استهدافات شرق آسيا.. تهديد للخصوم الاستراتيجيين
نقلت وسائل الإعلام العالمية قبل أيام خبر حدوث تفجير في ملهى ليلي في العاصمة الماليزية كوالالمبور، أثناء مشاهدة مباراة كرة القدم بين إيطاليا وإسبانيا في كأس الأمم الأوروبية، وقد أكدت الحكومة الماليزية تورط تنظيم «داعش» في هجوم يعد الأول من نوعه لتنظيم فاشي جديد في جنوب شرق آسيا. السؤال المطروح هنا ما هي الظروف التي تقف خلف تسخين الصراع في شرق وجنوب شرق آسيا؟
«النمر الماليزي»، هو الاسم الذي أطلق على التجربة الاقتصادية الماليزية بعد ثلاثين عاماً من تطبيق ما يسمى «الاقتصاد الإسلامي»، إذ اعتمد هذا الاقتصاد على تقييد عمل البنوك الخاصة عبر تجريم «اقتصاد الربا»، وتقول بعض التقارير أن ماليزيا حققت نمواً سنوياً بنسبة 6% حتى أصبحت تعتبر واحدة من أهم الدول الصناعية النامية.
كما نجحت ماليزيا بتخفيض نسبة الفقر من 49% عام 1970، إلى 5% عام 2004، وحرصت السياسات الاقتصادية على تأمين السكن الملائم للناس، وانخفضت معدلات البطالة إلى 2.4% عام 2001.
وأثناء الأزمة المالية الخانقة التي ضربت جنوب شرق آسيا عام 1997، أظهرت ماليزيا خطاً آخر في التعامل مع الأزمات، إذ رفضت أجندة صندوق النقد الدولي والاقتراض، وتوجهت جزئياً إلى تحجيم الفساد وإصلاح الجهاز الإداري للدولة ومحاربة المضاربات على عملتها في الخارج.
مدمّر العملات ضد صعود «آسيان»
بدأ جورج سوروس بالعمل على النيل من العملة الماليزية في عام 1997، كخطة استراتيجية للوقوف أمام صعود منظمة «آسيان» والتدخل في شؤونها، واصفاً رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، وسياساته بأنها خطر على ماليزيا.
تسببت خطة سوروس وصندوقه المالي بانهيار العملة التايلندية «البات»، فحين توقع المضاربون أن البات سيتراجع أمام الدولار قاموا ببيعه مقابل شراء الدولار. وعلى الرغم من أن المصرف المركزي في تايلاند استخدم احتياطياته من العملة الأجنبية لدعم البات، غير أن البات كان قد عوّم فعلاً، وتسبب ذلك في هزة مالية سرت في الأسواق الآسيوية كلها، وهو ما عرف بأزمة 1997 التي تسببت بإنهيار عدد من العملات الآسيوية أمام الدولار.
هذا الصعود لم ترتح له واشنطن بالأحوال كلها والتي رأت في ذلك «نضالاً جديداً من أجل الاستقلال عن فوضى التجارة العالمية» في البلدان النامية، وقد انتقد مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي لدى افتتاحه قمة مجموعة الـ15 عام 1997 ما وصفه بالإمبريالية الجديدة وحملها مسؤولية تدمير العملات الآسيوية.
الولايات المتحدة وصعود الصين
وقعت بلدان جنوب شرق آسيا للتعاون الاقتصادي «آسيان» مذكرة إطلاق تجمع اقتصادي موحد في المنطقة بتاريخ 12 تشرين الثاني 2015 على أن يبدأ العمل فيها في مدة أقصاها حتى 31 كانون الأول، كما عززت هذه المذكرة التعاون بين بلدان آسيان، وتأتي استمراراً للخطوات التي أحرزتها في إطار التكامل، حيث أزيلت الحواجز الجمركية، إضافة إلى تيسير شروط التأشيرة بين بعض الدول الأعضاء في إطار المنظمة.
رأت الولايات المتحدة موضوع إطلاق التجمع الاقتصادي الموحد في جنوب شرق آسيا وقضية الجزر الصينية في المحيط الهادئ صعوداً للصين على حساب تراجعها هي في هذه المنطقة، في ظل وضوح مؤشرات عديدة على انتقال الصراع إلى منطقة المحيط الهادئ ولعل أبرز مؤشراته كانت ارتفاع النزعة العسكرية اليابانية الجديدة ونشاط التنظيمات الفاشية الجديدة التي شكلت تفجيرات ماليزيا أول ظهور لها.
استهداف مَن؟
كانت ماليزيا واحدة فقط من مجموعة دول جرى استهدافها مؤخراً في القارة الآسيوية، وبالنظر إلى تلك الدول، يمكن الاستنتاج أن تلك التفجيرات تستهدف تحديداً الدول القريبة من النفوذ الحيوي لخصوم واشنطن الاستراتيجيين، أي عملياً، نتحدث هنا عن دول المحيط الروسي والصيني، التي باتت اليوم مهددة من قبل الأوساط الفاشية الجديدة التي تحاول عبثاً الخلاص من مفاعيل التغيرات التي تجري في موازين القوى الدولية على الصعيد العالمي.
التحركات في شرق آسيا
أعلنت واشنطن وسيؤل، يوم الجمعة 8/7/2016، أنهما توصلتا إلى اتفاق ستنشر بموجبه الولايات المتحدة درعاً متطورة مضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية «للتصدي للتهديدات المتزايدة»، في وقت اعتبرت بيونغ يانغ العقوبات الأميركية المفروضة على زعيمها «إعلان حرب».
بدأت واشنطن وسيؤل في شهر شباط الماضي بحث إمكانية نشر منظومة «ثاد» المتطورة المضادة للصواريخ بعد إجراء كوريا الشمالية تجربة على صاروخ بعيد المدى اعتبرت بمثابة تجربة بالستية. ومنذ تجربة كوريا الشمالية النووية الرابعة في 6/ كانون الثاني، يشهد الوضع تصعيداً مستمراً.
على هذه الأرضية، قالت وزارتا الدفاع الأميركية والكورية الجنوبية في بيان مشترك، أنهما قررتا «كحليفين نشر منظومة ثاد.. كإجراء دفاعي لضمان أمن كوريا الجنوبية وشعبها». ولم يوضح البيان متى وأين تحديداً ستنشر هذه الدرع، مكتفياً بالإشارة إلى أن البلدين في المرحلة الأخيرة من عملية اختيار الموقع.
هذا، وحاولت سيؤل وواشنطن تبديد مخاوف قوى أخرى مثل الصين وروسيا اللتين تنظران إلى الدرع الصاروخية بعين الريبة، وتضعانها في خانة استعراض الولايات المتحدة لعضلاتها العسكرية في المنطقة، إذ قال البيان إنه «عندما ستنشر منظومة ثاد في شبه الجزيرة الكورية سيكون تركيزها محصوراً فقط بالتهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية ولن توجه باتجاه أية دولة ثالثة»، فيما أعلنت الصين إدانتها لنشر المنظومة، وطالبت بوقفه، معتبرة أن هذه المنظومة ستلحق أضراراً فادحة بالأمن الإقليمي، وتطلق سباقاً إلى التسلح.