صفعات متزامنة.. السعودية تحت الضغط الدولي
ممارسات المملكة السعودية فيما يخص حقوق الإنسان، هي الصياغة الغائبة عادة عن أوراق الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية، طوال العقود الماضية، فما الذي استجد اليوم حتى أصبحت السعودية تحت بقعة الضوء الدولية؟ هل لأن المملكة زادت انتهاكاتها الإنسانية في الآونة الأخيرة؟ أم أن أسباب هذا المستجد تقبع في مستوى أعلى من المستوى القانوني أو الحقوقي؟
الاتهامات التي نالت من السعودية مؤخراً فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان، تبنتها ودعمتها منظمات دولية كمنظمة «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة «العفو الدولية». وحتى لا نخوض في غمار صدقية هذه المنظمات غير الحكومية من عدمها، سنذهب مباشرة إلى تقرير الأمم المتحدة الوارد في هذا الصدد..
استفاقة الأمم المتحدة!
يمكن اعتبار قرارات الأمم المتحدة، واحدة من الإشارات على الميل العام لموازين القوى الدولية، وهو ما يمكن تلخيصه بالانتقال من مرحلة إبداء المواقف العامة وترك الساحة للفعل الأمريكي- الغربي على الساحة الدولية، إلى التدخل التدريجي المباشر في قضايا دولية عالقة، والمثال هو في طرح المبادرات لحل الأزمة اليمنية، وفي الدخول القوي على خط الأزمة المتعلقة بالصحراء الغربية.. إلخ، وهي المبادرات التي كانت لتسقط فيما لو عرضت في مرحلة الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي..
عليه، يمكن الدخول إلى الحالة المدروسة من بوابة انحسار القدرة على التحكم المطلق أمريكياً، وبالتالي فتح هامش أكبر لحركة المنظمات ذات الطابع الدولي كالأمم المتحدة و حتى مجلس الأمن الذي تسعى قوى دولية صاعدة إلى إعادة هيكلته على سبيل المثال.
الصفعة الأولى
للسعودية
أدرجت الأمم المتحدة في 3/حزيران الجاري، التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن على اللائحة السوداء للدول والجماعات المساحة التي تنتهك حقوق الإنسان في النزاعات الحروب.
وورد في تقرير المنظمة الدولية أن التحالف مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال العام الماضي، وقتل 510 وإصابة 667 طفلاً، مضيفاً في هذا الصدد، أن التحالف نفذ نصف الهجمات التي تعرضت لها مدارس ومستشفيات. تجاهل الجانب السعودي الرد على القرار في حينه، لكن ممثله عاد ليصدح مجدداً في أروقة الأمم المتحدة بعد تراجع الأمم المتحدة عن قرارها بعد ثلاثة أيام في 6/حزيران.
وأوضحت الأمم المتحدة في بيان لها أن «الرفع المؤقت»، لاسم التحالف من القائمة السوداء يأتي في انتظار لمراجعة مشتركة تجريها الأمم المتحدة والتحالف بشأن حالات الوفاة والإصابة بين الأطفال في الغارات على اليمن، فيما قال السفير السعودي لدى الأمم المتحدة أن قرار رفع اسم «التحالف العربي» من القائمة هو رفع نهائي!
استنكرت منظمة «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش»، قرار الأمم المتحدة برفع التحالف العربي من القائمة، وعلق المدير المساعد للأخيرة، فيليب بولوبيون قائلاً: «بما أن هذه القائمة تخضع للعبة سياسية، فإنها تفقد مصداقيتها وتسيء إلى سمعة الأمين العام للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان».
وبغض النظر عن النتيجة الأولية لهذا الصدام، فإن تنديد الأمين العام للأمم المتحدة مساء الخميس 9/ حزيران، بالضغوط التي مارستها الرياض لشطب اسمها من اللائحة، يشي بأن المعركة المستمرة «في إطارها الحقوقي» ستؤثر التغيرات السياسية في المنطقة على مسارها نحو زيادة الضغط على المملكة العربية السعودية، وتحديداً التغيرات في اليمن وسورية.
صفعة ثانية بالتزامن!
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس 2/ حزيران، أن جماعة «أنصار الله» ليست منظمة إرهابية. وفي مؤتمر صحفي، قال جاستين سايبيريل، منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية أن: «الولايات المتحدة لا تعتبر أنصار الله منظمة إرهابية، وإنما يعدون طرفاً في النزاع، وجهة في المفاوضات التي تهدف لتسوية هذا النزاع». هذا الإعلان جاء قبل ساعات من تقرير الأمم المتحدة المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، فهل هي مصادفة؟
لن نجزم تماماً الربط بين الحدثين، لكن من يؤمن بواقعية القوى الدولية الكبرى في توقيت بياناتها وأهدافها، يمكن أن يرى في القضيتين رابطاً حقيقياً قد تزداد أهميته أو تقل، والنتيجة أنه موجود فعلاً.
ربما تريد الولايات المتحدة بتصريحها هذا أكثر من غنيمة واحدة، فمن جهة يرى «الأمريكيون» أن «أنصار الله» هم قوة حقيقية في المستقبل السياسي لليمن، ولا يريدون العداء العلني لهم على أقل تقدير، ومن جهة أخرى، فإن واشنطن ترسل إنذاراً مبكراً للسعودية مفاده أن هامش حركتكم الإقليمية محدود بالقدرة على التماهي مع السياسات العامة للولايات المتحدة الأمريكية وليس العكس، فهل ستدرك السعودية رسائل حليفها، قبل تلقيها لموجات جديدة من الصفعات المتزامنة؟