اليمن بعد سورية: وقف إطلاق النار يفتح باباً للأمل

اليمن بعد سورية: وقف إطلاق النار يفتح باباً للأمل

سرت الهدنة كما كان متفق عليها في العاشر من شهر نيسان الجاري، تمهيداً لجولة محادثات جديدة تبدأ يوم الاثنين 18/نيسان في الكويت برعاية الأمم المتحدة. فيما يلي نسلط الضوء على أصداء الأيام الأولى للهدنة، وما تحمله من معانٍ سياسية، سواء بصمودها أو بخروقاتها، وإن كان الحل السياسي ثابتاً قطعاً، فإن تداعيات هذه المرحلة تسمح بتلمس الشكل الأولي لـ«يمن ما بعد الحرب»..

 

تجري مقارنة الهدنة في اليمن بمثيلتها في سورية. وإن كانت الهدنة في سورية في أيامها الأولى تحديداً شهدت صموداً أكبر بكثير مما تشهده الهدنة اليمنية حتى الآن، إلا أن الهدنة في اليمن جاءت بالجديد من حيث المضمون، ذلك بتشكيل اللجان المحلية لمراقبة وقف إطلاق النار في ست محافظات هي: الجوف، مأرب، تعز، البيضاء، شبوة والضالع، هذه اللجان التي تضم ممثلين عن حركة «أنصار الله» والجيش اليمني. هذه الخطوة التي تعد سريعة نوعاً ما، تؤكد على أن مفاوضات السلام المزمع عقدها في 18/نيسان، ليست نقطة البدء الحقيقية في الحل السياسي، بل أن إجراءات وقف الحرب قد بدأت فعلياً.

خروقات خارج السياق العام

في تفاصيل الهدنة، ذكر المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دي جاريك، يوم 12/نيسان، أن «اتفاق وقف الأعمال القتالية يبدو صامداً بشكل عام»، مشيراً إلى «بعض الجيوب التي تشهد أعمال عنف منذ بدء العمل باتفاق وقف إطلاق النار».

على الأرض، جرى تسجيل أكبر خرق في مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء، حيث قتل أكثر من سبعة عشر من القوات الحكومية، بينهم قائد أركان «اللواء 314»، وما عدا ذلك تبقى الخروقات في باقي المحافظات ناتجة عن قوة عطالة الشهور الطويلة من الاقتتال، ولم تؤثر عملياً على المناخ العام للهدنة حتى الآن. 

ومن المرجح أن هذه الخروقات من جانب آخر، هي رسائل سياسية تبعث بها بعض القوى اليمنية البعيدة نسبياً عن التفاهمات السياسية بين «أنصار الله» والسعوديين، والمقصود هنا القوات الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح. فالقوات الحكومية تتهم «أنصار الله» وأتباع صالح بمهاجمة معسكر اللواء 35 في محاولة لاستعادة السيطرة عليه.

وبالعودة إلى الخرق في مديرية نهم، ترجم طرفا الصراع استيائهما من هذا التصعيد بتقاذف الاتهامات حول المسؤول الأول عن اندلاع الاشتباكات، أي أن الطرفين يحاولان استثمار الحدث في الشق السياسي، وليس ذريعة لاستمرار الأعمال القتالية، فحتى المتحدث باسم قوات «التحالف»، أحمد العسيري، قلل من خطورة هذه الخروقات، قائلاً: «إن ما جرى حوادث بسيطة، ويوماً بعد يوم سيكون الوضع أفضل»، فيما شدد محمد عبد السلام، المتحدث باسم «أنصار الله»، على ضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه، محذراً من خطورة الاستمرار في الأعمال العسكرية، لأن ذلك يقوض عملية السلام، ويقلص من فرص انعقاد الحوار المقبل ومن فرص نجاحه. وبدوره، أكد رئيس أركان الجيش اليمني، اللواء محمد علي المقدشي، صمود وقف إطلاق النار رغم «اعتداءات المتمردين»، وقال إن الهدنة لم تنتهك.

تعطي هذه المواقف الصادرة عن الأطراف الأساسية في الصراع اليمني- والتي تبدو متوافقة بالمضمون- مؤشرات إضافية على تثبيت مسار الحل السياسي للأزمة في اليمن، كما يصفها المبعوث الدولي في بيان له، بعد سريان الاتفاق: «لقد حان الآن وقت التراجع عن حافة الهاوية».

تحضيرات قبل لقاءات الكويت

سياسياً، يعمل المبعوث الدولي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ أحمد، على إيجاد جدول أعمال يتوافق مع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، والتي لا يختلف الفرقاء اليمنيون عليها من حيث المبدأ، لكن تبقى الخلافات في التفاصيل هوامش حركة على مسار التفاوض.

وفي آخر نتائج المباحثات التي أجراها المبعوث الدولي في الرياض مع ممثلي حكومة هادي، أعلن ولد الشيخ أحمد عن المحاور الرئيسية لأجندة المفاوضات، وهي وقف إطلاق النار والانسحاب من المدن، وتسليم السلاح وإعادة مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى ملف الأسرى والمعتقلين.

من جهته، رد متحدث باسم «أنصار الله» على تحركات المبعوث الدولي في الرياض، وفيما يخص موقف الحركة من قرار مجلس الأمن 2216، قال إن الحركة «لا ترى صحة في وجود السلاح خارج مؤسسات الدولة، ولا سيما أن الحرب أفرزت أشكالاً متعددة لانتشار السلاح، ما يتطلب التوافق السياسي الذي يضمن شراكة الجميع في بناء الدولة».

هذا الحراك السياسي، والردود منخفضة الحدة من طرفي الصراع، مقارنة بما شهدته مراحل الأزمة اليمنية السابقة، توحي بأن توافقاً دولياً يفعل فعله في الملف اليمني نحو إنهاء الأزمة، هذا التوافق يتأثر بعموم الوضع الإقليمي، وتحديداً تطورات الأزمة السورية، التي ربما دفعت باتجاه هذا الشكل من التطورات في اليمن، لنصل إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها تقدم أي من الملفين الأساسيين في المنطقة، هو تقدم للملف الآخر.