نداء وتعليق على بيان المعارضة الوطنية السورية الأخير
(تبنى هذا النداء كل من اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية وحركة الديمقراطية الشعبية المصرية)
أعلنت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي المعارضة في سورية قبولها الضمني للحوار المشروط مع السلطة، وأعلنت في بيانها الصادر في 17 سبتمبر أنه «لا يمكن تجاهل العمل السياسي من حيث المبدأ، إلا أن الحل السياسي لا يمكن أن يتحقق ما لم يتوقف الحلّ الأمني- العسكري ليفتح الطريق إلى مرحلة انتقالية تجري مصالحة تاريخية وتوفر الظروف والشروط الملائمة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية البرلمانية التعددية».
ونحن بصفتنا جزء من الوطن العربي نعتبر أن مشاركتنا بالرأي فيما يدور من أحداث خطيرة بالوطن السوري ليست فقط من حقنا بل هي من صميم واجباتنا القومية كما لا نكترث إذا اعتبر البعض من النظام أو المعارضة أن هذه المشاركة تدخل في الشأن السوري.
نعتبر قبول البيان بالحوار المشروط خطوة إيجابية كما أننا نؤيد الهدف المشهود وهو إقامة دولة ديمقراطية تضمن كرامة المواطنين وإحداث تغيير جذري في وظيفة أجهزة الأمن بحيث تصبح وظيفتها المحافظة على أمن وكرامة المواطنين وليس إشاعة الخوف وإرهابهم. لكننا لا نفهم مطلقاً كيف أن البيان لا يؤكد على ضرورة تصحيح المسار الاقتصادي ولا على حتمية مواجهة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية خصوصاً وأن أعضاء بارزين بهيئة التنسيق هم من القيادات الناصرية!! (كان المطلب الأول لجمال عبد الناصر هو «القضاء على الاستعمار وأعوانه») وعلما بأن قوى الهيمنة تعمل جاهدة على اختزال مطالب الحراك الشعبي في الوطن العربي وقصرها على مطالب نيوليبرالية حول «الديمقراطية» وحسب تعبيراتهم «منع تجذيرها بحيث تلتزم «بالسلام» مع «إسرائيل» وبسياسات «اقتصاد السوق».
كنا نود أن يوضح البيان على ماهية رفض التدخل الأجنبي التي تهدر كرامة الوطن والمواطن معاً وتدين بوضوح المنادين بالتدخل الأجنبي الواقع بالفعل من تهديدات سياسية وحصار اقتصادي والتلويح بتدخل حلف الناتو وتزويد عناصر معينة بالسلاح والتليفونات الذكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى والدعم المالي والإعلامي واللوجيستي المعلن. إن إغفال خطورة التدخل الأجنبي أو التردد في إدانته وفضحه هو لا شك جزء كبير من المشكلة خصوصاً بعد أن أصبح من الجلي مدى التدخل والتآمر الأوربي والأمريكي والصهيوني. انظر على سبيل المثال (والأمثلة عديدة) إلى حديث تسيبي لفني وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة مع الصهيوني العتيد برنارد هنري ليفي (بطل التدخل المسلح في ليبيا بحجة حماية المدنيين الذين قتلت منهم الآلاف صواريخ الناتو) وسعيهما على التدخل العسكري في سورية. (شاهد الفيديو على موقع: http://www.youtube.com/watch?v=qYHV5qtCyC0)
لماذا لم يرفض البيان التهديدات الصريحة من قبل دوائر صنع القرار بالناتو والإدارة الأمريكية ويدينها بشدة؟ لماذا لم يدن رفع شعار «جمعة الحماية الدولية»؟ لقد أصبحت أبعاد التآمر على سورية الدولة والشعب واضحة من مصادر عديدة غربية فكيف ندين عنف السلطة ولا ندين العناصر المسلحة المخربة ونعتبرها مجرد رد فعل؟ إننا نسعى إلى وقف العنف من المتآمرين ومن النظام. هل ننتظر حتى يبدأ تنفيذ المؤامرة أم أن الالتزام الوطني يحتم العمل بكل جهد على سد الثغرات التي يستغلها متآمرو الداخل والخارج، كما يحتم الإصرار في نفس الوقت على التغيير الجذري والتحاور لإنجازه لمصلحة الشعب والوطن. إن واجب القيادة الملتزمة سواء من قبل المعارضة الوطنية أو النظام أن تتخذ المواقف الصعبة والحاسمة ودون تردد في هذه الأوقات الحرجة حتى وإن اتهم البعض المعارضة الوطنية بأن النظام قد احتواها وحتى إن اتهمت بعض الدوائر في السلطة بتراجع النظام واستسلامه لمطالب المعارضة. لقد بدأت هذه الاتهامات بالفعل من قبل المتآمرين إلى المعارضة الوطنية والرافضين للتغيير داخل النظام.
