جبران الجابر جبران الجابر

الإصلاح السياسي الوطني.. في مواجهة المكائد الإمبريالية

كم من الآفات متغلغلة في النسيج الاجتماعي في الدول العربية، وكم من الألوان المتناقضة حاكتها السنون، وكم من الدماء سالت في الشوارع والميادين والزنقات والدهاليز والأقبية العربية، وكم من العجائب عاشتها الأجيال العربية؟ وفي اللوحة المقابلة مجتمع الثكنة العسكريةالإسرائيلية التي نشطت في هذه الأيام عاملة على محاور متباينة لكنها متكاملة.

في هذه الظروف المعروفة تجري «إسرائيل» أكبر مناورة للجبهة الداخلية وأطلقت عليها «نقطة تحول، إنها الإعداد المتكامل والشامل لحرب قادمة مموهة بادعاء كاذب تحاول «إسرائيل» من خلاله وضع العالم في صورة الخطر المحدق بها والآتي من جبهات عديدة.

وجديد المحور الأخر في النشاط الإسرائيلي يتلخص في إقامة جدار على الحدود الراهنة في الجولان المحتل وسيمتد الجدار على طول /4 كموسيلغ ارتفاعه /8م/ن وهو القسم المعلن عن ذلك الجدار.

وتتابع «إسرائيل» توسيع المستوطنات وبناء الجديد منها وترفض يومياً وقف الاستيطان وتقوم بتهويد أحياء القدس المحتلة وأعلنت عن توسيع /200/ وحدة استيطانية، كما أعلن باراك مجدداً رفض «إسرائيل» تجميد الاستيطانيلحظ المرء تناقضات في السير بتلكالمحاور ولا تستقيم أنشطة فرض حدود في الجولان المحتل وتزايد وتائر الاستيطان مع ادعاء الخطر القادم من كل الجهات.

إن الأنشطة الإسرائيلية مفضوحة في عدوانيتها، والدول العربية غارقة في قضاياها الداخلية، وأجهزة أمنها وجيوشها غارقة في الساحات الوطنية التي تحولت إلى ساحات حرب أهلية في ليبيا ومعارك في اليمن وصدامات دامية في سورية وقتال في لبنان، ناهيك عن أن معظمالساحات العربية منخورة تهددها القبلية والطائفية، إن العلاقات الاجتماعية في معظم الدول العربية لا تسعف «إسرائيل» في ادعائها المتجدد بالخطر المحدق بها.

لقد مارست «إسرائيل» مختلف طرائق الابتزاز على الصعيد الدولي ويكمن في لب ذلك تقديم المبررات لشعوب أوربا لإخفاء أبعاد السياسات المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وقد جندت «إسرائيل» والصهيونية عدداً من القادة الأوربيين لدعم الموقف الأمريكيالرافض لإعلان الدولة الفلسطينية بالاستناد إلى قرار تتخذه الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المرتقبة في أيلول المقبل.

إن ادعاءات «إسرائيل» بالخطر تفضحها السياسة الأمريكية حيث يكرر رجالات إدارة أوباما، يومياً، التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل»، أما المعادل المادي لذلك فهو أحدث الأسلحة الأمريكية والمساعدات المالية، وتزايد نفوذ المنظمات الصهيونية، وعدم معارضة سياسةالاستيطان تحت ستار موضوعة الدولتين التي يلوذ أوباما خلفها عند كل إجراء إسرائيلي ينسف موضوعة أوباماً ويجعلها أمراً مستحيلاً.

