انعقاده في أولويات أهداف زيارة تشيني للمنطقة، وكذلك زيارات رايس المتكررة، وغيرها من موظفي الإدارة الأمريكية، وبطبيعة الحال فإن الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني يتوحدان في هذا الأمر كما في كل الأمور. وحينما بات الانعقاد محققاً كان الإفشال هو الهدف. وهكذا كانت العناصر التي لا تمتلك أي قدر من المصداقية أو المنطق أو التاريخ المشرف تشن حملات مسعورة لا تزال قائمة ضد سورية وضد المقاومة والقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، بل وضد الرافضين للمشروع الصهيو-أمريكي في كل مكان.

لم نكن ننتظر من المؤتمر مواقف جذرية أو حتى ربع جذرية ولكن نتائجه تعكس (بقدر محسَّن إلى حد ما للحال العربي). لن نتوقف أمام هذه النتائج، كما لن أتوقف أمام غياب «سنيورة لبنان» فهو لا يستحق، أو التمثيل المتدني للأسر الحاكمة سواء في الكيان المسمى بالمملكة العربية السعودية أو حاكم شرق الأردن، لأن تاريخ الجميع معروف كجماعات وظيفية في خدمة الإمبريالية الصهيونية، لكنني أتوقف أمام موقف السلطة الحاكمة في مصر.

قال مبارك لدى لقائه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في القاهرة هو أمر مثير للشفقة، حيث برر موقف السلطة المصرية كله بـ«إعاقة سورية لحل مشاكل لبنان»، وهو ما يتطابق مع الموقف الأمريكي والإسرائيلي.

كان الأجدر بمبارك أن يقول إن انشغاله بحل المشاكل المتفجرة التي يعانيها الشعب المصري، هو ما منعه من حضور قمة دمشق. فمشكلة الخبز لا تزال قائمة ولن يتم حلها لأنها مرتبطة بالكامل بمجمل سياسات السلطة في كل المجالات، وهي لا تكمن في الاكتشاف المفاجئ لعدد 12 ألف تاجر يبيعون الدقيق المدعوم في السوق السوداء (لأن غالبيتهم الساحقة تحت مظلة حماية حزب الجماعة الحاكمة ولجنته السياسية) فلماذا تم السكوت عنهم حتى الآن؟!.. وربما كان الأجدر به أن يدعي أنه مشغول بحل مشاكل الطبقة العاملة التي تعاني الفقر والإحالة للمعاش المبكر والجوع والحرمان والاضطهاد، والتي ضربت رقماً قياسياً في عدد الإضرابات عن العمل والاحتجاجات خلال العامين الماضيين، وكذلك البطالة التي تنهش ملايين الشباب.

أو يقول إنه مشغول بحل مشاكل الفلاحين المتفاقمة على كل الأصعدة، أو المشاكل التي تواجهها الفئات الاجتماعية (الوسطى) بدءاً من الموظفين في مختلف الوزارات إلى المهنيين من أطباء (شكلوا جماعة أطباء بلا حقوق) إلى الصحفيين الذين يتم حبسهم ومطاردتهم إلى كل المهنيين والمثقفين.. إلى قضاة مصر، وحتى أساتذة الجامعات بمطالبهم السياسية والاقتصادية.

أو يقول إنه مشغول بقضايا الانهيار الاقتصادي وانعدام التنمية (بصرف النظر عن الإدعاءات الحكومية) وانهيار قيمة العملة وفوضى الأسواق، والانهيار الاجتماعي والتلوث البيئي والفساد والسرقة والنهب المنظم وتجريف الثروة الوطنية. أو في بحث موضوع: لماذا لم تعرض اتفاقية بيع الغاز المصري بأسعار بخسة (غير معلومة) للعدو الصهيوني دون أن تعرض الاتفاقية على مجلس الشعب.

كان الأجدر به أن يقول إنه مشغول بالغضب الشعبي العارم الرافض لسلطته وأنه يعمل على إصلاح الخراب الذي أحدثته سياساته، ومشاكل أكثر من 70 مليون مصري يعانون، بينهم ما لا يقل عن 40 مليون يعيشون تحت خط الفقر، والباقي في الطريق إليه بفعل سياساته وسياسات الطبقة التي صنعها ومكنها من اغتصاب الثروة والسلطة.

أو يقول إنه يكرس وقتاً من أجل وضع سياسات جديدة توقف تآكل السلطة وإضعاف الدولة، وتوقف انكشاف الأمن القومي المصري. فمنذ عدة أيام قتل الأمريكيون شاباً مصرياً في قارب صغير بالمياه الإقليمية بالسويس وأصابوا من معه. لم تنشغل الحكومة كعادتها بأمر انتهاك السيادة، ولكن فقط بضرورة تعويض أسرة الشهيد!

لكن مبارك الذي يدير البلاد ولسنوات طالت بالريموت كنترول من منتجع بعيد عن العاصمة مشغول بأمور أخرى، أولها توريث السلطة لابنه (ولنذهب نحن إلى الجحيم) لأن طبقة رجال الأعمال الذين تتوحد مصالحهم من مواقع التبعية والذين يعتبرون أن جمال مبارك هو طليعتهم وحاميهم، فهم من يستحقون الاهتمام والرعاية.

كانت مصر- وهي أول دولة في التاريخ عمرها سبعة آلاف عام- هي أول من اكتشف ماهية الأمن القومي، وماهية ضرورات الدور الإقليمي الذي لم يكن على الإطلاق عرّاباً لتمكين قوى استعمارية من خارج الإقليم للهيمنة عليه. كان دورها هو الحامي والمتضامن والمحارب يداً بيد مع الأشقاء، لأن ذلك كان ومازال قدرُها وقدرْها، والتاريخ شاهد على ذلك. فكل المعارك المجيدة كان قلبها وعمقها وعمودها الفقري مصر وسورية. هذا ما يدركه أعداؤنا من الإمبرياليين.

هل نفهم أن هذا السلوك والموقف من موضوع القمة والضجة المثارة حوله في الإعلام الحكومي في مصر هو لتغطية ما يجري داخلياً وما يتجه إليه العدو الصهيو-أمريكي للعدوان على سورية أو إيران أو لبنان أو لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، أو كل ذلك معاً.

أقطع بسلامة هذا الاستنتاج. فلقد أصبح شعار المرحلة بالنسبة لهؤلاء: «نصادق من يصادق أمريكا وإسرائيل، ونعادي من يعاديهما».