قوانين عنصرية وفاشية جديدة

يوماً بعد يوم، تتجلى عنصرية كيان العدو الصهيوني وجنوحه بوتيرة متزايدة، متصاعدة، نحو سن قوانين تتناغم مع ميول الغالبية الغازية التي أقامت هذا التجمع الاستعماري/ الاستيطاني/ الإحلالي، على أشلاء وجماجم أصحاب الأرض الأصليين، في مذابح جماعية، وعبر عمليات طرد وتهجير بشعة، كتب عن بعض مجازرها، الأكاديمي اليهودي «إيلان بابيه» في بحثه الهام «التطهير العرقي في فلسطين». ولهذا نجد أن كيان العدو بكل تعبيراته العسكرية والسياسية والإعلامية خلال قرن من الزمن، انطلق في عدوانيته من تلك الأساطير والأفكار المؤسسة للصهيونية، التي تنظر إلى «الآخر/الجوييم» بدونية واستعلاء، ومن «وعد» بأرض لا يمتون لها بصلة تاريخية، قامت بترويجها، أفكار ونصوص متخيلة، عبر عملية صناعة «الشعب اليهودي» كما كتب عنها الأكاديمي«شلومو ساند».

لقد عاش شعبنا الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 في ظل حكم عسكري، بقوانينه التعسفية، لأكثر من عقد من الزمن. ومازال لهذه الأيام يحيا على أرضه، في ظل تمييز بشع ولا إنساني تعكسه ضآلة الموازنات المقررة للبلدات العربية، والإهمال المتعمد في توفير الخدمات الأساسية لمقومات الحياة البشرية، وسن قوانينٍ لتهجير العائلات العربية من المدن الكبرى، وحصرهم في مناطق وبلدات أشبه ماتكون بـ«معازل» حقيقية. بالإضافة لتضييق هامش النضال السياسي، والعمل على حصره ضمن أحزاب صهيونية أو متصهينة، بعيداً عن ارتباط الكفاح اليومي، بالنضال التحرري للشعب الفلسطيني وبقضايا الأمة العربية. إن سياسة عزل المواطنين الفلسطينيين عن شعبهم وأبناء أمتهم قد تم كسرها منذ ما يقارب عشر سنوات، من خلال نضال دؤوب خاضته قيادات وطنية/قومية في مواجهات واسعة مع قوى وقوانين صهيونية. وقد أرست تلك المواجهات أسساً جديدة في الحراك السياسي، تجلى في مجموعة الشعارات والأهداف التي بدأت تجتمع حولها الجماهير الفلسطينية، وفي تعميق الثقافة الوطنية/القومية، وفي الزيادة الملحوظة بعضوية القوى السياسية الجذرية.

وفي مواجهة هذا النشاط المتنامي داخل صفوف الأقلية العربية، صاغت المؤسسة الإحتلالية، العنصرية، سلسلة جديدة من القوانين، لتتسلح بها في الرد على مطالب الجماهير العربية. وقد تجلى ذلك فيما عرف بـ«قانون عزمي بشارة»، وما يتم تصنيعه الآن لـ«قانون حنين زعبي»، استناداً لذات القانون السابق، الذي يخول أعضاء الكنيست إبعاد عضو كنيست من منصبه في حال «كان مشاركاً في دعم الكفاح المسلح لدولة عدو أو منظمة إرهابية ضد إسرائيل، أو في التحريض على العنصرية، أو نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية». وقد بادر لإصدار القانون الحالي كما القانون السابق عضو الكنيست «داني دنون» من حزب الليكود، وفي بنود هذا القانون تستطيع الكنيست بغالبية 80 عضوا إقالة عضو كنيست في حال تجاوز أحد البنود المشار إليها. وصدر القانون السابق في أعقاب مجموعة من التهم التي تمت فبركتها في الدوائر الأمنية ضد المفكر، والشخصية الأبرز في «التجمع الوطني الديمقراطي» د.عزمي بشارة. أما القانون الحالي فيتم العمل على شرعنته، لمواجهة الدور البطولي والريادي لعضوة المكتب السياسي في التجمع حنين زعبي، بسبب مشاركتها الأخيرة في أسطول قافلة الحرية. وقد ظهرت مقدمات هذا القرار في الحملة الكريهة، بما حملته من عبارات بذيئة وعنصرية تجاه «حنين» عبر وسائل الإعلام، وخاصة أثناء وقوفها الشامخ على منصة الكنيست، في تحدٍ واضح لنباح القتلة من رجال ونساء الأحزاب الصهيونية الذين حاولوا الاعتداء الجسدي عليها. وقد تمخضت تلك الحملة بمنعها من السفر في حال كان الهدف «تنفيذ مخالفة؟» وسحب جوازها البرلماني، ووقف صرف نفقات تحركها. وقد وصف المحامي علي حيدر المدير العام المشارك للجمعية الحقوقية «سيكوي» القرار بـ«أنه عبارة عن معاقبة ومحاكمة سياسية عبثية ويفتقر إلى أساس قانوني أو أخلاقي ويندرج في إطار الحملة المنهجية للملاحقة السياسية ضد المجتمع العربي وقيادته». كما أكد حيدر أن «القرار جاء نتيجة لاستغلال الأكثرية لقوّتها كونها أكثرية فقط، من أجل اضطهاد الأقلية».

وكان الأسبوع الأخير من الشهر الماضي قد شهد إقرار الكنيست بأغلبية القراءة التمهيدية لاقتراح «قانون شاليط»، المتضمن تشديد العقوبات على الأسرى الفلسطينيين، رداً على «الظروف غير المقبولة المفروضة» على الجندي الأسير لدى المقاومة في غزة جلعاد شاليط. ويقترح القانون منع أكثر من 8000 أسير فلسطيني من الزيارات، وحرمانهم من حق التعليم وقراءة الصحف داخل السجن، ومنعهم من مشاهدة التلفاز، وعدم تحديد فترة السجن في العزل الانفرادي. وتأتي هذه القوانين في ظل إشاعة أجواء من الترهيب و«التخوين»، برزت مؤخراً في تصعيد حملات الاعتقال بحق رموز العمل الوطني/القومي داخل الكيان «عمر سعيد» و«أمير مخول».

أمام هذا التغول في القوانين العنصرية الفاشية، التي تساهم في تنمية المشاعر المعادية للعرب، والتي تعكس حالة من التطرف والسلوك العدواني الذي ارتبط بالأيديولوجية الصهيونية التي تأسست على طرد وقتل أصحاب الأرض، تزداد المخاوف من أن توفر هذه القرارات والتوجهات للمؤسسات الرسمية داخل الكيان، المظلة الآمنة، التي تستطيع أن تمارس في ظلها، عصابات القتل المنفلتة في الشوارع والمؤسسات، ساديتها وعنصريتها ضد الفلسطينيين، وهو ما يظهر تباعاً ضد النواب العرب.

إن تعزيز الوعي والثقة بدور وقدرة الجماهير العربية على حماية منجزاتها، وتأكيد هويتها وانتمائها، يتطلب المزيد من اليقظة، والمزيد من الثبات، والمزيد من التنسيق والتحالف بين القوى العربية المناضلة لمواجهة فاشية الزعران في كيان خارج على القانون.