حركة النهضة والصفعات المتتالية

نالت حكومة النهضة الجديدة برئاسة علي العريض الثقة من المجلس التأسيسي بأغلبية 139 صوتاً من أصل 217، واطمأنت الحركة إلى مرور هذا الاستحقاق الاضطراري السهل نسبياً، حيث كان من البَدَهي نيلها الثقة كون النهضة تحوز على نسبة 41% من مقاعد المجلس التأسيسي، ناهيك عن حلفائها كحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يحوز على 13% من المقاعد و حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وله 9% منها.

وهم الأكثرية الرقمية

تعتبر لغة الأرقام الانتخابية على مايبدو مؤشراً غير حاسم عن مدى التمثيل الشعبي في لحظات الانعطاف الكبرى وحالات عدم الاستقرار السياسي، فهي وإن كانت كافية لوصول حركة النهضة وحلفائها للحكم في المرحلة الانتقالية في تونس، إلا أنها لاتعني مطلقاً ولاينبغي لها أن تعني أن القرار السياسي في الشارع قد حُسم نهائياً في أذهان الجماهير.

تواجه الحكومة التونسية اليوم استحقاقات كبرى لايمكن أن تواجهها مطلقاً بالاعتماد على أكثريتها النيابية، فبعد عملية اغتيال بلعيد كما قبلها، ظهرت العديد من المؤشرات التي تؤكد أن مايعانيه الشارع التونسي هو تعبير عن أزمة التلاقي بين طموحات الجماهير من جهة وبين البرامج والوعود التي أطلقتها وتطلقها القوى السياسية القائمة من جهة أخرى. هكذا فقط من الممكن أن نفهم مايعنيه خروج الآلاف في ذكرى «الأربعين» على رحيل بلعيد، هاتفة بسقوط حركة النهضة ومتهمة الحركة بتدبير الاغتيال رافضة ادعاءات الداخلية التونسية التي تحدث عن قيام مجموعة سلفية باغتياله.

الصفعة الأخرى التي تلقتها حركة النهضة جاءت بلغة أرقام صناديق الاقتراع، وهذه المرة من داخل الجامعات التي تعتبر الخزان الاستراتيجي اللاحق للحركة السياسية، حيث حصل اليسار على 49 في المئة من المقاعد، بينما حازت كتلة الطلاب «التجمعيين» وهم مؤيدو حزب زين العابدين المنحل ب29% بعد خوضهم الانتخابات كمستقلين، وجاءت كتلة الطلاب الإسلاميين أخيراً ب 22% من مقاعد الطلاب التونسيين البالغ عددهم 400 ألف طالب وطالبة.

كبرى التحديات

تكمن كبرى التحديات التي لاتزال عالقة حتى اللحظة في حل المشكلة الاقتصادية التي كانت مولداً أساسياً للثورة التونسية، حيث شكل المهمشون والفقراء والعاطلون عن العمل عماد الثورة وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون مطالبهم أولوية لأي برنامج حكومي، لكن الترويكا الحاكمة لاتزال حتى الآن عاجزة عن طمأنة الجماهير بإيجاد حل جذري سريع، فهم لايزالون ينتظرون مِنح صندوق النقد الدولي التي تأتي مشروطة بخطط التقشف وهو مايعني مزيداً من الإجراءات المجحفة بحق الفقراء والطبقة العاملة، في هذا السياق أتت الصفعة المدوية التي فجرها الشاب عادل الخزري الذي أقدم على إضرام النار في نفسه في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس، وذلك احتجاجاً على حالته السئية كعاطل عن العمل، توفي عادل بعد يومين وخرج المئات لتشييعه في مظاهرة هتفوا فيها «خبز وماء والنهضة لا».

تواجه حكومة العريض الجديدة أيضاً صراعاً آخر لكنه هذه المرة سيكون مع جمهورها القريب، حيث تتصاعد الضغوطات على الحكومة التونسية من أهالي المقاتلين المتشددين الذين يغادرون تونس إلى سورية بغية «الجهاد» والقتال في صفوف المعارضة المسلحة، وفي هذا السياق تحدث العريض الذي كان وزيراً للداخلية في الحكومة السابقة قائلاً: «لقد منعنا الشباب التونسي من الدخول في مغامرة غير محسوبة استجابة لتوسّلات أسرهم وأهاليهم»، مؤكداً «الحرص على مواصلة متابعة هذا الملف من زواياه الإنسانية والإجتماعية والأمنية»!! إن ضغطاً كهذا سيضع الحكومة التونسية في صراع لابد منه مع العديد من الأصوليين الذين ظلوا يرون في حركة النهضة خلاصهم من القوى السياسية الأخرى، حيث ناغشت طروحات النهضة الدينية لفترات طويلة مزاج هؤلاء، إلا أن شروط الحكم الجديد تفرض خروج الحركة من قوقعة «الأسلمة» إن صح التعبير إلى أفق الوطنية العابر لأي فكر طائفي.