سياسياً واقتصادياً: مواجهة فنزويلية حامية
تتجه فنزويلا نحو مواجهتين، تعزز كل منهما الأخرى: مواجهة سياسية عمادها الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومواجهة اقتصادية تستند إلى الصراع الجاري حول تحديد الهوية الاقتصادية لفنزويلا، وبالتالي، مصير مواطني الدولة، فيما يبدو مستقبل هذه المواجهة ضبابياً على نحو جدي، بقدر ما يعتمد على جدية اليسار واليمين في خوضها.
بعد تقدمها في الانتخابات البرلمانية في السادس من شهر كانون أول من عام 2015، تبدو المعارضة اليمينية أكثر جنوحاً من أي وقت مضى نحو مواجهة واضحة مع الرئيس، نيكولاس مادورو. الهدف غير المعلن القائم على زعزعة استقرار الحكومة قدر الإمكان، والإطاحة بها قبل نهاية عام 2016، بات معلناً مع تجديد الرئيس الجديد للجمعية الوطنية (البرلمان)، راموس آلوب، دعوته لإسقاط الحكومة والرئيس خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2016. وقد عزز آلوب هذه المواجهة في السادس من شهر كانون الثاني، عندما أقسم ثلاثة من أعضاء المعارضة كممثلين في البرلمان، على الرغم من قرار المحكمة العليا بتعليق عضويتهم نتيجة مخالفات انتخابية واضحة.
«العفو العام»:
جولة جديدة للمواجهات
بدورها، أعلنت المحكمة العليا يوم الاثنين 11/1/2016، أن رئيس البرلمان يتصرف وكأنه يتحدى قرارات المحكمة، وعليه، فإنها من الآن وصاعداً تعتبر القوانين كلها التي تمر عبر البرلمان لاغية وباطلة، لأن الأخير قد أدرج أعضاءً مجمدين قانونياً في هيئته. وعلى هذا الشكل، تبرمج المواجهة السياسية اليوم بين السلطة التشريعية والتنفيذية.
من المتوقع أن تجري الجولة الثانية من المواجهات خلال الأيام القادمة حول قانون «العفو العام» الذي تعتزم المعارضة اليمينية، من خلاله، الإفراج عن السجناء كلهم، بمن فيهم المشاركون في أعمال العنف الذين تؤكد الحكومة الفنزويلية ارتباطهم بالسفارة الأمريكية مباشرة.
وبشكل وصفته الصحافة الفنزويلية بـ«الطفولي وغير المسؤول»، حذر رئيس البرلمان الرئيس مادورو بأنه في حال أعاقت المحكمة العليا تطبيق قانون «العفو العام»، فإن البرلمان سيبدأ بإقالة الوزراء في حكومة مادورو تباعاً من خلال سحب الثقة البرلمانية منهم.
أجندة عمل «واسعة»
من الناحية الشكلية توجد لدى البرلمان اليميني الفنزويلي الجديد مجموعة من الخيارات في محاولاته التخلص من مادورو، إذ يمكن إبعاد الوزراء والنواب المحسوبين على الرئيس مادورو (رغم أن ذلك قد يؤدي إلى انتخابات برلمانية جديدة)، وإبعاد رؤساء الفروع الأخرى من الحكومة كالمحكمة العليا والنائب العام، أو سحب الثقة من المجلس الانتخابي الوطني، أو تعديل الدستور تمهيداً لطرحه على الاستفتاء. وإلى جانب ذلك، فإن هناك الكثير من التكهنات حول أن المعارضة ستلجأ إلى تنظيم استفتاء ضد مادورو، غير أن ذلك يتطلب 20% من توقيعات الناخبين المسجلين، والذين يبلغ عددهم أكثر من 3.8 مليون ناخب. وهي المهمة التي فشلت فيها المعارضة اليمينية سابقاً في وجه الرئيس الراحل، هوغو شافيز، رغم أنه كان عليها جمع 2.5 مليون توقيع فقط.
بصرف النظر عن مشروع الإطاحة بالرئيس مادورو، أو مشروع العفو العام، يخطط اليمين المسيطر على البرلمان لإدخال عدد من القوانين التي من شأنها أن تقوض صلاحيات مادورو تدريجياً، من خلال الإجهاز على قوانين الإصلاح الزراعي، ومحاولة إعادة الخصخصة في القطاعات الصناعية الرئيسية، وتفكيك الرقابة على الأسعار.. إلخ.
إجهاز على مشاريع تقدمية
في تعبئتها الشعبوية، تحاول المعارضة اليمينية اللعب على حاجات الناس، من خلال ضرب مشروع «شافيز» الإسكاني، الذي أمنت الحكومة عبره ما يقرب من مليون وحدة سكنية عامة خلال الأعوام الخمسة الماضية. وقد أعطت الحكومة للأسر ملكية المنازل دون الحق ببيعها أو الاستفادة العقارية منها. من هنا، تطالب المعارضة الفنزويلية بمنح الناس سندات ملكية قابلة للبيع، وبالتالي قابلة للمتاجرة. وهو ما ترفضه الحكومة بشكل مطلق، معللة ذلك بأن للأسرة حق السكن طوال حياتها، وذلك لا يلغي حق السكن المجاني للأسر القادمة مستقبلاً.
أما القانون الذي تعتبره المعارضة اليمينية «ورقة رابحة» قد تشهرها لاحقاً في وجه الرئيس مادورو، فهو محاولة «دولرة الاقتصاد» عبر التخلص من العملة المحلية «البوليفار»، وهو ما لفتت إليه قيادة الجيش الفنزويلي، بالقول أنها جاهزة للتدخل في حال المس بسيادة العملة المحلية للبلاد.