مفاوضات على استباحة الدم ومصادرة الأرض!
مع اقتراب ساعة انعقاد الجلسة الثانية للمفاوضات بين حكومة العدو وقيادة سلطة الحكم الذاتي المحدود - بعد انفضاض مؤتمر أنا بوليس، صَعَدَ أركان حكومة أولمرت من مواقفهم التي استهدفت «الاشتراطات» التي وضعها رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، حيث أكد قريع (أن التوجه للقاء الجديد دون وقف الاستيطان سيكون دون فائدة وبلا أمل) واصفاً الاستيطان «الإسرائيلي» المتواصل (بأنه مقصلة نُصبت للإطاحة بالمفاوضات) مشدداً على (أنه لامعنى لمؤتمري أنابولس وباريس ولاجدوى من المفاوضات في ظل اصرار «إسرائيل» على المضي في مخططاتها الاستيطانية، التي تتعارض مع أي مواقف معلنة حول الاستعداد للسلام).
وإذا كانت هذه هي المقدمات التي حاول كل طرف أن يُركز عليها وهو في طريقه إلى قاعة الاجتماعات في مدينة القدس المحتلة، فإن النتائج التي تمخضت عن هذا اللقاء الأخير لوفديّ المفاوضات، جاءت منسجمةً مع الأجواء التي انعقد فيها. وقد عبَّرت تصريحات صائب عريقات «كبير» المفاوضين الفلسطينيين بعد انفضاض اللقاء الأخير عن الإخفاق الواضح للطرفين في الوصول إلى اتفاق (إن الجولة الثانية قد انتهت إلى خلاف حول الاستيطان). مضيفاً(لقد أبلغنا الإسرائيليين بأن هذا غير شرعي لأن خريطة الطريق تنص على وقف جميع الأنشطة الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي)، مشيراً إلى أن رئيس الوفد المفاوض قد أبلغ «ليفني» (عليكم أن تختاروا بين مسار السلام والمفاوضات، أو مسار المستوطنات. لا يمكن لكم الحصول على الاثنين معاً). ردود وفد العدو المفاوض لم تتوقف عند إدانة تقصير السلطة الفلسطينية بتنفيذ الجانب الأمني من «خطة خارطة الطريق» الذي يستهدف تجريد المقاومين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة من سلاحهم، بما يعني فتح الباب على الاقتتال الداخلي الفلسطيني، كنتيجة حتمية لرفض قوى المقاومة الوطنية المسلحة تسليم أسلحتها، بل انتقلت لدرجة تصعيدية تعيد إنتاج الصلف والعنجهية الصهيونية الإحتلالية، من خلال التأكيد على رفضه للمسوغات التي يستند عليها الوفد الفلسطيني في تفسير فشل اللقاءات. إن رفض العدو لكل الانتقادات الفلسطينية «الرسمية» انطلقت من أن بناء هذه المستعمرات (يقوم على أراضي «دولة إسرائيل»، لأن القدس ومحيطها أصبحت جزءاً من الدولة). وهنا تبرز عقبة جديدة لاتقل خطورتها وأهميتها عن بناء المستعمرات، والأسرى، وحصار غزة، وعمليات القتل اليومية وهي «القدس ومحيطها كجزء من كيان العدو».
إن تزايد انتشار المستعمرات على أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة، لم يتوقف عند حدود مصادرة الأراضي فقط، بل امتد ليشكل الخطر الذي يهدد مصادر حياة المواطنين الفلسطينيين خارج مناطق المستعمرات من حيث نهبه لمصادر المياه الجوفية. فبناء هذه المستعمرات البالغ عددها 148 مستوطنة يصنفها قانون العدو الاحتلالي/الإجلائي على أنها «شرعية»(!)، ووجود أكثر من مائة بؤرة استيطانية جديدة أخرى، يسعى المحتلون بين فترة وأخرى للمساومة عليها، في محاولة تضليلية مكشوفة، تحت دعاوى «إزالة بعض المستوطنات الجديدة غير الشرعية»، سيساهم في إضافة عقبات جديدة على طريق مجابهة المشروع الصهيوني. ولهذا يأتي كلام رافي ايتان" وزير المتقاعدين المكلف بشؤون القدس، في السياق التصعيدي المنهجي الذي تعتمده حكومة العدو (إن موازنة العام الحالي تنص على بناء 250 مسكنا في مستعمرة معاليه أدوميم في الضفة الغربية، وبناء500 مسكن في منطقة جبل أبوغنيم في القطاع الشرقي من مدينة القدس). وهو ماأكدت عليه أيضاً يولي تامير وزيرة التربية «الإسرائيلية» عن حزب العمل، حين قالت مؤخراً (إن هناك تفاهما في إسرائيل لتكون مستعمرتا معاليه أدوميم، والأخرى الموجودة بمنطقة جبل أبوغنيم جزءاً من أراضي إسرائيل في إطار التجمعات الاستعمارية الكبرى التي تعتزم إسرائيل إبقاءها تحت سيطرتها في أثناء التسوية الدائمة).
أمام هذا التعنت الصهيوني، يتوجب على الطرف الفلسطيني رفض الذهاب لهذه المهزلة المستمرة، مستنداً على لاشرعية «الاستيطان- ناهيك عن لاشرعية الكيان برمته-، فالعديد من القرارات الدولية توفر السند القانوني لرفض سيادة الأمر الواقع الاستيطانية الإحتلالية، وهذا ماعبَّرَ عنه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 465 لعام 1980 والذي ينص على وجوب إلغاء المستوطنات، وترحيل المستوطنين من داخل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. كما أن الهجمات الوحشية المتصاعدة خلال الأسابيع الأخيرة على شعبنا في قطاع غزة، والتي أدت إلى سقوط عدد كبير من الشهداء «25 شهيداً خلال أسبوع عيد الأضحى» وعشرات الجرحى، باتت تفرض على الجانب الفلسطيني التمترس وراء اشتراطات مشروعة وراهنة قبل الذهاب لأية مفاوضات- لاتجد فيها غالبية القوى السياسية والمجتمعية سوى «العبثية وإضاعة الوقت وتقديم المزيد من التنازلات»-: وقف بناء المستعمرات الجديدة، ورفض توسيع القديم منها، البدء بإطلاق سراح الأسرى، وقف عمليات الاغتيال والمطاردة للمقاومين، رفع الحصار عن غزة.
إن الرهان على أن اللقاء الثنائي القادم بين عباس وأولمرت سيوفر القاعدة الجديدة للإنطلاق نحو الجلسة الثالثة من اللقاءات لايعدو كونه «أحلام ظهيرة» جديدة. كما أن تعليق الأوهام أيضاً على ماستحققه زيارة بوش للمنطقة بعد أيام، من أنها ستحلحل عقدة المفاوضات، وستدفع بعربة قطار «التسوية» على سكة التفاهمات، لايعني للعديدين من أبناء شعبنا وأمتنا، إلاّ استخفاف «البعض» بعقولهم. فالحقوق الوطنية لاتستجدى، لأن تجربة أمتنا في صراعها مع كل أشكال الاستعمار القديم والحديث أكدت ذلك. فانتزاع حقوقنا المصادرة، لن يتحقق إلاّ بالمزيد من المقاومة. ولهذا فإن موقفاً وطنياً جماعياً ومجتمعياً موحداً أصبح ضرورة عاجلة من أجل صياغة الرد المقاوم الذي يعيد وحده الوطن والكرامة.