الواهمون يعتقدون أن بديلاً قومياً ديمقراطياً هو المنتظر رغم أن كل الدلائل والشواهد تؤكد أن البديل الأكثر احتمالاً هم أنفسهم الذين يطالبون بالتدخل الأجنبي والذين يستعدون لإقامة حكم مهادن وتابع للسيد الأجنبي وبغطاء ديني والذين استبدلوا اللون الأحمر بالأخضر في العلم السوري. لن يكون البديل القادم القيادات الوطنية التي ساهمت في البيان. إن البديل الذي تدفع به وتدعمه الإدارات الأمريكية والأوربية والرجعية العربية هو الجماعات التي طالما استغلت الدين للقفز على السلطة.
لا بد أن يقوم النظام بإصلاحات جوهرية في مجالات الديمقراطية وطبيعة أجهزة الأمن ومحاصرة الفساد وتغيير المسار الاقتصادي الذي أدى إلى إفقار الملايين من الشعب السوري ورفض السياسات الاستعمارية التي تصر عليها المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية المرتبطة بمشروع إعادة استعمار الوطن العربي واستدامة الهيمنة الصهيونية.
يجب أن يكون على رأس المطالب الوطنية الاستمرار في رفض المعاهدات الاستسلامية على نمط كامب دافيد بل أن يتحول النظام السوري من الممانعة إلى المقاومة، وليس فقط دعمه للمقاومة العربية رغم أن هذا الدعم هو السبب الحقيقي لتربص الإمبريالية بالنظام السوري وليس بالتأكيد عدم ديمقراطيته. انظر إلى تقرير مجلة «تايم» الأمريكية في 28 مارس 2003 المعنون «سورية المحطة التالية؟» فبعد احتلال العراق كان التخطيط هو احتلال سورية لولا المقاومة العراقية الباسلة. انظر الفيديو على الموقع:http://www.informationclearinghouse.info/article29129.htm والذي يتحدث فيه عام 2007 ويسلي كلارك القائد السابق لحلف الناتو عن التخطيط السابق لاحتلال سورية ودول «مارقة» أخرى. لم تكن هناك إدلب أو درعا أو جسر الشغور ولم يكن قد مضى على حكم بشار الأسد إلا ثلاثة أعوام!!
أليس واضحاً تماماً أن الدفع في اتجاه الإصلاح الجذري والإصرار عليه هو أفضل السبل المتاحة؟ أما الاستسلام للمشروع الاستعماري الرجعي لإسقاط النظام مهما اختلفنا معه فهو متناقض تماماً مع مستقبل سورية المناضلة ومن ثم مستقبل الأمة العربية كلها. نتساءل من هم الداعون لإسقاط النظام منذ سنوات عديدة؟ الإدارة الأمريكية والعديد من الدول الأوربية وأجهزتها المخابراتية ومؤسساتها العسكرية وشخصيات مثل برنارد هنري ليفي الصهيوني العتيد. من الذي يمكن أن يقبل بهذه الصحبة ويقبل بشعارها المعلن بضرورة إسقاط النظام؟؟؟ اللهم إلا إذا أصبحت هذه القوى فجأة قوى تسعى لنصرة العرب وضمان حريتهم ورخائهم!!!
إن مقياس الإخلاص للوطن العربي أصبح واضحاً تماماً وهو العمل بكل ما أوتينا من قوة لإخراج الوطن السوري من محنته الخطيرة ومن فخ التآمر الإمبريالي والصهيوني والرجعي العربي والإصرار على الإصلاح الجذري الذي يخدم الشعب (وليس حفنة من أصحاب البلايين) ويحمي كرامة الوطن والمواطن.
نعم لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين... نعم للتظاهر السلمي... نعم لمرحلة انتقالية توفر الظروف والشروط لبناء دولة مدنية ديمقراطية.. نعم للوحدة الوطنية كما جاء بالبيان.
ونضيف لا لاستخدام السلطة للعنف إلا في حالات الدفاع عن النفس وحماية المدنيين... نعم لدولة مناوئة للاستعمار والصهيونية والرجعية منتهجة اقتصاداً يوفر معيشة كريمة لكل الشعب... نعم لحوار جاد بعيد عن المماطلة. نعم لمرحلة انتقالية تحكمها جبهة وطنية ديمقراطية شعبية من القوى المعادية للاستعمار والصهيونية والرجعية.. نعم لتوفير الظروف المناسبة لانسحاب الجيش... لا للشعارات المغرضة المتناغمة مع المخططات المعادية للشعوب... نعم للوحدة الوطنية.
من الطبيعي أن يُتهم كل من يتفق ويؤيد نداءنا هذا باتهامات عديدة ولكن هذا ثمن ضئيل مقابل محاولة إنقاذ الوطن بالإفصاح عن رأي صادق ومستقل. وفي نهاية الأمر الشعوب ستحاسب إن لم يكن الآن فغداً.
القاهرة 25 سبتمبر
• عن «كنعان» الالكترونية