حميدي العبد الله حميدي العبد الله

الشرع والسعودية: لماذا كل هذه الحساسية؟

بمعزل عما إذا كان يحق لنائب رئيس الجمهورية السورية فاروق الشرع أو لا يحق لـه أن يقول ما قاله عن لبنان، وخصوصاً عبارته التي أكد فيها أن حلفاء سورية في لبنان هم الآن أكثر قوة مما كانوا عليه عندما كان الجيش السوري في لبنان.

وبمعزل عن تقييم نتائج هذه العبارة وما إذا كانت مفيدة أو مؤذية لحلفاء سورية بشكل خاص وقوى المعارضة بشكل عام.

بمعزل عن ذلك كله جوبهت تصريحات الشرع بحملة تنديد واسعة من قبل السعودية ووسائل إعلامها المختلفة لدرجة أن أحد المواقع الإلكترونية أحصى نشر 16 مقالاً وتعليقاً في يوم واحد مكرسة للتنديد بهذه التصريحات. وقد لوحظ أن السعودية لديها حساسية خاصة إزاء الشرع، إذ في كل مرة تحدث فيها عن شؤون عربية، وأحياناً شؤون لا تخص السعودية، وسواء كانت اللغة التي استخدمها مرنة أو متشددة، تلجأ السعودية ووسائل إعلامها إلى تنظيم حملة واسعة للتنديد بهذه التصريحات، والتعرض لشخص الشرع، وتوجيه انتقادات حادة لـه.

طرح هذا الاهتمام السعودي الخاص، وهذه الحساسية المفرطة إزاء الشرع أسئلة كثيرة عن أسباب هذه الحساسية، ولماذا تصب السعودية جام غضبها على الشرع في كل مرة صدرت عن الرجل تصريحات تتعرض للأوضاع العربية، فهل مواقف السعودية هذه تعبر عن تردي العلاقات بين البلدين المتأتية من اختلاف رؤيتيهما لملفات عربية وإقليمية كثيرة، أم أن هناك أسباباً إضافية أخرى تلعب دوراً في استهداف الإعلام السعودي لنائب رئيس الجمهورية العربية السورية؟

من الواضح أن هناك أسباباً أخرى، ويمكن تلخيص أبرزها في سببين أساسيين:

·     السبب الأول، موقع الشرع الدستوري، إذ من المعروف أن الشرع يشغل الآن المنصب الذي كان يشغله عبد الحليم خدام، والفرق بين الرجلين فرق واضح، عبد الحليم خدام كان ضعيفاً أمام إغراءات المال، وتمكنت السعودية من استمالته وتجنيده لخدمة سياساتها داخل سورية ولبنان منذ فترة طويلة، وربطت أبناءه صلات مالية وتجارية مع شركات سعودية، ومنها شركات تنشط في مجال الإعلام، منذ نهاية عقد الثمانينات، إضافة إلى الأعطيات الأخرى، المباشرة وغير المباشرة، العلنية والمستترة، وخدام كان تبنى طروحات ورؤى سياسية تتقاطع مع الثوابت السياسية السعودية، وخصوصاً لجهة العلاقة مع الولايات المتحدة، في حين أن فاروق الشرع يمثل حالة نقيضة إن على المستوى المالي أو على مستوى القناعات السياسية، خاصة أن الشرع يصنف سعودياً من أصحاب الرؤى المتشددة في القضايا الوطنية، مثل الصراع العربي- الإسرائيلي أو الموقف من سياسة الولايات المتحدة.

بديهي أن هذا التناقض الحاد في ارتباطات ومفاهيم كلا الرجلين هي التي تفسر استهداف السعودية للشرع بعمل هو أقرب إلى الثأر لخدام، وللسعودية بالدرجة الأولى، منه إلى أي شيء آخر.

·     السبب الثاني، اعتادت السعودية على أن تكون لاعباً سياسياً دائماً داخل سورية، وتحظى بالأنصار والمؤيدين الذين يعملون لمصلحتها ويدافعون عن رؤاها وطروحاتها، وكان لها أحزاب موالية في العهد الليبرالي في سورية قبل عام 1958، وبعد انقطاع دام حوالي عقد ونيف في عصر المد القومي استعادت السعودية بعض النفوذ داخل سورية، وبدأت أطراف من داخل النظام في سورية تتقرب منها، وطورت علاقاتها مع هذه الأطراف إلى درجة يمكن القول إنها باتت صاحبة نفوذ، وإن لم يكن هذا النفوذ قد وصل إلى درجة كبيرة توازي ما كان عليه الحال في عقد الخمسينات، ولكن بعد خروج خدام خسرت السعودية هذا النفوذ، ويعتقد كثير من المحللين والمراقبين أن جزءاً من التوتر الذي طرأ على العلاقات السورية- السعودية يعود إلى خسارة هذا النفوذ بعد إزاحة خدام عن مناصبه في حزب البعث وعلى مستوى الدولة، ولا تزال السعودية إلى اليوم تتطلع إلى استعادة هذا النفوذ، وإن كان بشكل تدريجي، ولهذا تعتقد الرياض أن السياسة السورية الحالية، وخصوصاً ما يعبر عنه الشرع في بعض تصريحاته، إضافة إلى موقعه داخل الحزب والدولة، يشكل عقبة في وجه عودة النفوذ السعودي، أو على الأقل تسعى السعودية لأن يكون في سدة المسؤولية في سورية شخصيات مشابهة لعبد الحليم خدام، وقطعاً الشرع ليس واحداً من هذه الشخصيات.