تيران وصنافير.. والطعن بقرارهما
جاء قرار المحكمة الإدارية العليا في مصر بعدم شرعية القرار حول إعطاء السعودية جزيرتي تيران وصنافير ليعلي أصوات معارضي هذا القرار من قوى سياسية وشعبية وفي الجيش، وليعطيها زخماً جديداً في التصدي لمقاربات الفلول والفاسدين لدور مصر الإقليمي والعالمي.
يعد الدخول في سجال قانوني أو تاريخي على أحقية مَنْ في جزر تيران وصنافير المصريتين حتى الوقت الراهن تضييعاً للوقت، وتضليلاً لملايين المصريين حول الهدف الرئيسي من طموح السعودية أو من يقف خلفها في تخفيض وزن مصر في البحر الأحمر، وفي القدرة على السيطرة على مضائق هامة كانت الدول سابقاً تشن حروباً وغزواً في سبيلها.
السعودية- مصر- الكيان الصهيوني
إن التغيرات العاصفة على صعيد الموازين الدولية في العالم قد انعكست فعلياً على الثلاثي المطل على البحر الأحمر، أي السعودية ومصر والكيان الصهيوني. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن سلسلة الخسارات التي منيت بها السعودية في سياق تورطها في ملفات عدة في المنطقة، قد انعكست كذلك على رؤية المملكة لأمنها في البحر الأحمر، حيث يرجح عدد من المتابعين لسير المعارك في اليمن أن مسألة السيطرة والتحكم السعوديين على مضيق باب المندب على حدودها البحرية الجنوبية سوف لن تكون محسومة لصالح السعوديين حكماً. ما يدفع إلى الاستنتاج بأن مسألة السيطرة السعودية على البحر الأحمر كانت مطروحة في «البلاط الملكي» قبل بدء الكلام عن تيران وصنافير. وبدوره، يجد الكيان الصهيوني منفعة خفية في نقل الجزيرتين إلى الملكية السعودية التي لا تشكل له خطراً وجودياً حقيقياً، على عكس مصر التي تتناقض جوهرياً حتى الرمق الأخير مع الكيان، إلى درجة يمكن القول معها أن وجود مصر ومركزيتها وتطورها كدولة يتناسب عكساً مع وجود الكيان.
استمرار مسلسل كامب ديفيد
إن التنازل عوضاً عن المواجهة هو تيار مصري تمثله تلك القوى الأكثر فساداً وارتباطاً بالغرب الأمريكي، وهي ذاتها القوى التي عبثت طويلاً في الأمن القومي المصري، ومهدت الطريق إلى مزيد من السياسات الليبرالية التي تغرق فيها مصر الدولة أصلاً. وهذه القوى، هي التي لها مصلحة عملية من التنازل عن الجزر المصرية لمصلحة السعودية.
ومن الجدير ذكره أن الاتفاقية لا تديرها مصر والسعودية فقط، بل أيضاً وبشكل رئيسي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فالسعوديون، وبشكل حتمي، لن يغيروا في خريطة المنطقة دون موافقة واشنطن.
هل ممكن أن يمر؟
اللافت للنظر حيال قضية الجزيرتين هو إجماع رؤى كل من جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، رغم كل الفرق بينهم، على أهمية سيطرة مصر على مضيق تيران، لما فيه من ضمان للأمن القومي المصري، مما يؤكد على حساسية هذا الملف، حتى بمعنى المصلحة المباشرة العملية.
تحتاج الاسرة السعودية الحاكمة إلى انجاز سياسي، مهما كان، من طرف، وإلى وزن في البحر الأحمر في ظل اخفاقها في اليمن خصوصاً من جهة أخرى. في المقابل، فإن وزن الفلول في مصر والفساد الذي يقاتل بكل جهد لتخفيف العداء مع «إسرائيل»، يمشي على قدم وساق، بهدف إعادة العلاقات إلى عهدها القديم.
بعد قرار المحكمة الإدارية في مصر الذي يحمل وراءه وزناً سياسياً جيداً لشريحة سياسية وطنية مصرية تعي أنه مهما كانت الضغوط فإن قضايا الأمن القومي يجب القتال من أجلها مهما بلغت التكاليف، لأنه في حال ضياع مصر فهذه هي أكبر التكاليف، وليبق السؤال، لدى المراقبين: هل القرار القضائي سيدفع قوى شعبية وسياسية للتوحد في سبيل عدم تمرير القرار والبحث عن مصادر أخرى وتحالفات أخرى تحقيق التوازنات المطلوبة في الاقتصاد والمجتمع المصري؟