تقاطعات أيلول
هل بات أيلول هو الموعد المسوق إعلامياً للموعد المرجح للمواجهة العسكرية في المنطقة؟
تزاحمت يوم الأربعاء 7/7/2010 ثلاثة أخبار لافتة ورد فيها ذكر هذا الشهر بطريقة أو بأخرى، أولها وضعُ الرئيس الأمريكي باراك أوباما من واشنطن بعيد لقائه بمجرم الحرب الصهيوني ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سقفاً زمنياً أمام السلطة الفلسطينية لإنهاء ما يسمى بالمفاوضات غير المباشرة والانتقال للمباشرة منها، بالتزامن مع ما يسمى بانتهاء موعد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، المحدد من حكومة الاحتلال بأيلول(!)، وثانيها- للمصادفة(!!!)- خروج رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي غابي أشكينازي ليحدد، دون سواه، ومن غامض علم كل المحافل والمؤسسات الدولية المعنية، الشهر المذكور موعداً لصدور القرار الظني من «المحكمة الدولية» في جريمة اغتيال رفيق الحريري، مضيفاً «إن الوضع في لبنان يمكن أن يتدهور على خلفية هذا القرار»(!)، وثالثها مطالبة قائد قوات الاحتلال الأمريكية في العراق رايموند أوديرنو بانتشار قوات فصل «أممية» في شمال العراق «للفصل بين الأكراد والعرب» بالتوازي مع حلول الموعد المحدد لـ«انتهاء العمليات القتالية للقوات الأمريكية» في آب المقبل، تحضيراً لانسحاب مزعوم للقوات الأمريكية في أواخر 2011!
بين الصيف والخريف، إذاً، يحاول ساسة واشنطن وتل أبيب الإيحاء بتأجيل العمل العسكري الذي طبلت له الأخيرة مراراً من شاكلة أنها «أنهت استعداداتها لحرب لبنان الثالثة»، أو «لا مفر من لجم طموح إيران النووي» أو «إعادة سورية إلى العصر الحجري»، مع كل ما رافق ذلك من حشود فعلية ومناورات وتدريبات افتراضية، أو إجرام منظم- كما جرى في «مذبحة الحرية» بحراً..
وسواء كانت صيفاً أم خريفاً، فإن تحضيرات أرضية العدوان تجري على قدم وساق، وعلى أكثر من محور ومسار.
فلقاء أوباما ونتنياهو، الذي «أعاد دفء العلاقات بين واشنطن وتل أبيب»- وكأنها بردت يوماً بالفعل - وحديثهما عن إطلاق المفاوضات- المقترنة زمنياً بانتهاء موعد تجميد الاستيطان بالضفة التي تلتهم المستوطنات 42% من مساحة أراضيها، و دون ذكر أية كلمة عن آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس المحتلة- يعني إعطاء الضوء الأخضر للكيان بشن عدوان ما، كون ذلك وسيلته في فرض مطالبه وشروطه على طاولة المفاوضات، مع أي مسار، بقوة البطش العسكري ميدانياً، كما كانت الحال في غزة 2008، وقبلها حصار المقاطعة، ومجازر جنين، أو حتى عدوان تموز 2006، ناهيك عن ليّ ذراع سلطة عباس إزاء استئناف الاستيطان في الضفة، «بعد فك تجميده» في «ميكروويف» المفاوضات المفترضة، التي يريدها عباس- كما أوباما ونتنياهو- تبحث في «الأمن والحدود وتخفيف حصار غزة»، لا أكثر، وليس في القضايا الجوهرية للصراع أو ما باتت تعرف تقزيماً بقضايا الحل النهائي، كالدولة وحدودها والقدس وعودة اللاجئين.
