جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

جدار بارليف الجديد... مصريّ الهوية.. أمريكي النفقات

في أول اعتراف رسمي مصري بوجود الجدار الفولاذي على الحدود مع قطاع غزة, أكد وزير الخارجية المصري «أحمد أبو الغيط» على ما أسماه حق بلاده في فرض سيطرتها على حدودها بأية وسيلة تراها مناسبة.

المشروع كما اتضحت معالمه، يجيء في سياق الدعم والحماية غير المحدودين،  والمساعدات العسكرية والتكنولوجية من الإدارة الأمريكية لكيان الاحتلال. فمؤخراً قام الكونغرس الأمريكي بمنح مصر مبلغ 50  مليون دولار لتنفيذ خطط أمنية من شأنها كبح جماح التهريب عبر الأنفاق من مصر إلى قطاع غزة. وقد تم تنفيذ الخطة الأولى على مرحلتين، اشتملت الأولى على تركيب أجهزة للكشف عن الأنفاق، وهي أجهزة جيولوجية ذات تقنيات عالية في الكشف عن الصوت والحركة في باطن الأرض وعلى أعماق كبيرة، وبدأ العمل فيها منذ عام تقريباً وأوشكت على الانتهاء. وهي عبارة عن وضع حساسات عالية الدقة لا تزيد في حجمها عن قبضة اليد يتم زرعها في باطن الأرض بطول المنطقة الحدودية عن طريق كابل الكتروني يرتبط بلوحة الكترونية وجهاز كمبيوتر، وفي حال حدوث أي صوت أو حركة داخل نفق يتم تسجيل إحداثياتها على شاشة الكمبيوتر وطبع تقرير تفصيلي عن مصدر الصوت والحركة الواردة بدقة كبيرة، ويتابع عمليات رصد ونتائج هذه الأجهزة 4 مهندسين عسكريين أمريكيين يقومون على الفور بإبلاغ الجانب الإسرائيلي بإحداثية النفق ومكانه، وتوقيت عمليات التهريب بداخله.
أما المرحلة الثانية والأهم، فهي عملية بناء الجدار الفولاذي بطول المنطقة الحدودية لعرقلة حفر الأنفاق عند نقطة معينة تم دراستها بعناية. مدة تنفيذها عام ونصف. والمشروع تم البدء فيه منذ 6 أشهر عبر تركيب ألواح فولاذية طول الواحد منها نحو 18 مترا وعرضه 50 سم وسماكة 5 سم، ومصمم الجوانب بطريقة فنية بحيث يتم تركيبها بنظرية المفتاح والقفل التي تستخدم في بناء الجدار، والألواح صنعت في أمريكا وأجريت لها عدة اختبارات ناجحة على مدى صلابتها واحتمالها، وهي مصممة ضد أية اختراقات معدنية (صهر) أو تفجيرية بالديناميت. ووصلت إلى مصر عن طريق ميناء بورسعيد، ونقلت في شاحنات مغطاة إلى رفح. وقد بني منه حتى الآن جزء غطى منطقة حي السلام الحدودية، وجارٍ استكمال الباقي بمناطق حي البرازيل وصلاح الدين وحي البراهمة والجبور. على أن تكون المسافة بين المنطقة القائم فيها الجدار الحديدي والجدار الخرساني (الحدودي) من 70 إلى 100 متر، والتي أصبحت منطقة مكشوفة للأمن المصري، وفي حالة ظهور أية فتحة في النفق قبل الجدار الحديدي ستكون في قبضة الأمن المصري.
الغريب في الأمر هو حملة التأييد الشعواء التي تشنها الصحف والقنوات المصرية لدعم بناء الجدار، وتبرره تحت مسميات وحجج واهية كـ«تستطيع حماس أن تفتح المعابر الستة غداً لو احترمت الاتفاقية المنظمة للمعابر والموقعة من قبل السلطة الفلسطينية والتي تطالب بوجود مراقبين أوروبيين وإشراف من السلطة الشرعية في رام الله». و«إن الكثيرين يتناسون أن معاناة غزة سببها التطرف الديني والسياسي لحماس والمصالح الضيقة. لقد كانت المعابر مفتوحة لعشرات السنين والجديد في المعادلة هي حماس و أعمالها العبثية».
والأدهى ما جاء في افتتاحية صحيفة «الجمهورية» المصرية: «إن دولة كبيرة مثل مصر يجب أن تحمي حدودها من التهريب خاصة مخاطر تهريب السلاح التي قد تذهب في أية لحظة بالاتجاه المعاكس- من غزة إلى الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة في مصر». حيث يصورون غزة وقد غدت غابات ومستودعات للسلاح وتصدر للعالم. أما البعض الساذج من الصحفيين والسياسيين المصريين فقد فسر الأمر على أنه ربما يكون ورقة للضغط على حماس للقبول بالمصالحة الفلسطينية خصوصاً بعد رفضها للورقة المصرية.
والغريب أن الجميع لا يتنبه بأن هناك ظروفاً تم تضخيمها لحجب الرؤية عن المصريين. فاستغلال خسارة مباراة الخرطوم أمام منتخب الجزائر لتوجيه أنظار المصريين وعواطفهم بعيداً عما يجري بالداخل، والنفخ باستمرار في عقدة العظمة الفرعونية والفردانية المصرية وعقدة الأخ الأكبر، كل ذلك يتم تمهيداً للتوريث المنتظر قبل كل شيء. والسؤال: هل من كرامة المصري أن يكون نظامه الحامي الأول للكيان الصهيوني في المنطقة والعدو الأول للفلسطينيين؟
يعتمد 60% من الاقتصاد الفلسطيني في غزة المحاصرة براً وبحراً وجواً ومنذ عام 2007على الأنفاق التي يتم استخدامها في تهريب السلع الأساسية (مواد تموينية وغذائية وخدمية) من مصر إلى القطاع. فالفلسطينيون لا يسعون لتهريب الأسلحة، وإنما يدخلون ما يحتاج إليه سكان غزة المحاصرين من مواد تمكنهم من الحياة.
ولئن كان خنق القطاع برمته يمثل وصمة عار كبيرة في جبين العالم اليوم، فإن استكمال خنقه لا يعني سوى الوصول إلى أعلى مراتب توحش السياسة! وإلا بماذا يمكن أن يُوصف بناء هذا الجدار المزعوم إلا لتجويع مليون ونصف مليون فلسطيني وتدمير حياتهم الاقتصادية ومعيشتهم وتعزيز كل مظاهر التوتر والتطرف بين ظهرانيهم، وفي أية مصلحة إقليمية يصب؟ وإلى أي حد يتماشى خنق القطاع وسكانه مع الدور الإقليمي المصري؟
قبل سنتين تقريباً، هدم الفلسطينيون بجرافاتهم جدار اًحديدياً عازلاً  كانت قد أنشأته إسرائيل خلال وجودها في قطاع غزة، على طول الحدود التي تفصل مصر عن غزة، واليوم لن يقف في وجههم خط بارليف الجديد، «سور مبارك الفولاذي العظيم»..