عوني صادق عوني صادق

حكام «إسرائيل».. بماذا يختلفون؟!

نجح الكيان الصهيوني وأنصاره على مدى سنوات طويلة في ترويج أكذوبة أصبحت مكشوفة للجميع، هي أكذوبة «ديمقراطية الكيان»، حتى إنهم اعتبروه «واحة الديمقراطية» الوحيدة في المنطقة. ولسنا هنا لتفنيد هذه الأكذوبة. يكفي أن نشير إلى حقيقتين لنفي هذا الادعاء. الحقيقة الأولى هي أن الديمقراطية في الكيان هي فقط لليهود، بل ولفئة واحدة من اليهود هي فئة «الأشكناز»، أما اليهود الشرقيون والفلاشا والعرب فلا ديمقراطية لهم.

أما الحقيقة الثانية، فهي أنه لا يمكن أصلا لمن يحتل أرض غيره ويستولي عليها بالقوة، ويعتقل ويسجن ويقتل يوميا أصحابها، أن يكون ديمقراطياً، بل لا يمكن أن يكون هو نفسه حراً. ونظرة على القوانين والتشريعات العنصرية التي تمتليء بها محاضر الكنيست تثبت ذلك.  

مع ذلك فإن «الديمقراطية الإسرائيلية» شكل مبتذل من أشكال الديمقراطية الرأسمالية المعتمدة أساسا على «صناديق الاقتراع»، تحكم بها حزبان وحيدان يكادان يكونان متماثلين كنقطتي ماء، ما يجعل مقولة «تداول السلطة» تكاد تكون بلا معنى. وقد ساعدت الظروف التي أحاطت بقيام الكيان الغاصب، وكذلك الهزائم العسكرية التي لحقت بالأنظمة العربية على يديه على خلق نوع من «القناعة» لدى البعض أن حكام «إسرائيل» هم جنس من العباقرة، بينما تثبت الوقائع غير ذلك.

لقد أثار الرئيس المخلوع زين العابدين بن على شهية سامعيه للضحك عندما خاطب الشعب التونسي الذي كان يطالب برحيله، وقبل ساعات من مغادرته لتونس، قائلا: «فهمتكم»! كان ذلك اعترافا منه بأنه خلال ثلاث وعشرين سنة في الحكم لم يستطع أن يفهم الشعب الذي كان يحكمه. وكان هناك من الحكام العرب من رحل قبل أن يفهم، وهناك منهم من ينتظر ولا يبدو أنه سيفهم قبل أن يرحل، أو حتى بعد أن يرحل. وكان التفسير لهذه البلادة، ولا يزال، هي أن استبداد الحاكم ونظامه غير الديمقراطي لا يسمحان له بالفهم في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان.

وإذا كان ضعف قدرة بعض الحكام العرب على الفهم مدعاة للتأمل، فإن الأكثر مدعاة للتأمل أن لا  يكون كل حكام «إسرائيل» أكثر قدرة على الفهم من أولئك الحكام العرب. لقد قام الكيان الصهيوني على أساس عقيدة أحادية تفيد أنه بالقوة المسلحة يمكن تحقيق أي هدف، وما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة. وفقا لهذه العقيدة قام الكيان وتوسع، وفرض، لمرحلة ليست قصيرة، كل سياساته بالقوة وبمزيد من القوة، لكن حكامه لم يستطيعوا أن يفهموا حتى هذه اللحظة لماذا لم تستطع هذه القوة أن تمنحهم الأمن أو السلام الحقيقي أو الشرعية الأكيدة طيلة هذه السنوات. إنهم اليوم بعد كل هذه السنوات يخشون ما يسمونه «محاولات نزع الشرعية» عن كيانهم. ومن مؤشرات الغباء أيضاً، أن هؤلاء الحكام لم يستطيعوا أن يفهموا أن للقوة حدوداً، وأن لحظة ستأتي تصبح فيها هذه القوة أضعف من أن توفر لهم الحد الأدنى من الأمن المطلوب، وقد حلت هذه اللحظة منذ سنوات، في تموز 2006 وثبت قصور القوة في حربهم على لبنان.

كل حكام الكيان الصهيوني كانوا دائما يتحدثون عن (السلام) وهم يعدون للحرب، وكلهم كانوا يتحدثون عن (التسوية) وهم يرفعون سقف أطماعهم. تلك كانت طريقتهم لعرقلة تحقيق أية تسوية ثم ليضعوا مسؤولية العرقلة على الجانب الفلسطيني. آخر حكامهم، بنيامين نتنياهو، بعد عامين في السلطة، رفض حتى التجميد المؤقت لبناء المستوطنات وحمل الفلسطينيين مسؤولية (فرص التسوية الضائعة)! في هذه الأيام، وبينما ترسم الثورات العربية ملامح العقد الثاني من القرن، لا يغير نتنياهو شيئاً من مواقفه أو مفاهيمه، أو عدم فهمه. 

في مقال نشرته صحيفة (يديعوت- 8/3/2011)، يتحدث ناحوم برنياع عن «مناورة بيبي القادمة»، والتي هي ليست أكثر من إعادة لاقتراح قديم لوزير خارجيته البلطجي أفيغدور ليبرمان (دولة في حدود مؤقتة). يلخص برنياع هذه المناورة بأنها «تغيير في الخطاب وليس تغييراً في  الاستراتيجية»، ويقول: إن نتنياهو كان قد تبنى رأيا لأحد المقربين منه هو نتان شيرانسكي، ومفاده: إنه لا معنى للتفاوض مع دول غير ديمقراطية. ويضيف قائلا: «كان هذا جيداً وجميلاً إلى أن خرجت الديمقراطية للاحتفال في ميدان التحرير. لقد شخص نتنياهو الخطر فورا: الوضع في الشرق الأوسط غير مستقر. الحكومات قد تسقط ومعها سوف تسقط التزاماتها الدولية. يمكن بصعوبة الحديث معها. محظور التنازل». «محظور التنازل»، هذا كل ما فهمة نتنياهو. وكما يقول برنياع: «يفهم نتنياهو أنه توجد مشكلة. في نظره أن المشكلة إعلامية وليست جوهرية، وعليه فقد توجه لمعالجتها ليس من خلال تغيير الاستراتيجية بل من خلال الخطاب». فبماذا يختلف نتنياهو عن غيره من قليلي الفهم؟! ليس نتنياهو وحده من يلجأ إلى هذه الطريقة لمواجهة المشكلات الناجمة عن احتلال الأرض الفلسطينية، بل كل حكام الكيان الصهيوني الذين سبقوه لجؤوا للطريقة نفسها، ولذلك استمرت المشكلة كل هذه العقود من السنوات دون حل، بل تفاقمت حتى أصبحت غير قابلة للحل.

ذلك ما حدث خلال 62 عاماً ونيف من عمر الكيان، يستولون بالقوة على الأرض، ثم يبدؤون الحديث عن السلام والتسوية واليد «الإسرائيلية» الممدودة... وفي كل مرة يتم تغيير الخطاب وتبقى الاستراتيجية. وتتغير البيئة المحيطة ولا يفهم الحكام الصهاينة شيئا مما يجري ويحدث حولهم... فبماذا يختلفون؟ إنهم لا يختلفون.