إبراهيم البدراوي – القاهرة إبراهيم البدراوي – القاهرة

لا خروج آمن..!!

بعد قضاء فترة استجمام في منتجع شرم الشيخ– المقر شبه الدائم للرئيس مبارك– ألقى خطابه السنوي بمناسبة عيد العمال، ولكن يوم 6 مايو.

كعادته في كل مناسبة منذ بدء رئاسته ألقى الخطاب في قاعة مغلقة بحضور قمم النخبة الطبقية– السياسية الحاكمة. أضيف إليهم النقابيون العماليون السلطويون، بعد أن تم تطهير التنظيم النقابي من الممثلين الحقيقيين للطبقة العاملة المصرية بالإبعاد أو تزوير الانتخابات أو التشريد عبر المعاش المبكر.

قوبل «مبارك» بحفاوة بالغة من الحاضرين، بالدعاء له بالصحة وطول العمر، بقصائد الشعر تعبيراً عن الحب. أحدهم أقسم «بالطلاق» أنه يحب الرئيس جداً جداً!!!

مثل كل خطاباته، خاصة في عيد العمال، عدد مظاهر الحالة الوردية التي تعيشها البلاد والشعب، وأطلق الوعود، ظناً منه أنه أطلق كبسولة تخدير شديدة الفعالية تخترق جسد الشعب.

لكن الأهم هو أنه وجه تحذيرات شديدة: «أجد نفسي اليوم أقوى عزماً وأشد تصميماً»!! و«لا مجال لمن يختلط عليه الفرق بين التغيير والفوضى» و«نحن نسعى لوطن مستقر آمن».

الكبسولة فارغة:

كبسولة المخدر فارغة. لأن مكوناتها خالية من أية مادة فعالة. والشعب المصري الكادح يفهم، لكنه صبور للغاية، ولا أحد يستطيع التنبؤ بلحظة نفاد صبره. وهو يدرك أن مبارك لا يقف– كما قال– إلى جانب الغالبية الساحقة من الكادحين، ولكنه يقف إلى جانب من بالقاعة، خصوصاً من النخبة الطبقية– السياسية الحاكمة وامتداداتها ممن لم يحضروا. هو إلى جانب طرف التناقض الرئيسي الذي تعيشه مصر (أي الامبريالية والصهيونية وعملاؤهما المحليون)، وهو تناقض لا يمكن حله سوى بإلقاء هذا النظام في مزبلة التاريخ. وهو بالمطلق ضد الطرف الآخر أي عشرات الملايين من الكادحين والجياع وهم الغالبية الساحقة من المصريين. هم الشعب المصري.

في الخطاب أعطى توجيهاته للحكومة بتشغيل 200 مصنع وإقامة 19منطقة صناعية وتجارية. ففي أي مجالات؟ وهل تلبي احتياجات فعلية للشعب أم أنها صناعات ملوثة للبيئة وقاتلة مثل مصنع «أجريوم»، أم هي على نمط «الكويز» تدعم اقتصاد العدو الصهيوني؟ لكنه وجه إلى «الحوافز الإضافية للقطاع الخاص» الذي لا يشبع، ومعظمه أجنبي أو مشترك مع رأس المال الأجنبي؟ لكن المضحك هو التوجيه المتعلق بإنفاق 8 مليارات جنيه للخدمات والانتاج والبنية الأساسية، وهو مبلغ يوازي «ثلثي» أجور ألف موظف «سوبر» في عام واحد.

باقي التكليفات مضحكة جداً (وشر البلية ما يضحك)، مثل أكذوبة «شبكة الضمان الاجتماعي» إذ أن المعلوم للقاصي والداني أن أكبر صندوق في تاريخ مصر، أي أموال التأمينات الاجتماعية التي تم تكديسها من عرق ودم عشرات الملايين من العمال والموظفين على مدى ما يزيد على نصف قرن قد تم خسارة 300 مليار جنيه منها حسب آخر التقديرات بسبب استخدام الحكومة لها في المضاربة في بورصة الأوراق المالية لمنع انهيارها، ولإظهار أن الرأسمالية المحتضرة في مصر ناجحة وتقف على قدميها، وما تبقى من هذه الأموال اقترضته الحكومة المفلسة، أي تم تبديد هذه المبالغ الهائلة، فمن أين تأتي شبكة الضمان الاجتماعي؟  أو توجيهاته بالنسبة للرعاية الصحية والتعليم، اللذين اختفت المجانية فيهما بشكل واقعي... الخ.

عقب الخطاب مباشرة انطلقت أبواق النظام وأقلام غلمانه تتحدث عن «المرحلة الجديدة» والإصلاحات التي سوف تنهي كل المشاكل. رغم أن كل المآسي قد حدثت خلال العقود الثلاثة من حكمه (وكان السادات قد مهد له الطريق وبدأت المآسي الوطنية خصوصا في عهده). لقد أنجز مبارك عملية تدمير منهجي و«إبداعي» للوطن وللشعب الكادح ومنجزاته الهائلة.

