العجز سيد تضخم الأرقام الأمريكية

في معرض تعليقه على تقرير شهر أيار عن معدلات البطالة في الولايات المتحدة، ذكر مارك ويسبورت، الباحث في مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية، أن الكونغرس الأمريكي عاجز عن تخصيص 24 مليار دولار فقط لمصلحة صندوق تعويضات البطالة، رغم ضعف الاقتصاد وارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى ما يقارب العشرة بالمائة. وهو ما يظهر مدى نفوذ إيديولوجيا الجناح اليميني في الولايات المتحدة، وقدرته على إعاقة حتى أقل وأبسط الإجراءات التي يمكن أن تخفف من آثار البؤس الاقتصادي.

ويبدو أن اليمين قد نجح في إقناع بعض السياسيين وقسم كبير من الإعلاميين، بحمل رسالته التي مفادها أن الإنفاق الحكومي هو سبب المشكلة وليس حلاً لعللنا الاقتصادية! وعلى أية حال، الناس أبعد ما يكونون عن الاقتناع، فالنسبة الأكبر من الأمريكيين تطالب «بإنفاق حكومي أكبر لخلق مزيد من فرص العمل ولتحفيز الاقتصاد» حسب ما أظهره استطلاع غالوب الأخير.

إن وجهة نظر الغالبية هذه تتوافق مع مبادئ المنطق الاقتصادي. فانهيار الطلب الخاص، الاستهلاكي والاستثماري، الناتج عن انفجار فقاعة المليارات الثمانية العقارية هو الذي أوصل الأمريكيين إلى هذه الفوضى.

ويتابع ويسبورت: إن تقرير البطالة الصادر عن شهر أيار، والذي أظهر توفير 20 ألف فرصة عمل فقط، ينبهنا إلى أن إنفاق القطاع الخاص ما زال بعيداً جداً عن السير باتجاه التعافي الاقتصادي. ولذلك يصبح الخيار واضحاً أمامنا وبسيطاً، إما مزيد من التحفيز أو مزيد من البطالة والفقر ومزيد من الناس الفاقدين لمنازلهم وضمانهم الصحي. إضافة إلى أننا، إذا سرنا حسب خطة البيت الأبيض المتبعة، فسوف نحتاج إلى ثماني سنوات ليعود معدل البطالة إلى نسبة 5.2%، التي تعتبر عمالة كاملة. ولهذا الزمن الطويل آثار اقتصادية واجتماعية عميقة السوء، تستطيع الحكومة أن تجنبنا إياها إذا أرادت.

ولم تمضِ بضعة أيام على ما ذكره ويسبورت حتى صدور تقرير البطالة عن شهر حزيران، ليضيف مسحة تشاؤم إضافية على رؤيته للأوضاع، مع أنه يظهر انخفاض معدل البطالة من نسبة 9.7 إلى 9.5%.

وفقاً لـ«دين بيكر»، الباحث الاقتصادي في المركز ذاته، لم يأت انخفاض معدل البطالة عن زيادة في التوظيف أو عن توفير لفرص عمل جديدة، خاصة وأن تقرير الإدارة يذكر أن عدد الحاصلين على عمل هبط بمقدار 301 ألف خلال شهر حزيران، بل أتى انخفاض معدل البطالة نتيجة عاملين أساسيين:

1- خروج 652 ألف إنسان من عداد القوة العاملة الأمريكية، خلال شهر حزيران الفائت. أي توقفهم عن البحث عن عمل.

2- انخفاض في طول أسبوع العمل وتخفيض عدد ساعات العمل الأسبوعي. فقد هبط إجمالي عدد ساعات العمل/أسبوع بنسبة 0.2% بعد ارتفاعه الكبير في أيار، (على الأغلب أنه تمت المبالغة بأرقام شهر أيار)، وعلى أية حال هذا الانخفاض يؤشر إلى تراجع التوظيف في الفترة المقبلة.

وبناء على معطيات الإدارة أيضاً لا يوجد أساس لأي أمل بالتقدم. فتوفير القطاع الخاص لمائة ألف فرصة عمل رفع المعدل الشهري للتوظيف إلى 119 ألف فرصة عمل فقط، خلال فترة ثلاثة أشهر مضت. وحتى إذا أضيف إليها ثلاثة عشر ألف فرصة يوفرها القطاع الحكومي، يبقى معدل توفير فرص العمل أدنى من معدل الزيادة الحاصلة في اليد العاملة، ونمو القوى العاملة.

ونظراً إلى اهتمام السلطات المحلية للولايات بالاقتطاعات، لمعالجة العجز في الميزانية، وانخفاض أسعار البيوت ثانية، والأجور غير القادرة على مجاراة التضخم، يتضاءل الأمل بإحراز أي تقدم في المدى المنظور، والأرجح أن تشهد الولايات المتحدة ارتفاع معدلات البطالة أكثر فأكثر خلال النصف الثاني من هذا العام.