أما حديث أشكينازي عن «لبنان المتدهور بعد أيلول» فقد سبقه سعي قوات اليونيفيل في الجنوب لـ«تغيير قواعد اللعبة»، بالاحتكاك مع أهل الجنوب، وتوفير مادة للسجال السياسي بيد خصوم المقاومة وحزب الله هناك، ومن ثم التلويح بانسحاب القوات الدولية منه، ما لم تحفظ الحكومة اللبنانية التزاماتها تجاه اليونيفيل والقرار 1701، حسب مذكرة فرنسية إسبانية إيطالية على مستوى السفراء لسراي الحريري الابن. وترافق ذلك مع كل الزخم المتجدد للحديث عن المحكمة الدولية ولوائح اتهاماتها التي تشمل حزب الله والضباط الأربعة، من جهة، كما هو الحال من جهة أخرى مع تجدد حرب الجواسيس في لبنان، والتفجير المفاجئ «لحرب الغاز» ونزوع الكيان للسيطرة على الموارد الغازية والنفطية البحرية اللبنانية، وسعي البرلمان اللبناني لرد تشريعي مضاد، ومبكر.
فماذا عن بقية الملفات المطروحة أمام باراك ونتنياهو، بما فيها الحشود أمام السواحل الإيرانية ومسار العقوبات؟ ويبرز ذلك خصوصاً مع اتخاذ الاتحاد الأوربي لخطوة زعم أنها لا تندرج في سياق العقوبات، بل «بمعايير السلامة الجوية»، عندما حظر أنواعاً معينة من الأسطول الجوي الإيراني من دخول أجوائه ومطاراته، بما يعطي المعارضة الإيرانية المخمدة مادة أخرى، من منعكسات الحصار والعقوبات، للضغط الإعلامي على حكومة الرئيس أحمدي نجاد.
أما على مسار سيناريوهات العلاقة التركية الإسرائيلية، وإذا كان ثمة «تأجيل» في الخطط العسكرية، فهل يراد منه إيجاد حيز زمني لمحاولة الولايات المتحدة والكيان- أحدهما أو كليهما- تجاوز الأزمة الإسرائيلية مع تركيا؟ الأزمة التي كان من أبرز معالمها مؤخراً تلويح وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو بقطع العلاقات مع تل أبيب ما لم تقبل بأحد خيارين: إما الاعتذار والتعويض على ضحايا مجزرة أسطول الحرية أو قبول نتائج تحقيق دولي بهذا الصدد، وما سبقه من إعلان إغلاق أنقرة لمجالها الجوي أمام الطيران العسكري الإسرائيلي، والتهديد بمثله للطيران المدني، في مقابل ضغط أنقرة للحصول على مزيد من التعاون الإقليمي والدولي، ولاسيما من العراق وواشنطن، بخصوص مواجهة عناصر «العمال الكردستاني» الذين تبنوا أكثر من عملية استهدفت مؤخراً وعلى نحو لافت في تواتره، مواقع وعناصر عسكرية تركية، وما وازاه من مطالبة أدويرنو بقوات «حفظ سلام» دولية في شمال العراق، ربما ليتفرغ جزء من قوات الاحتلال الأمريكية هناك لأعمال عدوانية أخرى، علماً بأن العادة تقول إن القسم الأكبر من القوات المقترحة سيكون أمريكياً، وكلها ستكون بقيادة أمريكية أيضاً..
أما على المحور السوري فقد كانت تصريحات الرئيس الأسد في مدريد أكثر من واضحة حينما أكد «تراجع فرص السلام أمام زيادة احتمالات الحرب»، وما سبقها من تصريحات في جولته غير المسبوقة على بعض دول أمريكا اللاتينية بخصوص غياب إرادة السلام لدى الطرف الإسرائيلي وتفاقم عدوانيته..
عود على بدء، وبغض النظر إن كانت المواجهة صيفاً أم خريفاً، يبقى عنصر التأخير ضاغطاً على «إسرائيل»، فالواضح هو المأزق الإسرائيلي، أمام طيف التحولات في المشهد السياسي والشعبي على مستوى المنطقة والعالم، ناهيك عما يجري تسريبه حول التحولات الفعلية في ميزان القوى العسكرية والإستراتيجية لدى سورية والمقاومة اللبنانية وإيران، في مقابل الكيان، الذي إما سيذهب إلى خطوة انتحارية مدمرة تحت صيغة (عليِّ وعلى أعدائي)، أو يأخذ الطرف الآخر زمام المبادرة ضمن إستراتيجية الإجهاز على الطرف المأزوم، وهذا بالطبع له متطلباته وشروطه الشاملة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.