ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

مقدمات زيارة مبارك لواشنطن

بعد فترة قصيرة سوف يستأنف مبارك رحلات الحج الى البيت الأبيض. هذه المرة للزيارة طابع خاص، إذ ستكون في اطار سلسلة لقاءات أوباما مع كل من  نتنياهو ومبارك وعباس.

تشي الزيارة وما سبقتها من مقدمات، سواء على مستوى السلطة، أو على مستوى النخبة والمثقفين بطبيعتها وأهدافها. إذ جسدتها الحملة المسعورة ضد حزب الله، في حين يستمر حصار غزة وخنق المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته تتم دعوة رئيس وزراء العدو الصهيوني لزيارة مصر، وتتصاعد وتيرة التطبيع الذي اتخذ طابعاً نوعياً بالتطبيع الثقافي بدعوة واستضافة صهيوني ليقود أوركسترا القاهرة في دار الأوبرا المصرية بحضور مكثف لمثقفين مصريين.

إذا كانت السلطة المصرية تخوض الآن معركة بقاء، ولم يعد يشغلها سوى سياسات ومعارك ضد الشعب وقوى المقاومة العربية والاقليمية وحتى العالمية، ولا يشغل الوطن والشعب أي حيز في اهتماماتها، فإن أكذوبة السلام والرخاء التي أطلقها السادات منذ ثلاثين عاماً لم تعد تنطلي على أحد، وبالتالي فإن الصراخ وأقصى درجات الغوغائية التي مارستها أبواق السلطة ضد حزب الله لا يمكنها أن تسفر عن شيء بالنسبة للجمهور المصري الواسع الذي يعاني ويقاسي. فالسماء لم تمطر ذهبا ولا فضة، والأرض لم تفض لبناً ولا عسلاً نتيجة هذا الصراخ المبتذ ل.

لكن الجدير بالملاحظة هو أن ما حدث قد كشف بلا مواربة عن الاصطفاف السياسي لقوى التبعية بشكل لا لبس فيه، حيث انعقد مؤتمر مشترك لاتحادات الشباب في 3 أحزاب هي: الحزب الحاكم، وحزب الوفد، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي!! وهو المؤتمر الأول من نوعه والذي تم تكريسه لإدانة حزب الله.

الأمر الأكثر أهمية هو موقف قوى من النخبة خارج الأحزاب الرسمية، ومحسوبة على القوى الوطنية والقومية والتقدمية، سواء في غمرة نعيق السلطة وأبواقها، أو في حفل الأوبرا.

حينما فجرت السلطة ما يسمى «قضية خلية حزب الله» لوحظ أن البعض من قوى النخبة الوطنية قد استداروا عن مواقفهم السابقة، والبعض الآخر عبروا عن مواقفهم المنحازة للمقاومة على استحياء وبقدر من التحفظات، في حين صمت آخرون. وتلك مواقف غريبة حقاً. إذ أن طبيعة الظرف تتطلب الموقف المبدئي. فالمقاومة ومساندتها ليست جريمة. وما ولولت به السلطة عن الأمن القومي والسيادة لم يكن سوى للتخويف والابتزاز. وما يهدد الأمن القومي فعلاً هو العدو الصهيوني والامبريالي، وليس مساندة المقاومة ومساعدتها.

لست أدري لماذا ننسى التاريخ والجغرافيا؟ إذ كانت مصر– حتى في العهد الملكي وتحت وطأة الاحتلال البريطاني– ملاذاً للمناضلين والمقاومين والمضطهدين من العرب. كانت ملاذاً للمناضل والمفكر العظيم عبد الرحمن الكواكبي، وكذلك لأعداد لا حصر لها من المثقفين والصحفيين والفنانين العظام (السوريون واللبنانيون بالذات) الذين وجدوا فيها ملاذاً من الاضطهاد العثماني ثم الفرنسي، وقدموا لها الكثير. ومع ثورة يوليو 1952 كانت مصر صاحبة الدور الأعظم في مساندة الثورة الجزائرية، وإمدادها بالسلاح وكل أنواع المساعدات رغم بعد الشقة، كما كانت المساند الأساسي لثورة اليمن شماله وجنوبه. وموقفها من فلسطين والصراع العربي الصهيو– امبريالي لا يحتاج لإيضاح، إدراكا منها بأن ذلك هو دورها وقدرها.

