محمد الجندي محمد الجندي

آب والموسم النووي الأمريكي

في 6 آب 1945 أهدت الإدارة الأمريكية هيروشيما اليابانية أولى القنابل النووية، وفي 9 آب أهدت ناغازاكي قنبلتها الثانية. الهدفان مدنيان، وحصلت فيهما إبادة جماعية، أي ارتكبت فيها جرائم ضد الإنسانية يعاقبها القانون الدولي من دون المحكمة الجنائية الدولية، وهي جرائم لم تخطر في بال السيد أوكامبو؟

والإدارة الأمريكية أكثر من مرة، وفي عهد أكثر من رئيس، رفضت الاعتذار عن تلك الجرائم، وفي ذلك يظهر تصميمها على فعلتها ويظهر استعدادها لتكرار ذلك.

الرأي العام الدولي يبدو أنه نسي، وينسى، مأساة المدينتين؟ يظهر فقط بين الفينة والفينة، مقال عنهما، وبعدئذ يسود الصمت.

وكان يمكن للمأساة أن تكون فقط جزءاً من الماضي، ولكن ليس الأمر كذلك، مادام الاستعداد لتكرارها، وعلى مقياس أوسع، قائماً.

السلاح النووي اليوم هو أخطر بكثير وأوسع ضرراً على الحياة وعلى البيئة، وربما على الكوكب، واستخدامه قد يؤدي إلى كارثة كونية.

ويثار موضوع السلاح النووي في كوريا الديمقراطية وإيران، بينما هو ليس خطراً، ولو كان موجوداً. السبب هو أنه في حالة توفره لدى هذه الدولة الثالثية أو تلك، يكون دفاعياً، ولا يستعمل إلا في حال الضرورة. هل يتصور أحد أن تشن أية دولة ثالثية عدواناً نووياً على غيرها؟ الاحتمال مستبعد، لأن الدولة الثالثية في هذه الحالة تخشى الردع النووي، الذي هو أضخم بكثير من سلاحها المتواضع.

الضجة حول السلاح النووي الكوري الشمالي والإيراني هي غبار إعلامي، مثلها مثل ضجة أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتخفي أخطاراً حقيقية تجاه الدول ذات العلاقة. يجب ألا يتساءل المرء حول صحة أو عدم صحة الزعم بوجود أسلحة خطيرة لدى أي دولة ثالثية، وإنما حول الاحتمالات الخطرة الكامنة خلف ذلك الزعم.

السلاح النووي هو خطر فقط في يد الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، لأن الإدارتين مستعدتان لاستعماله، الأولى فعلاً، والثانية تصريحاً، عدا كون الإدارتين مرتبطتين ببعضهما عضوياً. الإعلام الأمريكي الجبار والحليف جعل الناس يركزون على ما تريد الإدارة الأمريكية التركيز عليه، وهو أسلحة الدمار الشامل في حالة العراق، الإرهاب في حالة العراق وأفغانستان، والسلاح النووي في اليد الكورية أو الإيرانية، وكان وراء ذلك التركيز احتلال العراق وأفغانستان وإبادة الفلسطينيين، ومحاولة احتلال لبنان. أيضاً يكمن وراء التركيز الحالي، عدوان منتظر بين لحظة وأخرى على بلدان ذات سيادة. وأعضاء في الأمم المتحدة.

لذا، أولاً، مأساة 1945 ليست مجرد جزء من الماضي، وإنما هي سيف مصلت دوماً يهدد جميع الدول في الحاضر؛ ألم يكن مشروع إقامة الدرع الصاروخي في أوربا الشرقية يهدد روسيا؟ وروسيا دولة قوية تصدت له، أما الدول الأخرى فلا تستطيع... ثانياً، يجب العمل، إذا كان ذلك ممكناً، ضد الخطر النووي الأمريكي والإسرائيلي، لا ضد الخطر الكوري أو الإيراني.

لعل من الممكن، إذا تضافرت القوى في النادي النووي، تحريم السلاح النووي وإتلافه. غير أن هذا منظور بعيد المنال، فالنادي النووي يبدو حتى الآن حليفاً لعدوانية الإدارة الأمريكية، لا ضدها.

ويتمنى المرء أن تضع حركة الشعوب في اعتبارها الوقوف ضد الحرب عموماً وضد السلاح النووي بوجه خاص.

في أيام الأممية الثانية تحرك العمال الأوربيون ضد الحرب، ولكن أحزابهم كبحتهم، وربطت الحرب بالوطنية، فكانت الحربان الأولى والثانية اللتان أزهقتا أرواح الملايين.

الآن الحروب هي أشد فتكاً، وربما خطرها يتعدى إزهاق الأرواح بكثير، ويهدد مستقبل الإنسان.