تصعيد الكيان الأخير.. جنون أم شيء آخر؟!
التقى يوم الخميس 21/4/2016 الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، ولم يرشح عن الاجتماع من بيانات رسمية سوى الكلام عن تنسيق مشترك لمنع «سوء التفاهم» العسكري، إضافة إلى حديث عن ضرورة التفاهم حول آفاق «التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية»، وعن آفاق الوضع في سورية، وكذلك قول نتنياهو بأنّ سبب زيارته الأساسي هو العمل على «منع وقوع أسلحة متطورة من سورية وإيران في يد حزب الله اللبناني واشتعال جبهة قتال جديدة في الجولان».
سبق هذه الزيارة تصعيد استفزازي كبير يوم 17/4 الجاري، حيث عقد مجلس وزراء العدو جلسته في الجولان السوري المحتل، بهدف التشديد على أن «الجولان سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية»، وأن الكيان يرفض التخلي عنه في أية تسوية محتملة مع دمشق.
إنّ هذه الخطوة تحديداً، ومجمل سلوك الكيان خلال الفترة الأخيرة، وإن كان في ظاهره هجومياً وتصعيدياً، فإنّ وضعه في سياقاته الواقعية يقود إلى استنتاجات أخرى مختلفة جداً، بل ومناقضة لما قد تبدو عليه الأمور في ظاهرها.. أهم هذه السياقات هو الخطان العامان التاليان:
أولاً: إنّ الحركة الشعبية الفلسطينية، ورغم التهافت والترهل السياسي الذي تعانيه القوى السياسية الفلسطينية، لا تكف عن التصاعد، وهي تبشر بانفجار فلسطيني شامل في وجه الاحتلال، انفجار يعلم «الإسرائيليون» جيداً أنّه لن يكون تكراراً لانتفاضة 1987، ولا لانتفاضة 2000، بل انفجاراً جديداً نوعياً، لأنّه سيأتي ضمن ظرف دولي مختلف كل الاختلاف عن ظرف الانتفاضتين الأولى والثانية. في الانتفاضتين الأولى والثانية، كانت الولايات المتحدة في ذروة تسيّدها المشهد العالمي، وهي اليوم قد دخلت مرحلة أفول هيمنتها، وقطعت ضمنها خطوات باتت بيّنة بالأدلة الاقتصادية (بريكس وبداية كسر النظام المالي والتجاري العالمي)، وبالأدلة السياسية (النووي الإيراني، أوكرانيا، سورية، اليمن، مصر.. وغيرها).. وغيرها.
ثانياً: في السياق العام نفسه، وفي ظل الميزان الدولي الجديد، فإنّ القول بأبدية احتلال الجولان، ضرب من الجنون إن كان القائل يقصد ذلك حقاً، فاستمرار احتلال الجولان يعني أنّ دولة الكيان تضع نفسها أمام حرب جديدة قريبة مع سورية الجديدة المستقرة، وحرب من هذا النوع تشكل خطراً وجودياً داهماً وكبيراً على الكيان المأزوم داخلياً وخارجياً.
إنّ هذين الخطين يقودان التفكير إلى نقطة محددة هي أنّ الكيان بخطوته «الهجومية/ التصعيدية» هذه، إنما يدافع ويستبق المرحلة القادمة التي يفهم ملامحها جيداً:
• حراك شعبي فلسطيني مقاوم ومتصاعد بوتائر مستمرة ومتسارعة.
• تقدم روسي وتراجع أمريكي مستمر، يرفع الغطاء إلزامياً عن خط 1967، ويدفع باتجاه تنفيذ حق العودة، ويدفع تالياً لحل القضية الفلسطينية كما ينبغي لها أن تحل موضوعياً، إي بإنهاء الطابع العنصري الصهيوني نهائياً، وبعودة الأرض لأصحابها.
• تراجع إقليمي لحلفاء واشنطن وحلفاء الكيان، مشتق من تراجع المعلم الكبير، ما يعني تراجع السطوة الإقليمية على أجزاء أساسية من الحركة السياسية للشعب الفلسطيني، بما يسمح بانطلاقها بالتوافق والتناسب مع الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني.
• حل سياسي للأزمة السورية ينهي حالة انكفاء سورية عن التأثير الفعال والإيجابي في القضية الفلسطينية.
إنّ هذه الملامح التي يفهمها المحتل جيداً، تدفعه إلى محاولة استباق الأمور سعياً وراء طرح المسألة على الطاولة الدولية هادفاً إلى صيغة ما تحفظ بقاءه، البقاء الذي غدا أعلى وأكبر طموحاته ضمن الوضع اللاحق الذي لن يكون في صالحه نهائياً، والذي بدأ يغدو كذلك فعلاً منذ بضعة أعوام، والذي لن يغيّر اتجاه سيره، بل سيعززه ويعمقه.