فيلم مصري طويــــــــــــــــــــــــل...!
كل ما «دق الكوز بالجرة» على الحدود بين مصر وقطاع غزة المحاصر، تخرج الأوركسترا المنظمة لدى الحزب الوطني الحاكم في مصر لتتباكى على «السيادة المصرية»، حتى أصبح الإيقاع، سمجاً ومقيتاً، وأكثر مللاً من متابعة مسلسل مكسيكي طويل، ضمن سيناريو مصري رسمي بات يستخدم كل الأوراق المتاحة في محاولات التغطية على فضيحة «الجدار الفولاذي» وتكريس انحراف البوصلة عن العدو الأساسي.
آخر ما حرر في هذا الإطار كان «بلاغاً» تقدم به محام مصري إلى النائب العام طالب فيه باعتقال رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية وأي من قيادات «حماس» حال دخولهم مصر, وذلك لحين تسليم من سماهم قتلة معروفين بالاسم لدى مصر لأحد عناصر حرس الحدود المصريين الذي سقط في اضطرابات على حدود القطاع قبل أسبوعين تقريباً.
وقال المحامي إن هنية «لعب دوراً قوياً في دفع الشباب الفلسطينيين للهجوم على برج المراقبة المصري والصعود عليه ومن ثم التعدي على الجندي المصري وإرهابه وقتله بهدف زعزعة الأمن على الشريط الحدودي».
وسبق ذلك قيام أمين التنظيم في الحزب الحاكم أحمد عز بتلاوة بيان وقعه 150 عضواً بالحزب، وقدمه خلافاً لرأي بقية أعضاء البرلمان باسم أعضائه جميعاً بمباركة من رئيس المجلس فتحي سرور، يتضمن هجوماً غير مسبوق على الفلسطينيين, ولم يستبعد أي عمل بما فيه العسكري من أجل القصاص ممن وصفهم بـ«مليشيات فلسطينية» قامت بقتل الجندي أحمد شعبان، قائلاً «إن صبر مصر ينفد لأن دم أحد أبنائها أهدر»(!!) مطالباً الفلسطينيين بتقديم اعتذار معلن لشعب مصر وحكومتها عن هذا «العمل الآثم الذي أوجع قلوب المصريين جميعاً وأبكاهم فرادى وجماعات»، علماً بأن عشرات المواطنين وعناصر الجيش والشرطة المصريين سقطوا قبل ذلك برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم تحرك السلطات المصرية ساكناً ولا لساناً، بل كانت تقمع الجنازات الكبرى، للفلفة الأمر.
وبينما خوّن «عز» المعارضين من أعضاء البرلمان المصري لبيان حزبه الحاكم، تشير ملابسات الاضطرابات المذكورة، التي أودت بحياة الجندي المأسوف عليه، والذي خسرته عائلته بالدرجة الأولى في كل الأحوال، إلى أنها تضمنت إصابة عشرات الفلسطينيين بالرصاص المصري، وبعض الإصابات خطيرة وحرجة، من بينها إصابة طفل بالشلل، مثلما تضمنت تشكيكاً قوياً من مسؤولين مصريين محليين ومن حكومة حماس بالرواية المصرية الرسمية حول الحادثة.
وفي هذا السياق تأتي تصريحات سامي أبو زهري، المتحدث باسم حماس، أن «اتهامات مصر هي تهرب من المسؤولية، ومحاولةً لإلصاق التهمة بالحركة، وللتغطية على جريمة إطلاق النار تجاه الشبان الفلسطينيين على الحدود المصرية الفلسطينية»، مشيراً إلى أن د. طارق المحلاوي وكيل وزارة الصحة في محافظة شمال سيناء، أكد أن وفاة شعبان ناتجة عن إصابته برصاصتين من الخلف، مثلما أشار إلى تأكيد لجنة القوى الحزبية والشعبية في إقليم سيناء، أن الرصاص الذي قتل به الجندي المصري كان بالخطأ من الجانب المصري. وطالب المتحدث بتشكيل لجنة عادلة للتحقيق في القضية، وتحديد المسؤول عن إصدار التعليمات للجنود المصريين بإطلاق النار على الشبان الفلسطينيين بدم بارد، علماً بأن «حماس» طلبت من وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الإفصاح عن اسم «القناصَين» المتورطَين كي تحقق معهما حماس، لكنه لم يفعل، مثلما رفض ذلك السفير عبد الرحمن صلاح مساعد وزير الخارجية المصرية للشؤون العربية أمام أعضاء مجلس الشعب تحت «ذرائع أمنية» كون الأمر لا يدخل في اختصاص وزارته..!
فإذا كانت هذه هي الملابسات التي تفقأ العيون، فلماذا كل هذه الهستيريا المصرية الرسمية؟ وما الذي يدور في خلد مبارك وزمرته التي تثبت خيانتها حتى لمبررات وجودها؟ وباتت متبلدة الإحساس في قبولها، بما يخص «السياسة الخارجية» و«الأمن القومي» بعد «الشؤون الداخلية»، الدخول مع الأمريكي والإسرائيلي في «سفاح جديد» على أرض سيناء «المحررة» بدعوى الحفاظ في وجه الغزاويين المحاصرين أصلاً على بكارة «السيادة المصرية» المفضوضة أمريكياً- إسرائيلياً، مراراً وتكراراً..! فضمن أية إحداثيات محلية وإقليمية ودولية بات نظام مبارك يرى نفسه؟
..ربما يسود وهم لدى النظام المصري حول تمكنه عبر هذا الفيلم «المبتذل» من ملء الفراغ الإقليمي الناجم عن الأزمة الرأسمالية الأمريكية وانزياحاتها السياسية، عبر الانقلاب كلياً على الأدوار الوظيفية المفترضة وطنياً وإقليمياً، وصولاً إلى توهم انتحال الدور الأمريكي ذاته مع أدواته، ولكن من دون امتلاك مقومات هذا الدور، لا التاريخية منها ولا الواقعية، بل الاقتصار على استعداء شعوب المنطقة الواضح والصريح بطريقة تتسم بالغباء السياسي، والإفلاس الجماهيري، أي بما لا يجاري «القوة الذكية» التي يروج لها «السيد» أوباما.
ويعود شريط الأسئلة: استماتة في سبيل ماذا؟ هل لتمرير «التوريث» الذي ينبغي أن يحظى بمباركة أمريكية إسرائيلية، حسب الفقي؟ أم لتوهم تفادي التفتيت القادم عبر البوابة اليمنية والتدخل الأمريكي المباشر هناك، والذي ستغطي دائرته المبتغاة أمريكياً حتى كل الدول التابعة تقليدياً التي تمتلك مؤهلات القوى الإقليمية الجدية من ناحية المساحة والموارد وتعداد السكان كالسعودية ومصر، مثلاً؟
لا يبدو أن سلوك النظام المصري يستجيب لمواجهة هذه التحديات، حتى وإن كان يدركها فعلياً، ولو كان كذلك لاحتفظ ببعض الحياء، ولو من باب المناورة السياسية..!