ميشيل شوسودوفسكي ميشيل شوسودوفسكي

أكاذيب سياسية - إعلامية تحيط «أنفلونزا الخنازير»

ما هي الأنفلونزا؟ الأنفلونزا مرض معد خطير، يصيب الجهاز التنفسي وتسببه فيروسات الأنفلونزا. يصاب بالأنفلونزا الملايين في الولايات المتحدة كل عام. وغالبيتهم يعانون منها بما يقارب الأسبوع. لكن بعضهم (خاصةً الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن ومن يعانون من مشكلات صحية مزمنة) قد يشتدّ به المرض وربما يؤدي إلى الوفاة.

رفعت منظمة الصحة العالمية مستوى الإنذار الوبائي إلى الدرجة الخامسة من مقياس مؤلف من ستّ درجات.

تعني الدرجة الخامسة من إنذار المنظمة أنه «يوجد انتشار متواصل بين البشر في بلدين على الأقل وأن تفشي المرض على مستوىً عالمي وشيك الحدوث... كما أنه يشير إلى جهودٍ متزايدة في إنتاج اللقاحات... تأكدت الإصابات البشرية في المكسيك والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وإسرائيل ونيوزيلندا وإسبانيا».

وفقاً للتقارير، اتخذت منظمة الصحة العالمية هذا القرار بعد «وفاة طفل عمره 23 شهراً نتيجة إصابته بأنفلونزا الخنازير في تكساس بعد انتقاله من المكسيك لتلقّي العلاج».

وفقاً للتقارير تأكدت أنفلونزا الخنازير في 11 ولاية أمريكية. وتم الاستشهاد بقول موظفي المنظمة في جنيف وواشنطن إن «توقف انتشار الفيروس مستبعد».

لم تجهد وسائل الإعلام كثيراً في تحليل البيانات ومراجعتها. وقد ركزت الانتباه على أكثر من 2400 إصابة بأنفلونزا غير محددة في المكسيك.

«انتشار الوباء عالمياً وشيك الحدوث... على البلدان كافةً أن تكون على أهبة الاستعداد»، «أسوأ أزمة صحية تواجه العالم منذ تسعين عاماً...».

في اليوم الذي أعقب إطلاق منظمة الصحة العالمية لإنذارها الوبائي من الدرجة الخامسة، أشار عالم يعمل في مركز الاتحاد الأوروبي لمراقبة الأمراض والوقاية منها، ودون أي دليل، إلى أن الوباء قد يصيب ما بين 40 و60 بالمائة من سكان أوروبا «على نحو معتدل».

 (انظر europeanvoice.com بتاريخ 30 نيسان 2009).

من جانب آخر، صرح البروفيسور نيل فيرغسون، وهو عضو في حملة مكافحة أنفلونزا الخنازير، أن «40 بالمائة من سكان بريطانيا ربما يتعرضون للإصابة في غضون الشهور الستة التالية إذا هاجم الوباء البلد».

«لا نعرف حقيقةً إلى أي حد سينتشر الوباء في غضون الشهرين التاليين... يكاد يكون مؤكداً أنه حتى لو لم يتلاشَ في الأسابيع القليلة القادمة، فسيكون بانتظارنا وباء موسمي في الخريف».

«ربما علينا توقّع إصابة ما بين 30 إلى 40 بالمائة من السكان في الأشهر الستة القادمة إن تحول الأمر حقاً إلى وباء. قد تكون لدينا أعداد كبيرة من الإصابات في الأسابيع القليلة القادمة. لكنني سأقول، إن كان علي أن أراهن، أنها قد تكون مدة أطول قليلاً لأننا نمضي نحو الصيف». قال السيد فيرغسون إن «الوفيات الـ152 في المكسيك تقدّم نسبة قليلة نسبياً من العدد الكلي للإصابات والذي قد يعادل عشرات أو مئات الألوف». (ديلي إكسبرس، الأول من أيار 2009)

لا تتسم تقارير وسائل الإعلام بالاتزان، حيث تقلب الوقائع رأساً على عقب. لا تتأكد التصريحات السياسية بأدلة علمية أو طبية. وتصريحات البروفيسور فيرغسون لا أساس لها من الصحة. فهو لم يزعج نفسه بتفحص عدد الإصابات بأنفلونزا الخنازير «المؤكدة مخبرياً» في المكسيك.

30 إلى 40 بالمائة من سكان بريطانيا؟ أكثر من 50 بالمائة من سكان الاتحاد الأوروبي الذي يصل تعداد سكانه إلى 500 مليون نسمة؟ على أية أسس استندت تلك التصريحات؟

في 27 نيسان، كانت هنالك إصابة واحدة، وفقاً للتقارير، في الاتحاد الأوروبي. «تم تشخيص الإصابة الأولى المؤكدة في إسبانيا. أكدت وزارة الصحة في إسبانيا النبأ صباح الاثنين، بعد اختباراتٍ أجريت على رجل عاد مؤخراً من رحلة أمضاها في المكسيك». (محطة بي بي سي 27 نيسان).

