قراءة بريجينسكي:  لم نعد تلك القوة العالمية..

قراءة بريجينسكي: لم نعد تلك القوة العالمية..

يقول المنظر الأمريكي الشهير زبيغنيو بريجنسكي، إن على البشرية الخوف مرة أخرى من «نهاية دور الولايات المتحدة في العالم، لأن ذلك يمكن أن يسبب بفوضى عالمية النطاق». و«لتجنب ذلك»، يقترح بريجنسكي المؤيد للهيمنة الأمريكية ما يسمى بـ«إعادة التنظيم العالمي».

يتلخص مضمون مقالة بريجنسكي الأخيرة في مجلة « The American Interest» بطرحين اثنين أولاً: إن الولايات المتحدة لم تعد القوة الإمبراطورية الحاكمة في العالم. وثانياً: إن الفوضى المحتملة نتيجة انهيار الهيمنة الأمريكية يمكن تجنبها من أجل حفاظ الولايات المتحدة على قوتها، وذلك من خلال «الوصفات» التالية التي يقدمها بريجنسكي:

ثلاث «وصفات»

أولاً: وفيما بدا أنه محاولة لاستباق تنازلات قد تضطر الإدارة الأمريكية إلى تقديمها، ينادي بريجنسكي بجعل المنافسين الجيوسياسيين الرئيسيين للولايات المتحدة، وهما روسيا والصين،  يعملان على تحقيق مصالح الولايات المتحدة. وهذا يفترض استغلال أزمة الشرق الأوسط، كمصدر للتهديدات المشتركة لهذه القوى الثلاثة، «فالولايات المتحدة يمكن أن تكون فعالة عندما تتعامل مع العنف الحالي في الشرق الأوسط إذا استطاعت تشكيل تحالف يضم  بدرجات متفاوتة روسيا والصين أيضاً».

ثانياً: جعل دول المنطقة تعمل باتجاه مصالح الولايات المتحدة. وللقيام بذلك يشير بريجنسكي مرة أخرى إلى قناعته بـ«الصحوة الديمقراطية العالمية»، الأمر الذي يبرر تدخل الولايات المتحدة في التحركات الشعبية في المنطقة. وجوهر ذلك ببساطة هو استخدام القوى المناهضة للولايات المتحدة لتعزيز الهيمنة الأمريكية من خلال آليات مختلفة من النفوذ والتسلل المباشر.

ثالثاً: «إن انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل من العالم الإسلامي، الأمر الذي يفضله الانعزاليون المحليون، من شأنه أن يؤدي إلى حروب جديدة (على سبيل المثال، إسرائيل ضد إيران والمملكة العربية السعودية ضد إيران، تدخل مصري كبير في ليبيا) ومن شأنه أن يولد أزمة ثقة أعمق في دور الولايات المتحدة في الاستقرار العالمي. وبطريقة مختلفة لا يمكن التنبؤ بها، يمكن لروسيا والصين أن يكونا المستفيدين الجيوسياسيين لمثل هذا التطور مثلما سيكون النظام العالمي نفسه الضحية الجيوسياسية الأكبر. وأخيراً وليس آخراً، سترى أوروبا المقسمة والخائفة في مثل هذه الظروف دولها الأعضاء تبحث عن رعاة لهم وتتناقش في شكل جماعي أو فردي حول البدائل  بين القوى الثلاث».

ومن الجدير ذكره أن بريجنسكي، وفقاً للتقليد السياسي الكلاسيكي، يعتبر أن روسيا هي العدو الرئيسي للولايات المتحدة، وليس الصين و«هذا هو السبب في أنه يتعين على الولايات المتحدة بناء سياستها بطريقة تجعل فيها إحدى الدولتين المنافستين تتحول إلى شريك في السعي من أجل الاستقرار الإقليمي ومن ثم العالمي».

خلاصة القول

يدور مقال بريجنسكي حول التفكير في إطار النموذج الواقعي الجديد لـ«استقرار الهيمنة». وانهيار هيمنة الولايات المتحدة في رأيه يعني انهيار النظام العالمي. لكن أولاً: وقبل كل شيء فإن الولايات المتحدة لا تساهم بأية وسيلة في الحفاظ على العالم، بل تعمل على تحويل العالم كله إلى منطقة فوضى تسيطر عليها, ثانياً: هناك عدد من الواقعيين الجدد يعتقدون أن عالماً ثنائي القطبية سيكون أكثر توازناً من عالم أحادي القطبية، هناك نموذج لعالم متعدد الأقطاب كعالم مقسوم على «مساحات كبيرة» من الإمبراطوريات، والتي تأخذ بعين الاعتبار تنوع الحضارات في العالم. كما أنه لا يعتمد على الفوضى، ولكنه البديل الأنسب للأحادية الأمريكية.

يمكن استنتاج أن مقال بريجنسكي يدل على المحاولات اليائسة للنخبة الأمريكية للحفاظ على هيمنتها على العالم. في الوقت نفسه هو مليء بالأفكار الدعائية المكرورة، وفي كثير من الحالات لا يتفق تقييمه للوضع مع الواقع الراهن.