ليونيد ألكسندروفتش ليونيد ألكسندروفتش

النووي الهندي بين موسكو وواشنطن

تأتي مصادقة مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين على اتفاقية التعاون مع الهند في المجال النووي للأغراض السلمية بعد أيام قليلة من إلغاء واشنطن اتفاقها مع موسكو للتعاون النووي، والأمر ليس مصادفة بالطبع، خاصة وأن هذا الاتفاق بين واشنطن ونيودلهي وقعه الرئيس بوش عام 2005 لكن الكونغرس رفض التصديق عليه.

والآن تسارع واشنطن بتفعيل تعاونها النووي مع الهند بهدف اختراق السوق الهندية النووية الكبيرة التي تطمح لها جميع الدول التي تملك تصنيعاً نووياً، ومن المعروف أن لروسيا نشاطاً كبيراً في السوق النووية الهندية منذ سنوات مضت، وأن هذا النشاط مستمر لم يتوقف ويتطور بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة.

حيث أعلن رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الروسية سيرغي كيرينكو مؤخراً أن مؤسسته ستوقع مع الهند في كانون الأول المقبل اتفاقية لبناء أربعة مفاعلات نووية جديدة لمحطة «كودانكولام» الهندية التي تتولاها المؤسسة الروسية منذ سنوات والتي بنت فيها من قبل مفاعلين كبيرين، كما أنه من المقرر أن يزور الرئيس الروسي ميدفيديف الهند قريباً لتوقيع العديد من الاتفاقيات معها في مختلف المجالات، ومنها المجالين النووي والعسكري.

والسؤال المطروح على الساحة الآن هو، هل سيتعارض التعاون النووي الأميركي مع الهند مع نظيره الروسي؟

في الواقع أن روسيا لا يبدو عليها أنها تخشى الدخول الأميركي للسوق النووية الهندية، والدليل على ذلك أن موسكو أبدت ترحيباً كبيراً بالتعاون النووي الهندي الأميركي من قبل عندما تم توقيع الاتفاق بين واشنطن ونيودلهي عام 2005.

كما أبدت ترحيباً أخيراً بتصديق مجلسي النواب الأميركيين على الاتفاق، وقالت مصادر روسية إن هذا التعاون لن يعوق استمرار التعاون النووي الهندي مع روسيا ولن يصل إلى مستواه بل سيظل هامشياً للغاية، وتريد روسيا أن تتواجد في سوق نووية واحدة مع الولايات المتحدة حتى تكون تقنياتها النووية والخدمات التي تقدمها محل مقارنة مع نظيرتها الأميركية، وحينئذ ستكشف المنافسة بين التقنيتين في مكان واحد أيهما الأفضل.

حيث من المعروف أن التقنيات النووية الروسية الحديثة أصبحت تحظى بتقدير وإعجاب عال في السوق النووية العالمية وتطغى على نظيرتها الغربية، كما تتفوق التقنية الروسية بانخفاض تكلفتها وأيضاً بتقديم الصيانة الدائمة، وكذلك توفير الوقود النووي اللازم، وكلها امتيازات غير متوافرة بشكل جيد في التقنيات النووية الغربية.

الأهم من ذلك أن روسيا تعلم جيداً أن التوجه الأميركي للسوق النووية الهندية في أساسه توجه سياسي وليس توجهاً اقتصادياً قائماً على المصالح المشتركة.

حيث أن مبدأ الثقة غير متوافر أساساً في التعامل بين نيودلهي وواشنطن منذ سنوات طويلة، وتصديق الكونغرس على الاتفاق الآن بعد رفضه السابق له يعكس عدم الثقة الذي نتحدث عنه، إذ أن الظروف التي تمر بها الإدارة الأميركية الآن لا تستدعي السعي للهند بالتحديد، إلا إذا كانت هناك أسباب أخرى وراء التصديق.

هذا إلى جانب أن العلاقات بين الهند وروسيا أقوى بكثير من أن تخترقها واشنطن، وقد سمعنا بعض أعضاء الكونغرس عند رفضهم السابق للتصديق على الاتفاق يبررون رفضهم بأن واشنطن تضيع وقتها مع دولة مثل الهند تربطها بروسيا علاقات أشبه بالزواج الكاثوليكي منذ أكثر من نصف قرن مضى، فمن المعروف أن الهند تعتمد منذ الستينات على التسليح السوفييتي .

من بعده الروسي، وأن هناك مؤسسة تصنيع عسكري كبيرة اسمها « براموس» مشتركة بين البلدين منذ أكثر من عقد ونصف تقوم بتصنيع أسلحة حديثة.

وهناك اتفاقات شراء سلاح بين البلدين حتى عام 2012 تقدر بعدة مليارات، هذا إلى جانب أن الهند تعتمد كثيراً على الخبرة العسكرية الروسية في الكثير من إعدادها لجيشها.

اتفاق التعاون النووي بين واشنطن ونيودلهي إذا كتب له البقاء والتنفيذ لن يشكل أي عائق للتعاون النووي الروسي الهندي، ولكن هل سيستمر هذا الاتفاق بالفعل؟، هذا أمر مشكوك فيه حتى الآن.

موقع «ايكاوس»

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 22:35