صيانة الثورة واستكمالها تسمو فوق كل الاعتبارات
كنا مع قوى عديدة ضدها. من كانوا معها من القوى السياسية هم الأخوان المسلمون والسلفيون وكل جماعات التيار الإسلامي، إضافة إلى بقايا النظام السابق وحزبه.
وقفة مع النتائج:
بداية، فإن النتائج لا تعبر عن وزن سياسي خاص لمن وافقوا. ذلك أن الاستفتاء جرى في عجالة من ناحية، ومن ثم لم تكن هناك فرصة أو إمكانية لإجراء حوار مجتمعي حول موضوعه. لكن الخطر الأفدح الذي ينذر بعواقب خطيرة، فيما إذا لم تعالج الأمور بحسم، تجسد في قيام تيار الإسلام السياسي بمختلف جماعاته ومعهم أعداد هائلة من رجال الدين بالدعاية وحض الناس على الموافقة وباستخدام المساجد لممارسة الإرهاب الفكري الديني بدءاً من إدعاء أن الموافقة هي «واجب شرعي» وإدعاء أن عدم الموافقة تعتبر كفراً صريحاً، وادعاء وجود خطر على الإسلام باستبعاد المادة الثانية من الدستور المجمد الذي يجري تعديله، والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع وهو ما يؤكد عدم مصداقية رموز الأخوان بالنسبة لادعاءاتهم بأنهم يوافقون على الدولة المدنية، بل يؤكد اصرارهم على إقامة الدولة الدينية، وأن الخلافات الفقهية بين الأخوان والجماعات السلفية لم تمنع عملهم المشترك من أجل هذا الهدف، أي السعي لإقامة دولة دينية «وهابية» الطابع. ولعل موقف «مفتي» التنظيم الدولي للاخوان يوسف القرضاوي عن المجازر التي يقوم بها الجيش السعودي ضد شعب البحرين له دلالاته، إذ أفتى بأن الانتفاضة السلمية الشعبية هناك مجرد تمرد على الحاكم، فأعطى بذلك مشروعية لهذه المجازر بدوافع معلومة للجميع.
ورغم نتيجة الاستفتاء فإن ثمة أموراً ينبغي توضيحها، هي أن من رفضوا التعديلات (أكثر من أربعة ملايين) كان رفضهم لها نتيجة موقف واع بعكس من قبلوها (أكثر من 14 مليوناً)، إذ تأثر بعضهم بالتخويف من عدم الاستقرار، وبعضهم خاصة في الريف بحكم قوة العادة فيما سبق من استفتاءات، وبعضهم تحت الارهاب الديني. أما من وافقوا من القوى الإسلامية ومؤيديهم فلا تزيد نسبتهم من الموافقين عن 15% في واقع الأمر.
تفاوتت دوافع رفض هذه التعديلات. فمن موقف الرفض لعدم الجاهزية لخوض الانتخابات القادمة خلال 6 شهور كما أعلنت أحزاب المعارضة، إلى عدم قيام أحزاب جديدة لقوى الفعل الثوري تنفيذاً للوعد بقانون بفتح باب حرية تكوين أحزاب بمجرد الإخطار، وبالتالي فإن الانتخابات سوف تنتج مجلسي شعب وشورى أكثر سوءاً من المجالس السابقة، ولن يستفيد سوى الاخوان المسلمين وبقايا حزب النظام السابق.
منطلقنا لرفض التعديلات:
بني موقفنا من التعديلات على أساس أن الشرعية الزائفة للنظام القديم قد أسقطتها الثورة. وبالتالي فإن شرعية ثورية جديدة قد أسس لها الثوار، وهي مقطوعة الصلة تماماً مع النظام القديم ومقوماته بما فيها الدستور الذي لا ينبغي تعديله وإنما إلغاؤه تماماً. وحيث تدعمت الشرعية الثورية ونهضت لحظة نزول الجيش إلى الشارع وتأييده للثورة، وأعطت الجماهير للجيش ثقة تفوق كل التصورات حينما رددت منذ اللحظة الأولى لنزوله شعار «الجيش والشعب يد واحدة».
استحقاق المرحلة:
أحبط الجيش أوهام وأهداف النظام القديم الذي راهن على صدام بينه وبين الثوار، وتولى حمايتهم وحماية الشارع المصري والمؤسسات والمدن من بلطجية ومجرمي النظام القديم بعد انسحاب الشرطة. وأصبح شريكاً في الثورة وليس طرفاً محايداً، مؤكداً دوره التاريخي في الحضور في اللحظات الحاسمة والمصيرية التي يواجهها الوطن.
