فنزويلا..اليسار سيد الكلمة

يصف جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق الانتخابات الفنزويلية بأنها أفضل عملية انتخابية في العالم، ليس مهماً أن نستشهد بما قاله رئيس مؤسسة كارتر لحقوق الإنسان حول الديمقراطية في أي بلد في العالم لكن المهم هو توضيح مدى أهمية ذلك الحدث الحاصل في 7 أكتوبر تشرين الأول الفائت والذي يستحق أن يكون في موقع الملحمة التاريخية، ملحمة صراع الجنوب مع الشمال بإحدى أهم أدوات هذا العصر.

تشير المعطيات الواردة من كراكاس أن تشافيز حقق نصراً  تاريخياً على مرشح الغرب هنريك كابريلس، فنسبة المشاركة في هذه الانتخابات وصلت إلى 80% بينما بلغت في الانتخابات الماضية 75% وهي نسبة تاريخية وهي أعلى من نسب المشاركة في بلدان الغرب «الديمقراطي». حقق تشافيز نسبة 54.4% من الأصوات مقابل 45% لكابريلس، كما تحدثت التقارير عن مستوى تطور العملية  الانتخابية وأكدت أن الإنتخابات جرت وفق نظام الكتروني يعتمد البطاقة الالكترونية وهو مايسمح بمراجعة كل نتائج الانتخابات بأي لحظة في حال وقوع أخطاء، أي أن هذه الانتخابات كانت عالية النزاهة ولن يستطيع الغرب التبجح والتنطح للتشكيك بها.

من المؤكد أن الديمقراطية الغربية لاتريد تشافيز في الحكم لا بل من المؤكد أيضاً أن الغرب سعى لهزيمة تشافيز حيث تشير إحدى الورقات المسربة من مجلس العلاقات الخارجية أن السفير الأميركي السابق في فنزويلا «باتريك دادي» طلب من حكومة الولايات المتحدة اتخاذ تدابير عسكرية ومالية ودبلوماسية تحسباً لاضطراب ما بعد الانتخابات، وطلب دادي من بلاده أن تكون على اتصال بقيادة الجيش الفنزويلي للوقوف في وجه أي حكومة  تعادي النظام المالي والدولي . كما طلب دادي تجميد عوائد شركات النفط الفنزويلية للضغط على حكومة فنزويلا في حال عدم استجابتها لطلبات الولايات المتحدة بما يخص عملية الاقتراع الحاصلة.

 لاتتحمل ديمقراطية الغرب رجلاً ينتقد الامبريالية الأميركية كل صباح وهو يعلن بنموذجه السياسي قطيعة مع النظام الرأسمالي الدولي، لذلك لاذت وسائل إعلامهم بمافيها فروعها العربية (كالجزيرة والعربية) خلف انتقادات باتت معروفة بسطحيتها وغبائها للقاصي والداني كأن يقال : أن تشافيز مرشح لأربع دورات متتالية أو أن يقال إنه على علاقات جيدة مع إيران و نجاد وليبيا والقذافي.

تشافيز أوضح من ذلك وأعمق بكثير فقد أعلن ثورته الإشتراكية الجديدة (اشتراكية القرن الحادي والعشرين)منذ وصوله للسلطة عام 1998 وحقيقة الأمر إن هذا مايقض مضاجع الغرب.

إن النموذج الوطني الذي أمم النفط  من الشركات الأجنبية  وزاد انفاقه على الصحة والتعليم ونشل نصف فقراء فنزويلا من تحت خط الفقر خلال العشر سنوات الماضية كما خفض معدل البطالة من 18% في 2003 إلى 8% في 2012 والقضاء على الأمية بنسبة 99.6% ورفع الحد الأدنى للأجور ليصبح أعلى حد في أميركا اللاتينية، يضاف إلى ذلك مواقفه الصريحة والمعلنة في عدائه لديكتاتورية الولايات المتحدة  وفرضها لقراراتها بالقوة ومواقفه المعادية للكيان الصهيوني، إن هذا النموذج هو مايعاديه الغرب عملياً.

واجه تشافيز منافسه هنريك كابريلس والذي لايعتبر منافساً وطنياً بل منافساً غربياً دون أي مبالغة ، حيث يعتبر كابريلس أحد المحبوبين  من قبل مؤسسي حزبه « العدالة أولا» هذا الحزب الذي تلقى طوال العقد الماضي الأموال من منظمات غير حكومية في الولايات المتحدة وتشير بعض التقارير المنشورة في عام 2010 أن المساعدات التي منحها «الصندوق الوطني للديمقراطية» بلغت 40 مليون دولار سنوياً لمصلحة المعارضة الفنزويلية حيث زادت هذه المساعدات بشكل خاص بعد فشل انقلاب عام2002 على هوغو تشافيز.

ينبغي أن نتذكر في هذا السياق أن كابريلس أحد المتهمين باغتيال «دانيلو أندرسون» المدعي العام والمسؤول عن التحقيق في أحداث انقلاب عام 2002، لا ينبغي على الإطلاق أن نسقط أيضاً دور الصهيونية العالمية في دعم كابريلس،  ومن المفارقات أن كابريلس هو يهودي من أب وأم يهوديين  رغم أن اليهود في فنزويلا هم أقلية تبلغ 0.03% فقط من مجموع سكان فنزويلا. الأهم من هذا وذاك هو النموذج الاقتصادي الذي يتبناه كابريلس حيث يعتمد نموذجه على نماذج صندوق النقد الدولي عبر الخصصة وتخفيض الإنفاق العام ودمج الاقتصاد الفنزويلي بالاقتصاد الرأسمالي الدولي عبر الشركات العابرة للقوميات والتي وعدت بتخفيض الضرائب فيما لو نجح كابريلس.

انتصر تشافيز بكل الأحوال ورغماً عن كل الدعم الغربي لخصمه استطاع تشافيز أن يحوز نصراً مؤزراً ، وقدم تشافيز بذلك نموذجاً تاريخياً تقدمياً حول قدرة الشعب على ردّ أخبث أشكال التدخلات الخارجية . لقد استطاع الشعب الفنزويلي تكرار نصر 2002 ، حينها واجه الشعب الدكتاتورية العسكرية المدعومة غربياً والتي انقلبت على تشافيز رغم فوزه بانتخابات نزيهة. إن ميزة هذا الإنجاز أنه يثبت مقولة الميزان الدولي الجديد الذي يتراجع فيه وزن الولايات المتحدة وحلفائها، حيث تخوض الولايات المتحدة حربها في كل الجبهات وعلى كل المستويات. فهي تئن تحت آلام الوضع الاقتصادي المتعقد كما أنها لم تستطع حسم الصراع في سورية بالتدخل العسكري المباشر إضافة إلى أنها تجر أذيال الهزيمة في العراق وفي أفغانستان ليضاف فوق كل ذلك خسارة معركة الديمقراطية في فنزويلا.

 إن هذه الضربة اللاتينية في خاصرة الولايات المتحدة تضاف إلى الضربات الموجعة التي وجهها تلامذة كاسترو في فنزويلا عبر تشافيز، وفي الإكوادور عبر «رافائيل كوريا»، وفي الأوروغواي عبر «خوسيه موخيكا» ، وفي بوليفيا عبر «ايفو موراليس»، وفي نيكاراغوا عبر «دانييل اورتيغا» ، وهذا يعني أن مشروع « الألبا» التكتل الاقتصادي الذي قادته فنزويلا في حقبة تشافيز قابل للاستمرار والتطور خلال الست سنوات القادمة مما قد يغير خريطة أميركا اللاتينة الاقتصادية أكثر فأكثر.