المسخرة:

تجاهل مبارك أن مصر تشغل الترتيب العالمي (123) بالنسبة للدخل والتعليم. كما تشغل الترتيب العالمي (70) للشفافية والفساد. وهى أرقام الهيئات والمؤسسات الدولية التي يقدسها مبارك ونظامه. لكن المسخرة الأكبر هى تهديده لمن «لا يفرقون بين التغيير والفوضى» وكذا سعيه لـ«وطن مستقر آمن».

هو لا يوجه تهديده للذين يعارضون من خلال الاجتماعات في القاعات الفاخرة وفنادق النجوم الخمس. الذين يتوقف طموحهم عند اصلاحات جزئية وتافهة تستهدف تجميل وجه النظام الرأسمالي التابع المستبد وحمايته من التداعي. ولكن تهديداته موجهة إلى المتحركين في الشارع  الذين يرفضون علناً وجذرياً هذا النظام بمظاهراتهم التي لا تنقطع رغم الحصار الأمني والإعلامي. كما هي موجهة إلى الطبقة العاملة والموظفين وكل الكادحين الذين لا تنتهي اضراباتهم واحتجاجاتهم، وكذا اعتصاماتهم حتى أمام مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى. فنحن جميعاً حريصون على تطور سلمي للبلاد لا يمكن بلوغه في وجود هذا النظام الذي يسوقنا ويسوق الوطن إلى الجحيم.

يتكلم مبارك عن «الوطن المستقر الآمن»، ويتجاهل أنه ونظامه هم صناع ومنتجو الفوضى. وأنه بسبب سياساتهم تعم الفوضى وتتسع. كما تنحسر بسرعة جنونية أية هيبة للسلطة. فالشارع في فوضى، والسوق في أقصى درجات الفوضى تحت شعار «حرية السوق». فمن أين يأتي أمن واستقرار الوطن؟

هل يتحقق أمن واستقرار الوطن بقيام رجال أعمالكم بنهب عشرات المليارات من الجنيهات من البنوك والهروب إلى الخارج، وعجز حكومتكم عن حماية «مطبعة البنك المركزي المصري» فتتم– عشية خطابكم– سرقة 800 ألف جنيه ثم 2 مليون جنيه حيث يفترض أن يؤمن المكان بأحدث الوسائل التكنولوجية، وامتناع حكومتكم عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لمصلحة العمال والاستمرار في تشريدهم وقهرهم، واستمرار دعم اقتصاد العدو ببيع الغاز له بسعر ثابت لا يصل الى ربع السعر العالمي، كما طرح سندات بالدولارعلى الخزينة العامة بمقدار مليار ونصف وبفائدة 4% أي ستة عشر ضعف سعر الفائدة السارية بما يراكم ديون هائلة على الأجيال القادمة، وقبل أيام قليلة يتم الافراج السريع للغاية عن اسرائيلي اقتحم حدود الوطن راكباً «موتسيكل» ويحمل مسدساً، في حين يسجن من حاولوا مساعدة الفلسطينيين بسبب ما أطلق عليه «خلية حزب الله» وكذا سجن «مجدي أحمد حسين» لعامين بتهمة تسلله الى قطاع غزة المحاصر للتضامن مع الأشقاء، وفي حين يعربد العدو الصهيوني ويقتل ويأسر الأشقاء ويهوّد الأرض ويهدم البيوت ويزيل المزارع ويحرق المساجد ويبدأ واقعياً في هدم الأقصى وتقوم حكومتكم بإرسال تهنئة إلى رئيس كيان العدو بعيد «استقلال الكيان» أي عيد اغتصاب فلسطين، واستمرار الضغوط على قوى المقاومة الفلسطينية لاجبارها على الاستسلام... الخ. هل يحقق هذا أمن واستقرار الوطن؟

مصيران:

لايمكن إطلاقا أن يلتقي مصير الشعب المصري مع مصير «مبارك» وطبقته.

مصير الشعب الكادح ومصير الوطن نفسه باتا في مهب الريح. فالشعب والوطن في حال استمرار هذه السلطة  يسيران نحو الهلاك. والطريق إلى تفادي الهلاك هو إلقاء هذا النظام في مزبلة التاريخ دون أي تردد. حتى يستمر الوطن والشعب.

منذ شهور عدة كتب أحد أقرب المقربين من الصحفيين لمبارك وأسرته حول ضرورة توفير خروج آمن لهم من مصر. لكن لم تتم أي استجابة لهذه النصيحة الذهبية من قبل هذه الأسرة. وبذلك حدد مبارك وأسرته مصيرهم بأيديهم.

بالنظر للواقع وتطوراته.. لا خروج آمن. لا خروج آمن.