أنضيف أن السياسة الروسية عاجزة وتلهث وراء الأحداث وتعتمد تكرار جمل زاد تخمرها وتحولت إلى مبعث لروائح غير مستساغة؟ أليست دول الخليج بالإضافة إلى تزايد خوفها من شعوبها، مستمرة في انتهاج موضوعات تكرس أن الخطر الإيراني هو الخطر الأول، ولعله،عندهم، الخطر الوحيد؟

لكن اللوحة لا تكتمل مكوناتها في المنطقة إلا إذا أخذ المرء بجدية ما يصرح به الرؤساء في أوروبا والولايات المتحدة وتتمركز تلك التصريحات على سوريةوليس من سلامة الفكر السياسي في شيء أن لا يضع المرء يده على أبعاد تصريحات أوباما وساركوزي وغيرهماحتى أن بان كي مون صرح بضرورة الإصلاحات في سورية «قبل فوات الأوان».

إن الشعب السوري يريد إصلاحات عميقة وشاملة وفي مقدمتها الإصلاح السياسي الذي هو مفتاح الإصلاحات كافةورغم ما أعلنه الرئيس بشار الأسد في خطابه الذي ألقاه يوم الاثنين في /20/ حزيران، فإن التصريحات الأمريكية والأوربية تدل أن مشكلتهم ليست فيالإصلاحاتمن البدهي وضع ملاحظات وتحليل خطب، ومن البدهي القول إن ما طرحه الرئيس قد لا يرضي كل الأمزجة، لكن المهم هو دفع عجلة الإصلاح بصورة ثابتة ومستمرة.

لا يمكن الفصل بين أراء من الدول الإمبريالية وتصريحات رؤسائها من جهة وبين الاستعدادات الإسرائيلية للحربإنهم يريدون فرض إصلاح من النوع الذي يحقق مصالحهم

والذي من شأنه أن لا يعيد بريق الوجه الوطني السوري، وباتت المؤشرات عديدة لأخذ سورية إلى حرب طائفية وتطويرها كي تصبح الميادين السورية أمكنة لحروب الآخرين، إن مفارقة كبيرة بين نقد ما يطرحه المسؤولون السوريون وبين أن تذهب ماكينة الدعايةالإمبريالية إلى القول إن السلطة السورية تريد أن تكسب مزيداً من الوقت لإخماد المعارضة وإنهاء التظاهرات بالقوة الأمنية والعسكريةإنها دعاية خبيثة لا تبغي إصلاحاً لكنها تريد استمرار الشحن الداخلي لتفجير سورية وتطوير الأزمة، وتلعب تركيا دوراً مشبوهاً في الوضعالراهن في سورية خاصة، والمنطقة العربية عامة.

إن الوطن السوري لا يمكنه إلا أن يواجه خطط الإمبريالية والصهيونية، لكن الأمور تأخذ مسارها الأقوى والأشد كلما كانت المبادرة السياسية سريعة وتلتقط اللحظة الزمنية، فالتعامل مع الأزمات لا ينبغي أن يسير عبر روزنامة الأوضاع الطبيعية والعادية.

إن الاستعدادات العدوانية الإسرائيلية مترابطة مع مرامي ساسة الإمبريالية، إنها مترابطة مع المنظومة الصاروخية الدفاعية، ومترابطة مع إقامة قاعدة أطلسية برية في تركيا، ومترابطة مع توسيع الاستيطان، ومع الجدار في الجولانوبعد كل ذلك يتحدثون عن «السلام»والمفاوضاتإن الترويج لتدخل إيران يذهب في مسارات تأزيم الوضع أكثر فأكثر ويشجع «إسرائيل» على العدوان ويضع المقاومة اللبنانية في وضع معقد وخطر كلما تزايدت حدة الانقسام الداخلي في لبنان.

أن الدول الإمبريالية لها موقف خاص من سورية تلعب فيه الصهيونية دوراً أساسياًإن الرد الحازم على ذلك هو في تسريع وتيرة دوران دولاب الإصلاح السياسيوينبغي أن يلحظ المرء مسألة كبرى وهي أن تحقيق الإصلاح سيحول هذه الموضوعة السياسية إلى قوةسورية اجتماعياً واقتصادياً وعندها تتحول هذه الموضوعة إلى عامل ضعف في بناء المكائد الإمبريالية.

■■