لماذا تصمت الصحافة الأمريكية عن دور «إسرائيل» في قضية الرحلة رقم 253 لشركة نورثويست؟

في العاشر من كانون الثاني، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً لمراسلها يوسي ميلمان، أشار فيه إلى الدور الذي لعبته شركة الأمن الإسرائيلية إنترناشيونال كونسلتنتس أون تارغيتيد سيكيوريتي (ICTS) أثناء المحاولة الفاشلة لتفجير قنبلة على متن الرحلة رقم 253 لشركة نورثويست للطيران.

هنالك شركتان فرعيتان لشركة الأمن تلك مسؤولتان عن غربلة المسافرين في مطار شيبهول في أمستردام حيث صعد المتهم بمحاولة الاعتداء الانتحارية عمر فاروق عبد المطلب على متن طائرةٍ متجهة إلى ديترويت. تستخدم الشركة تقنية غربلة لدراسة الركاب وتحديد المخاطر الأمنية، تأسست على تجربة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. كان العاملون في شركة العال للطيران وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» قد أسسوا في العام 1982 شركة ICTS بهدف بيع خبرتهم، وتستخدم شركات طيران أمريكية عديدة خدماتها أو تقنيتها.
وفق هآرتس، قامت شركة ICTS بالتأكد من عبد المطلب لكنّ عناصر الأمن لم يصفوه بأنه مسافر يمثّل خطراً على الرغم من وجود براهين كافية.
«حتى إذا كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد فشلت وإذا لم يكن اسم الراكب النيجيري موجوداً على قائمة المشبوهين بالنسبة لشركة الطيران، كان من المفترض أن يثير شبهات عناصر الأمن»، هكذا كتبت الصحيفة. «عمره، اسمه، مسار سفره غير المنطقي، بطاقة طائرته المكلفة والتي اشتراها في آخر دقيقة، صعوده على متن الطائرة دون أمتعة (لم يكن معه سوى حقيبةٍ يدوية) وإشاراتٌ أخرى عديدة كان يفترض فيها أن تكفي لإنذار عناصر الأمن وتبرير قيامهم بتفحّصٍ أكثر تعمقاً للمشتبه به. لكنّ مسؤول الأمن الذي يمثّل الشركتين الفرعيتين لشركة الأمن سمح له بالصعود على متن الطائرة».
نقلت الصحافة الإسرائيلية والأوروبية على نطاق واسع الرابط الإسرائيلي. فعلاوة على هآرتس، لاحظت صحيفة جيروزاليم بوست الدور الذي لعبته شركة ICTS في أمستردام في مقالة ظهرت في السابع والعشرين من كانون الأول كما أجرى التلفزيون الإسرائيلي مقابلة مع مدير الشركة، الذي أكد أن عبد المطلب خضع لفحص أمني.
ظهرت مقالات لاحقة في الصحف ووضعت في الشبكة الإلكترونية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا. لكن لم يظهر شيءٌ في الصحف الأمريكية الرئيسية، لم يظهر شيءٌ في نيويورك تايمز أو واشنطن بوست أو وول ستريت جورنال أو أية صحيفة يومية أخرى، كما لم يظهر شيء في أي من قنوات التلفزيون أو في شبكات المعلومات عبر الكابل.
إنّ التناقض بين المعالجة الإعلامية في أوربا ونظيرتها في أمريكا علامة على أن دور شركة ICTS ليس مجرد تفصيل تافه. من الواضح أنه تم إصدار أمر بالصمت عن الموضوع، إما على شكل أمر مباشر من أجهزة الأمن الأمريكية أو على شكل غير مباشر عبر نظام الرقابة الذاتية في وسائل الإعلام، وهو لا يقل فعالية رغم كونه «طوعياً».
ما هو السبب المحتمل في إخفاء الدور الذي لعبته شركة ICTS؟
بداية، إليكم بعض الوقائع المتصلة بالموضوع: كانت الشركة مسؤولة عن ضمان الأمن في مطار باريس، شارل ديغول، حين صعد «الرجل ذو الحذاء» ريتشارد ريد (الذي أخفى متفجرات في حذائه) على متن طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة في الثاني والعشرين من كانون الأول 2001. كما كانت الشركة تضمن أمن نظام الحافلات اللندنية لحظة الهجمات الانتحارية بتاريخ السابع من تموز 2005. كذلك، كانت تشارك في تحمل مسؤولية الأمن في الحادي عشر من أيلول 2001 في مطار بوسطن لوغان الذي انطلقت منه اثنتان من الطائرات الانتحارية الأربعة التي حولت مسارها والتي أدت إلى الاعتداءات.
أقل ما يمكن قوله، هو إنه توجد مصادفات غريبة، لاسيما بالنظر إلى الخبرة المزعومة لأجهزة الأمن الإسرائيلية في رصد الهجمات الإرهابية ومنعها. كان العاملون في شركة ICTS موجودين في مكان وقوع الهجمات الإرهابية الأربع الأسوأ في السنوات العشرة الماضية، وفي كل مرة، لم ينجحوا في فعل شيءٍ لإيقاف الإرهابيين.
خلال ثمانية وعشرين عاماً من الخدمة، استقرت الشركة في 22 بلداً لضمان الأمن في مطارات فرنسية وبريطانية وإسبانية وهنغارية ورومانية وروسية، مستخدمة أكثر من 11 ألف عنصر أمن. كانت الشركة تحوز على عقود في مطارات أمريكية عديدة حتى الحادي عشر من أيلول، حيث تم سحب فحص المسافرين من أيدي القطاع الخاص لتوكل إلى إدارة أمن وسائل النقل (TSA) التي تمّ إنشاؤها حينذاك.
إن الصمت عن الدور الذي لعبته شركة ICTS ليس سوى المظهر الأكثر غرابة في قرار وسائل الإعلام بعدم إجراء تقارير عن سياق محاولة التفجير على متن الرحلة رقم 253 لشركة نورثويست. كانت هنالك أصلاً إرادة الابتعاد عن تحقيق عن الحادث الذي حصل يوم عيد الميلاد، قبل أن يأتي الزلزال في هاييتي فأصبح، وهذا أمر مشروع، الموضوع الرئيسي الذي تصب وسائل الإعلام اهتمامها عليه.
الرواية الرسمية لرحلة شركة نورثويست رقم 253، مثلما قدمها بيت أوباما الأبيض ووكالات الاستخبارات الأمريكية، غير قابلة للتصديق إلى حد أنه يبدو أن هناك جهداً منسقاً لإهمال الموضوع وصرف اهتمام الجمهور إلى وجهات أخرى. في هذا السياق، لا يزال الصمت الكلي عن دور الشركة الأمنية الإسرائيلية يستثير مزيداً من الأسئلة حول الدور الذي لعبته وكالات الاستخبارات الأمريكية أو غيرها في أثناء الفترة التي سبقت حادث يوم عيد الميلاد، والذي كاد يكلّف نحو 300 شخص حياتهم.

باتريك مارتان / ترجمة قاسيون