إضعاف حركة الاحتجاج الاجتماعي

تخلق تصريحات من هذا النوع حول «انتشار محتم» للمرض مناخاً من الخوف والرعب وانعدام الأمان، وهو متعمد إلى حد بعيد. كما أنها تصرف انتباه الناس عن الأزمة الاقتصادية العالمية المدمرة التي تودي بالعالم إلى فقر وبطالة شاملين، ناهيك عن حرب الشرق الأوسط وقضايا جرائم الحرب واسعة الانتشار المتصلة بالناتو والولايات المتحدة.

تتميز الأزمة العالمية الحقيقية بالفقر والانهيار الاقتصادي والنزاعات الإثنية والموت والخراب وازدراء الحقوق المدنية وتلاشي برامج الرعاية الاجتماعية. فإعلان الاتحاد الأوروبي عن حتمية انتشار وباء أنفلونزا الخنازير يساهم في إضعاف حركة الاحتجاج الاجتماعي التي تنتشر في أرجاء أوروبا. في المكسيك، يلاحظ على نطاقٍ واسعٍ أن إجراءات الطوارئ المتعلقة بأنفلونزا الخنازير والتي طالبت المناطق الحضرية كافة ليست سوى ذريعة لحكومة فيليب كالديرون لكبح المعارضة الاجتماعية المتصاعدة في مواجهة واحدة من أكثر الإدارات فساداً في تاريخ المكسيك.

الخوف من المرض:

منجم ذهب لشركات التقنيات الحيوية

إن الخوف من إنفلونزا الخنازير يعد منجم ذهب في أسواق البورصة بالنسبة لشركات التقنيات الحيوية. وإن أكثر الأدوية طلباً ضد الإنفلونزا هي تاميفلو وريلينزا. وقد أطلقت الحكومة الأمريكية شارة السباق على العلاجات حين جعلت احتياطياتها القومية متاحة «لضمان أن يكون مزودو الخدمات الصحية مستعدين لأي تكثف محتمل».

تقوم شركة هوفمان لاروش العملاقة للصناعات الصيدلانية بتصنيع دواء تاميفلو لمصلحة شركة تقنيات حيوية أمريكية هي شركة جيلياد ساينسز. وبينما تقوم الأولى بتصنيع الدواء، تقوم الثانية بتطويره وهي التي تملك حقوق الملكية الفكرية.

كان دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي السابق، أحد المساهمين الرئيسيين في شركة جيلياد ساينسز. في العام 1997، تم تعيين رامسفيلد رئيساً للشركة، وهو منصب احتله حتى تعيينه وزيراً للدفاع في إدارة بوش في العام 2001. كان رامسفيلد عضواً في مجلس إدارة جيلياد في العام 1987.

في ريبورتاج نشرته مجلة فورتشن ماغازين في خضم أزمة إنفلونزا الطيور في العام 2005، وصفت المجلة جيلياد بأنها إحدى الشركات الأقوى ارتباطاً سياسياً في قطاع صناعات التقنيات الحيوية. وهنا فإن مصالح وربما ممتلكات رامسفيلد في جيلياد إثر استقالته في العام 2006 لا تزال غير معروفة.

مضادات الفيروسات أدوية فعالة ضد الإنفلونزا تصرف بوصفة، بما في ذلك فيروسات إنفلونزا الخنازير، وذلك وفق مراكز مراقبة المرض. يبدو أن فيروسات إنفلونزا الخنازير من النمط (أ) المكتشفة في الولايات المتحدة والمكسيك مقاومة لمضاداتها الفيروسية، أي الأمانتادين والريمانتادين، لكن الاختبارات المخبرية تظهر أن الفيروس حساس للتاميفلو، المعروف أيضاً باسم أوزلتاميفير، وللرلنتسا، المعروف باسم زاناميفير.

التاميفلو مضاد فيروسي معترف به في الولايات المتحدة لعلاج الإنتانات بفيروس الإنفلونزا من النمطين (أ) و(ب) عند الأشخاص الذين تفوق أعمارهم السنةـ وللوقاية منه أيضاً. تبيعه شركة هوفمان لاروش التي تدفع جزءاً من أرباحها المتصلة ببيع هذا المنتج إلى شركة جيلياد. أعلنت روش أنّ لديها «احتياطات من التاميفلو تبلغ 3 ملايين علبةـ وهي جزء من العلاجات المقدمة لمنظمة الصحة العالمية في العام 2006ـ وأنها تستطيع توفير الدواء في كل مكان على مدى 24 ساعة». (سان فرنسيسكو بيزنيس تايمز، 27 نيسان 2009)

 

ميشيل شوسودوفسكي، مدير مركز أبحاث العولمة وأستاذ الاقتصاد في جامعة أوهايو.

مؤلف كتابي: «الحرب والعولمة، الحقيقة وراء الحادي عشر من أيلول»، و«عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد»

آخر تعديل على الأربعاء, 17 آب/أغسطس 2016 02:12