«بيونغ يانغ ولغز كسب الوقت» لا يزال سارياً..!
بدأت كوريا الديمقراطية في إعادة تجهيز مجمعها النووي الرئيسي في يونغبيون، في تنفيذ عملي للتهديد الذي أطلقته مؤخراً بعد اتهامها الولايات المتحدة بعدم تنفيذ تعهداتها في اتفاق تم التوصل إليه العام الماضي يقضي بنزع الأسلحة مقابل تقديم مساعدات، وفق ما ذكرته وسائل إعلام.
وقالت وكالة كيودو اليابانية للأنباء إن بيونغ يانغ بدأت الاثنين في تجميع مفاعل نووي على بعد 90 كلم شمال العاصمة، فيما نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين أن هذا التصرف ربما يكون احتجاجاً على تأخر واشنطن في رفع اسم كوريا من قائمة «الدول الراعية للإرهاب».
وتتهم واشنطن بيونغ يانغ بعدم الالتزام بالاتفاق الخاص بوضع نهاية لبرنامجها النووي، وقررت الشهر الماضي تعليق تنفيذ تعهد الرئيس الأميركي جورج بوش برفع اسم كوريا الديمقراطية من قائمة الإرهاب حتى توافق الأخيرة على آلية كاملة للتحقق من برنامجها النووي.
وكانت كوريا الديمقراطية أجرت اختباراً لقنبلة ذرية عام 2006، ثم وافقت على تفكيك برنامجها النووي في العام التالي بعد مباحثات سداسية شاركت فيها الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا، إضافة إلى الكوريتين الشمالية والجنوبية، وقامت بتفجير برج التبريد في مفاعل يونغبيون وسلمت قائمة تضم المنشآت والمواد النووية.
ووفقا لمسؤول أميركي تحدث لشبكة «فوكس نيوز» فإن الكوريين يمكنهم إعادة المفاعل النووي إلى العمل خلال شهرين أو ثلاثة، علما بأن خبراء الانتشار النووي يعتقدون أن كوريا الديمقراطية أنتجت بالفعل كميات من البلوتونيوم تكفي لصنع من ست إلى ثماني قنابل نووية.
وكانت «قاسيون» أكدت في مقالة لها في العدد293 تاريخ 15/2/2007 تحت عنوان «بيونغ يانغ ولغز كسب الوقت» أكدت أنه «فوق الطاولة تخلت بيونغ يانغ عن برنامجها النووي ووعدت بتفكيك منشآتها النووية الرئيسية مقابل وعود غربية، أمريكية بالتزويد بالنفط والطاقة، بموازاة تمكن واشنطن بالاستعانة بحلفائها من دفع الأولى نحو التخلي أيضاً حتى عن شرطها بالتعامل الندي والمباشر مع الثانية..
تحت الطاولة عملياً، تحتفظ بيونغ يانغ بجميع أوراق ملفها النووي وكل التقدم الذي أحرزته بهذا المجال بدليل أنها أكدت «مستدركة» أنها بصدد التعليق المؤقت وليس الوقف النهائي لبرنامجها النووي. وهي تحمل هذه الأوراق لكي تبرزها رغم وجود المفتشين العائدين افتراضاً، في أي وقت تحاول فيه واشنطن ممارسة الضغط الابتزازي عليها سواء في هذا الملف أو غيره»..
وأشارت الصحيفة حينها إلى أنه «بين ثنايا الموضوع هناك معطيات تبدو أكثر عمقاً، تشير إلى أن بيونغ يانغ تثبت أنها أكثر مهارة في لعبة كسب الوقت مع واشنطن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأولى تحتاج لإحداث ثغرة في طوق محاصرتها دولياً، والثانية المأزومة في العراق وأفغانستان تلهث في بحثها عن نصر ما لتسويقه في الداخل والخارج، ولكن بيونغ يانغ بعد التقاط الأنفاس ستمتلك أكثر من خيار في التنصل من الاتفاق وإعادة الأمور إلى المربع الأول، فهي تتعامل مع أربعة أطراف أخرى غير واشنطن، فإذا ما تعرضت لضغط من أي منها سيكون ذلك سبباً وجيهاً مثل قضية المفقودين أو المختطفين التي تلوح بها طوكيو أو مثل أي شرط تعجيزي في المحادثات المزمع استئنافها حول إعادة توحيد شطري كوريا مع سيؤول، في حين أن واشنطن ستحتاج لإقناع شركائها في الاتفاق (وهم عملياً خصومها الاستراتيجيون في كل من موسكو وبكين)، بخصوص أية خطوة تصعيدية تريد اتخاذها بحق كوريا الديمقراطية».
وطرحت قاسيون آنذاك تساؤلاً عدته الأبرز وهو: «لماذا مع اقتراب العدوان على إيران تعقد بيونغ يانغ هذه التسوية لتظهر كأنها خطوة استراتيجية تراجعية؟» وقالت إن «بعض معالم الجواب ربما تحتاج لمنظور آخر يضع المسألة في إطارها الأوسع. وبهذا المعنى فإن بيونغ يانغ عادت إلى لعبة تمرير الكرات مع طهران (المغضوب عليها أمريكياً إسرائيلياً هي الأخرى بذريعة برنامجها النووي) ومع المؤسسة العسكرية الروسية ذات الاتجاهات الوطنية المناهضة لسياسات الكرملين والطغمة المالية المتنفذة في روسيا، وذلك من أجل إيحاء البيت الأبيض أنه انتهى أو يكاد من المسألة الكورية النووية، فتلتقط بيونغ يانغ بعضاً من أنفاسها. أي أن هذه الجبهة غير المعلنة المناهضة لواشنطن تريد تشتيت الضربة الأمريكية والعودة لا حقاً إلى حالة الفرز الحقيقي للقوى على المستويين الإقليمي والدولي في إطار صراع كوني مع مشروع الهيمنة الأمريكية، وهو صراع يمتد من منطقة شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية مروراً بأفريقيا والمنطقة العربية التي لا ترتقي، بالمناسبة، أو لا تريد أنظمتها، بالأحرى، الارتقاء إلى مستوى اللعب مع الكبار وتوفير مقدماته ومسلتزماته».
وخلصت حينها إلى أنه «للحديث بقية، فالملف لن ينتهي على المدى المنظور...»، ويبدو أن ذلك ما يزال سارياً..!