إن الأمر الهام والخطير في آن هو أن النظام القديم لم يسقط بعد، وأن قواه الفاسدة العميلة من السياسيين وطواغيت المال لا تزال تعشش في الدولة والمجتمع، أي أن القوى المضادة للثورة، ورغم الضربات التي وجهت إلى بعض رموزها لا تزال قوية ونشطة وفاعلة مستهدفة الإطاحة بما تم من الانجازات التي تحققت وصولاً إلى تصفية الثورة بشكل نهائي، مستفيدة في الواقع من بطء الخطوات المتخذة حتى الآن، حيث يمثل هذا التباطؤ كابحاً لقوة الدفع الثوري الذي تعمد بدم آلاف الشهداء والجرحى.
حفاظاً على قوة الدفع الثوري، وحماية الثورة، فإن الاستحقاق الحتمي يتمثل في توفير مقومات استكمال الثورة، أي استكمال مقومات التغيير الشامل وطنياً، واجتماعياً– اقتصادياً، وديمقراطياً وهو ما يتطلب على الأقل بدء خطوات وضع خطوط عريضة لمشروع نهضوي شامل، وإعطاء قوى الفعل الثوري مجالاً ووقتاً للتبلور في كيانات سياسية لتتاح لها فرصة النهوض بأعباء المرحلة بأوسع مشاركة ممكنة.
إن هذا الاستحقاق يستلزم مرحلة انتقالية لا تقل عن ثلاثة أعوام، يتم فيها تسريع ايقاع العمل على إزالة النظام السابق باجتثاث ومحاكمة قوى الفساد سارقي وناهبي ثروات البلاد واستخلاص واستعادة حقوق الشعب المنهوبة وإنهاء سطوة طواغيت المال، وتطهير الدولة ومؤسساتها التنفيذية وخصوصاً الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية من قوى النظام القديم الموجودة بقوة في كل مكان.
في المرحلة الانتقالية ورغم أي صعوبات فلابد أن تلمس قوى الفعل الثوري من الشباب وكل الكادحين ثمار ثورتهم من خلال إجراءات توفر قدراً معقولاً من المنجزات الاجتماعية والاقتصادية والوطنية لمصلحتهم بعد أن طال وتمدد الحرمان والاحساس باضمحلال الكرامة الوطنية.
في المرحلة الانتقالية لابد من توفير أقصى حريات للقوى الشعبية بشكل متكافئ لبلورة أحزابها ومنظماتها النقابية والاجتماعية، والدعاية لبرامجها وأهدافها ووضع قوانين تمنع قطعياً استخدام الدين في السياسة وتفرض عقوبات صارمة على من يخرقون هذه القوانين.
يأتي انتخاب جمعية تأسيسية في نهاية المرحلة لتضع مشروع الدستور الجديد الذي يرتضيه الجميع، ينهض على أساس الدولة المدنية والتقدم والعدل الاجتماعي والديمقراطية وارتباط مصر بوطنها العربي وعودة دورها العالمي في التحرر الوطني.
عبء الاستحقاق:
يقع عبء قيادة الاستحقاق على عاتق المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي منحته جماهير الثورة شرعية لا يمكن التشكيك فيها، مثلما يقع على عاتق جماهير الثورة وشبابها كصناع للفعل الثوري دفعوا دماً غالياً من أجل قضية الوطن والثورة، وبدأت جماهير الثورة فعلها الثوري تاركة النخب السياسية الخاملة خلفها، لكنها سارعت للالتحاق بالثورة لمحاولة ركوب موجتها أو اجهاضها أو لتحقيق مكاسب من ورائها.
يفرض هذا الاستحقاق على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم المسؤولية التاريخية في أخطر المنعطفات التي يمر بها الوطن، ألا يستجيب للابتزاز المبتذل التي تقوم به أقسام من هذه النخبة التي تطالب بضرورة التعجيل بالانتخابات ووضع دستور جديد على عجالة وتسليم مصائر الوطن والشعب لهم تحت حجج واهية وزائفة تقضي عودة الجيش إلى مهامه على الحدود، وكأن الجيش المصري مجرد دركي مهمته فقط حراسة حدود البلاد، وهو ما يتنافى مع حقيقة دوره التاريخي في المعادلة السياسية كشريك وطرف أصيل في صياغة مشاريع النهضة وانجازها، وأنه يمثل العمود الفقري للدولة... للكيان الوطني. ثم من قال أن الجيش المصري الآن بعيد أو منصرف عن واجبه في حماية الوطن؟ لكن الحقيقة المفضوحة التي تفشل في التخفي أو التمويه هي محاولة الانقضاض لالتهام الكعكة، لأن الوطن في مفهومهم ليس أكثر من ذلك.
إن تعجل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إنهاء المرحلة الانتقالية قبل استكمال الاستحقاقات الضرورية، سيكون خطيئة لا تغتفر، ولا يمحوها الزمن، فالوطن يعيش مرحلة حاسمة، ليس في تطوره فحسب، وإنما في وجوده أيضاً.
إن صيانة الثورة واستكمالها مهمة تسمو فوق كل الاعتبارات.
22 مارس 2011