كامب ديفيد.. مراجعة في الجانب الاقتصادي

تسعى جريدة قاسيون إلى إعادة فتح بعض ملفات وقضايا التاريخ المعاصر للإضاءة على السياقات التاريخية التي شكلت تلك القضايا ولإعادة رسم صورة أكثر قرباً لتلك الأحداث التي شكلت مفاصل رئيسية في الحقبة السابقة.

تضيء قاسيون في حلقتها الثانية عن معاهدة كامب ديفيد على جزء من الجانب الاقتصادي للمعاهدة سواء من حيث النتائج أو المبررات التي سوغتها قوى الاستسلام لفرض المعاهدة.

 

الوضع الاقتصادي:

نجد في نص الوثيقة رقم 1 في مشروع إطار السلام في الشرق الأوسط -مبادئ مرتبطة بند ب- «إلغاء المقاطعات الإقتصادية» .

لقد هلل نهج الاستسلام لهذا البند كثيراً خاصة بعد أن أطلقوا كماً هائلاً من الادعاءات حول صعوبات مصر الاقتصادية في ظل المواجهة، و لقد تم استخدام الإعلام لتزييف الواقع الاقتصادي المتردي الذي سببته سياسة الانفتاح ونقص التنمية، وتم رمي أسباب نشوئه إلى النفقات العسكرية، فقد كتب عصام رفعت في مقالة له نشرت في الأهرام بتاريخ 2/12/  1977:

«إنه نتيجة الصراع فإن مصر تعاني عجزاً وتضخماً في ميزان المدفوعات ونقصاً في الاستثمارات وانخفاض الإنتاجية وضعف النظام الإداري، وتدهور المرافق العامة ....وتحملت مصر 40 بليون دولار بين عامي 67و75وكان نصفها يكفي لزيادة الدخل القومي بمقدار 2500جنيه»!!

تحدث السادات لاحقاً  بخطاب مسجل له في البرلمان المصري عام 1980 دافع به عن سياسته الاستسلامية بأنها جلبت إلى مصر الخيرات، وقد أعلن: « أن مصر التي لم تكن تملك سوى مخزون من النفط سوى ل15يوماً وهو مادعاه إلى اللجوء للشاه الإيراني آنذاك والحصول منه على 4 طن من النفط ، أصبحت بعد المعاهدة في عام 1980 تنتج 32 طناً وهو ما يفوق استهلاكها البالغ 12طناً وبالتالي تحولت مصر إلى مصدر للنفط « على حد ادعاءات السادات، رغم أن الواقع سخر ولايزال حتى الآن من هذه الادعاءات والتي شكلت الخط الذي سار عليه نموذج التنمية المصري الذي تبناه السادات ومن خلفه.

لقد أثبتت الدراسات العلمية حينها زيف هذه الادعاءات فحسب دراسات مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية: «أن مصر استطاعت قبل عهد السادات أن تنفق على حالة التسليح وتزيد معدل التنمية إلى 5% وبالرغم من أن السادات خفض عدد أفراد الجيش وخفض التسليح فقد تفاقمت في عهده الأزمات الإقتصادية  وهبط معدل التنمية إلى أقل من 2% بعد أن فتح أبواب مصر للاستثمارات الرأسمالية التي تهدف إلى الربح مما زاد من ضخ الأموال إلى خارج البلاد».

حاولت بعض القوى في ذلك الوقت توضيح خطر هذا الانعطاف التاريخي ففي مؤتمر اتحاد الطلبة العاشر الذي كان يرأسه الإعلامي حمدين صباحي آنذاك عام 1977وخلال مناظرة مسجلة تمت بينه وبين السادات، انتقد حمدين حينها الإجراءات الاقتصادية للسادات وعارض الانفتاح الاقتصادي وتحدث عن غياب التنمية وعدم ربطها بالقضية الوطنية وأعلن  رفض المباحثات مع «إسرائيل» حيث قال مخاطباً السادات:«إن سياسة الإنفتاح أدت إلى إنهاء البرجوازية الوطنية كعنصر مهم للنمو الاقتصادي وإحلال البرجوازية الطفيلية محلها ».

في نهاية المطاف قبل السادات بشروط صندوق النقد الدولي بعد أن جال على البلدان الخليجية طالباً زيادة في المعونات التي جوبهت بالرفض ، والتي سبقها بتغيرات هيكلية في بنية الاقتصاد حيث تراجع النمو في قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية بسبب انخفاض الاستثمارات العامة ، بينما شهدت حقبته زيادة الدين المصري ستة أضعاف من 5 مليار دولار عند وفاة عبد الناصر إلى 30 مليار دولار إبان حكمه.

 

السويس والمرافق الحيوية:

تتضمن الوثيقة رقم 2 مايلي: «استخدام المطارات التي يتركها ال»إسرائيليون» بالقرب من العريش ورفح ورأس النقب وشرم الشيخ للأغراض المدنية فقط، بما فيها الاستخدام التجاري من جميع الدول».

و جاء في نص المادة 5 فقرة 1:«تتمتع السفن الإسرائيلية المتجهة من إسرائيل وإليها بحق المرورفي  قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقاً لاتفاق القسطنطينية لعام1888المنطبقة على جميع الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من «إسرائيل» وإليها معاملة لاتتسم بالتميز في كافة الشؤون المتعلقة باستخدام القناة».

لقد مثلت اتفاقية القسطنطينية جوهر هذه المادة، وهو ماعنى حينها إنهاء حالة السيادة المصرية على قناة السويس كما  حدث في مرحلة الخديوي حيث تمثل معاهدة القسطنطينية القانون الذي يحكم الملاحة في المياه المصرية ومن المعروف كيف جردت معاهدة القسطنطينية مصر من سيادتها، حيث لاتسمح المعاهدة لمصر بالتدخل في الملاحة والنقل و البضائع في أيام السلم وعدم السماح باستخدام القناة أيام الحرب وهو ماعنى إنقلاباً على جوهر تأميم القناة الذي قاتل لأجله المصريون عام 1956 .

 لم تكن الجوانب الاقتصادية جوانب تفصيلية أو إجرائية بقدر ماكانت إجراءات موظفة تمام التوظيف في إبعاد مصرعن المعركة الوطنية بماعناه ذلك الإبعاد لحظياً عبر اتفاقية السلام أو استراتيجياً عبر هذه الاتفاقات التي تخص جوانب استراتيجية في الدولة المصرية كالملاحة والمطارات والاقتصاد.