لذلك– ورغم وطأة هزيمة 1967– تضامنت معنا دائرة هائلة من الدول. فقامت كل بلدان المنظومة الاشتراكية آنذاك (باستثناء رومانيا) وكذا الغالبية الساحقة من بلدان افريقيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني لأن الجميع كان يقدر دور مصر ووقوفها مع كل حركات التحرر والمقاومة.

***

فجعت حينما شاهدت على القنوات الفضائية لقطات من حفل دار الأوبرا المصرية، ووجوه كثيرة لمثقفين مصريين من المحسوبين على القوى الوطنية المناهضة للتطبيع، تجمعوا للاحتفاء بالموسيقي الصهيوني.

الحجج الفارغة التي أبديت منهم والتي تمثلت في أنهم يعملون على اجتذاب بعض «اليهود الصهاينة» لصف قضايانا هي أمر خطير للغاية. وهي حجج تدل بفرض حسن النوايا على أمرين: الجهل والغفلة من ناحية، والإحساس بالدونية- إلى حد الركوع الذليل– أمام الصهاينة والغرب الامبريالي وأتباعهم من الناحية الأخرى. وبالتالي فإن المثقفين المصريين (والعرب) بمختلف منطلقاتهم الفكرية (من الليبراليين وحتى الماركسيين) الذين يرون بأنه ينبغي علينا أن نثبت للعالم أننا متحضرون وغير عنصريين عبر مثل هذه المواقف، إنما يفتقدون في الواقع- إلى جانب الجهل والغفلة والاحساس بالدونية– النزاهة والحس الوطنيين. وبينما كنا مبدئيين ومتشددين في التمسك بحقوقنا (لاءات الخرطوم الثلاثة: لا صلح، لاتفاوض، لا تصرف بالقضية الفلسطينية) وقفت معنا كتلة هائلة من الدول. وحينما بدأ نهج الاستسلام فقدناهم جميعاً، واستشرى نفوذ الكيان الصهيوني في العالم كله، وليس في الغرب الامبريالي وحده. وفي إطار هذه الجريمة ناصب السادات من وقفوا معنا العداء أو على الأقل ابتعد عنهم، وارتمى في أحضان الأعداء.

القضية هى قضية صراع وجود. نخوضه ضد استعمار عنصري استيطاني توسعي (صهيو– امبريالي). لا مجال فيه لمجرد الاقناع والمناقشات الهزلية الفارغة وإنما بتنمية القوة الذاتية لقوى المقاومة وتلاحمها، والتمسك بالحق كاملاً.

لو كان الأمر غير ذلك ما كان الغرب الامبريالي قد زرع هذا الكيان في قلب منطقتنا، إذ كان بإمكانه حل المشكلة اليهودية التي صنعها الغرب ذاته، والتي انتهت فعلياً وتماماً بعد هزيمة النازية والفاشية عام 1945بأن يستضيف اليهود ويقيم كياناً لهم في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) حيث يعيش 300 مليون شخص على ما يقارب 20 مليون كيلو متر مربع أو في استراليا، القارة الشاسعة قليلة السكان خصوصا وأنهما قارتان تم اغتصابهما وتمت إبادة سكانهما الأصليين تقريباً.

بهذا الفهم ننظر إلى المعارك التي تفتعلها السلطة المصرية والمواقف المأساوية للنخبة المصرية، والمنزلق الخطير الذي انجرف إليه مثقفون وطنيون لو حسنت نواياهم ، وحتمية تصحيح مواقفهم.

كما في ضوء ذلك نفهم دوافع زيارة مبارك لواشنطن، والمرامي الحقيقية لمقدمات هذه الزيارة. إنها «طبخة» تستهدف إنهاء المقاومة ونهجها تماماً، وتقديم الولاء (بعد تقديم العربون في الأسابيع السابقة) للعدو الأمريكي الذي لم تتغير أهدافه وللحصول على مباركة ومساندة البيت الأبيض للسلطة المصرية المتداعية، وإتمام توريث الحكم. لكن هيهات!

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:45