دروس يومَي «النكبة والنكسة»

يجري الحديث كثيراً الآن عن الثورات العربية وتمتلئ الشاشات التلفزيونية  و وسائل الإعلام المسموع والمقروء بالتحليلات والتوصيفات المتعددة حول ما يجري في بلدان عربية عدة. ويحتدم النقاش حول طبيعة الحراك الشعبي في هذا البلد أو ذاك بين المبالغة و التقزيم بحسب رؤية وانتماء كل المشاركين بهذا النقاش سواء أكانوا إفراداً أم أعضاءً في أحزاب سياسية مختلفة.

إن الحراك الشعبي وعودة الجماهير إلى الشارع هما ظاهرتان موضوعيتان في عالمنا العربي الآن، والعنصر الغالب فيهما الأجيال الشابة التي ضاقت ذرعاً بالقوى السياسية الحاكمة وغير الحاكمة والتي انقطع الإرسال والاستقبال بينها وبين من تدّعي تمثيلهم اجتماعياً.

من هنا كثر الحديث عن حق حول عدم ارتهان الحراك الشعبي إلى قيادة سياسية محددة ولكن لا يستطيع أحد أن يطعن في التوجه الوطني والاجتماعي للملايين التي خرجت إلى الشوارع، ولا يعيب الحراك الشعبي السلمي أن هناك قوى طبقية داخلية وخارجية معادية حاولت وبمختلف الأساليب ركب موجة الحراك و تأريضه وتحويله مجدداً لخدمة مصالحها التي تتناقض جذرياً مع مصالح الجماهير.

بعد الذي حدث في يومي «النكبة والنكسة»، لابد من عودة الحديث عن الثورة الفلسطينية الأصيلة كونها الأساس في المواجهة بين حركة التحرر الوطني العربية وبين القوى الاستعمارية ورأس حربتها الحركة الصهيونية العالمية منذ الربع الأول من القرن العشرين وحتى الآن. ولاشك أن المقاومة الفلسطينية الشعبية منذ «وعد بلفور» وضد المشروع الصهيوني المدعوم من الإمبريالية العالمية ، كانت الأساس في التاريخ الكفاحي لكل شعوب المنطقة.

ومن هنا يمكن تفسير حجم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والصهيونية العالمية لتجفيف منابع الثورة الفلسطينية ومحاولات عزلها وإبعاد تأثيرها عن الشعوب العربية، وكان لهما ذلك بعد رحيل عبد الناصر ومجيء نظامي السادات ومبارك وصولاً إلى ارتهان النظام الرسمي العربي لمشيئة التحالف الأمريكي الصهيوني وتنفيذ مخططاته في المنطقة!

لكن الشعب الفلسطيني لم يستسلم، وعلى الرغم من حالة المواجهة المزدوجة التي خاضها مع قوى الاحتلال الصهيوني ومع قوى الاستسلام العربي بما في ذلك بعض القوى الفلسطينية التي ذهبت في طريق المساومات والمبادرات والمفاوضات، والتفريط بالحقوق الوطنية ، استطاع هذا الشعب أن يفجر انتفاضتين شعبيتين غير مسبوقتين في التاريخ الفلسطيني في عامي 1987 و2000، قوامهما الأساسي من جماهير الشباب، والتي بدت أكثر تمسكاً وحرصاً على استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

وعندما اشتد الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني بقيت جماهير الانتفاضتين وأكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني في زنازين الاحتلال أكثر وفاءً وتمسكاً بخيار المقاومة حتى زوال الاحتلال وفرض حق العودة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ إلى وطنهم فلسطين.

ومن هنا تأتي أهمية دروس ذكرى يومي «النكبة والنكسة» في هذا العام، في مارون الراس وعين التينة والقنيطرة، يكفي شرفاً لكل من شارك في فعاليات يومي 15 أيار و5 حزيران وعلى رأس كل هؤلاء الشهداء والجرحى، أن كل أشكال المفاوضات مع العدو الصهيوني لم تزحزح الكيان الصهيوني قيد أنملة عن احتلال الأرض مثلما أخافته جماهير الشعب وهي تتجه نحو حدود الأرض المحتلة. وهذا يؤكد أن خيار المقاومة الشعبية هو الذي سيحرر الأرض ويعيد الكرامة الوطنية المفقودة جراء دوام الاحتلال.

لقد أسقط الشباب الفلسطيني- السوري نظرية مؤسس الكيان الصهيوني دافيد بن غوريون «إن الكبار سيموتون والصغار ينسون»، كما أن جيش الاحتلال الذي يعمل ليل نهار لاستعادة هيبته المفقودة بعد الصمود الأسطوري للمقاومة في لبنان عام 2006 والمقاومة الفلسطينية مع بداية 2009 أصيب بحالة ذهول من شجاعة الشباب السوري- الفلسطيني الأعزل من السلاح في ذكرى النكبة والنكسة.. ولعل الذي يخيف الدوائر الإمبريالية والصهيونية أكثر من أي شيء آخر هو أن تتوفر للشباب السوري والفلسطيني ليس فقط السلاح المطلوب للكفاح الشعبي المسلح، بل الدعم والحماية الضروريين شعبياً ورسمياً في سورية ولبنان وفلسطين.

من هنا لا يمكن القبول بما حدث يوم تشييع الشهداء في مخيم فلسطين بدمشق، لأن ما حدث لن يستفيد منه إلاّ العدو الصهيوني، في حين تتحول الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى أهم مطالب الجماهير الفلسطينية في الداخل والشتات

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.