بانتظار الحسم السياسي: هدوء نسبي على جبهة أوكرانيا
تعد أوكرانيا الحلقة الأضعف في محاولة الغرب كبح جماح التطور الروسي عالمياً، ومحاولة إشغال روسيا عن تطورها الذاتي الناجم عن المعركة الوطنية التي تقودها ضد الهيمنة الغربية، وعن تطورها الموضوعي المتزامن مع تراجع الغرب الذي يفقد زمام المبادرة، بحكم أزمته العميقة.
عوامل عدة تقف وراء ميل الجبهة الأوكرانية نحو الهدوء. وهنا، لا نقصد الهدوء المرتبط بالوضع الميداني فحسب، بل ذلك السكون النسبي الذي يشغل ملف الأزمة الأوكرانية ككل، ليس خلف الأبواب المغلقة، إنما يكمن ذلك في انخفاض حجم وزخم التغطية الإعلامية للملف.
عوامل ثلاثة وراء «التهدئة»
أولاً: لا يملك الغرب الأوراق الكافية لتحريكها في أوكرانيا، بحكم العامل التاريخي الذي يربط الشعبين الروسي والأوكراني. وإن حاول الإعلام تهويل وتضخيم وزن القوى الموالية للغرب إلا أنه لا يعكس وزن المعارضة له في الوقت ذاته. كما أن احتمالات التفجير على الحدود الروسية تتقلص بحكم الوزن الروسي العالي جداً الذي كما يقال «يلعب على أرضه وبين جمهوره».
ثانياً: تعتبر أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من جغرافية وتاريخ الشعوب السلافية. ذلك ما يؤكده حقيقة ارتباط التطور الأوكراني بتطور روسيا، وليس بتطور الغرب. ويعتبر النشاط الاقتصادي الأوكراني حلقة من حلقات الاقتصاد الأوراسي، وأبعد ما يكون عن الغرب، لذلك، فإن ما يدعيه البنك المركزي الأوروبي أو الدولي- من محاولات لتطوير أوكرانيا كله عار عن الصحة، وكل القروض الممنوحة كانت عبارة عن رشاً لكبار الموظفين. إذ لم تستطع حتى 18 مليار دولار تحسين الوضع الاقتصادي هناك، بل على العكس استمر تدهور الوضع الاقتصادي العام، مع تراجع وضع العملة الأوكرانية بوجه خاص.
ثالثاً: التراجع الغربي العام، لم يستطع الغرب، بعد الفيتو الروسي- الصيني المتكرر حول سورية، أن يحقق أي من أهدافه الكبرى على مستوى العالم، بل بقي بحالة صراع وتقديم تنازلات، وانتقلت العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة من علاقة الفرض الأمريكي والإملاء، إلى علاقة الندية والمشاركة في حل القضايا العالقة في سورية واليمن وتركيا، وهذا أكبر دليل على التراجع الغربي، وعلى التقدم الروسي- الصيني في آن.
التصعيد غير مفيد
في موازاة ذلك، صرحت مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور، مؤخراً بأن التصعيد في أوكرانيا غير مقبول, وأن واشنطن تعتبر أن الحل العسكري في دونباس جنوب شرق أوكرانيا «قد يمثل كارثة للجميع».
بدورها، اتهمت الخارجية الروسية الدول الغربية بأنها تعيق تنفيذ اتفاقيات مينسك، بدفع القوى المتشددة في أوكرانيا نحو التصعيد، حيث أكدت أن «شركاءنا الأوربيين يقولون شيئاً، ويفكرون بشيء، ويفعلون شيئاً آخر»، فالتأخير الأوروبي بالضغط في اتجاه تنفيذ اتفاقيات مينسك يهدف لكسب الوقت، ومحاولة جعل الجرح الأوكراني مفتوحاً على الأقل، ومعيقاً للتطور الروسي، لكن موازين القوى العالمية لا تسير بما تشتهي سفن الغرب.