قانون أوباما الجديد: الحق بالقتل
يُكتب كثير هذه الأيام عن استحالة أن تشكل أنظمة النفط الخليجية نموذجاً للديمقراطية، حتى أن أحد الخبثاء يقول: صحيح أن رئيساً هنا وصل الى السلطة على طريقة «المبايعة الدستورية» بعد وفاة أبيه. لكن الصحيح أيضاً أن من يريد تلقينه الديمقراطية ليس غير رجل وصل الى السلطة بالانقلاب على أبيه قبل وفاته، ثم إنهاء حياة أبيه في السياسة وفي الحياة ربما.
ويُكتب هذه الأيام أيضاً عن استحالة أن تكون تركيا أستاذة في الحريات العامة وحقوق الانسان، إذ يكفيها أنها في المتخيل الأميركي نفسه، بلد فيلم «قطار منتصف الليل السريع»، فيما جوارها بلد «سيريانا»، والفارق كبير بين مغزيي الشريطين كما يدرك هواة الفن السابع...
لكن بين الكتابتين يندر أن نهتم بوضع واشنطن نفسها، هي التي تقدم نفسها على أنها «مرجع» الحرية والديمقراطية لعالم اليوم.
باراك أوباما، مثلاً، أقدم ليلة السبت في 31 كانون الأول الماضي، على وضع توقيعه «أسود» على أبيض «قانون إجازة الدفاع الوطني» الجديد، متخطياً بأشواط جورج بوش الابن قبل عشرة أعوام كاملة، مع «قانون باتريوت» الشهير. هكذا بات سيد البيت الأبيض، خلافاً للدستور الأميركي، وخلافاً لكل المواثيق والشرع العالمية الضامنة لحقوق الانسان، وخلافاً لكل مرجعيات القانون الدولي الإنساني والعام... صاحب سلطة مطلقة للقيام بالارتكابات التالية:
أولاً: أن يتخذ قراراً يقضي بقتل أي مواطن أميركي مرتبط بالإرهاب أو مخطط له. طبعاً لا يفصِّل القانون الجديد كيفيات ذلك ولا المقتضيات الواجب توافرها ليتخذ الرئيس قراراً كهذا. لا بل يمنحه سلطة استنسابية واسعة، تجعل منه أقرب ما يكون إلى سلطان الحياة أو الموت. كلام إنشائي؟ طبعاً لا، يقول الباحثون الأميركيون أنفسهم، فالقانون المذكور جاء لقوننة ممارسة فعلية، آخرها اغتيال المواطن الأميركي - «القاعدي» أنور العولقي في تشرين الأول الماضي.
ثانياً: أن يمدد احتجاز أي مواطن أميركي مشتبه في تورطه بعمل إرهابي، «إلى ما لا نهاية»، ومن دون أي حدود زمنية لاعتقاله. علماً أن مثل هذه التوقيفات تكون لدى سجون المحاكم العسكرية الأميركية، لا سجون المحاكم الأميركية العادية.
ثالثاً: أن يقرر ما إذا كان أي موقوف بهذه التهمة سيحاكم أمام القضاء الفدرالي العادي أو أمام قضاء استثنائي، مثل المحاكم العسكرية ذات القوانين الخاصة والإجراءات الاستثنائية لجهة قواعد الإثبات وحقوق الدفاع.
رابعاً: أن يأمر بعمليات مراقبة وتفتيش ومداهمة وتنصت على أي مواطن... من دون استصدار أي مذكرات قانونية أو قضائية تجيز ذلك. مع ما يتضمن الأمر من إعطاء الرئيس سلطة إلزام اي مؤسسة أو شركة أو جمعية، تسليم أي معلومات تملكها عن أي مواطن، أكانت عن حياته الخاصة أو العامة، بما فيها تحركاته واتصالاته كافة وملفاته المالية وغيرها.
خامساً: أن يجيز التذرع بالأمن القومي لعدم الكشف عن أي أدلة أو قرائن ضد أي متهم لدى محاكمته، أكان ذلك أمام القضاء الفدرالي أو العسكري، بحيث تجوز مقاضاة أي مواطن وإدانته استناداً الى أدلة سرية.
سادساً: أن يقوم بكل ما يلزم لمنع خضوع أي موظف في الإدارة الأميركية لأي مساءلة دولية حول ارتكابه جرائم حرب. وهو ما يضيف انتهاكاً أميركياً جديداً لمبادئ نورمبرغ للقانون الدولي. علماً أن واشنطن ترفض التعاون مع محكمة الجزاء الدولية، وتفرض على كل دولة منضمة إليها توقيع اتفاقية ثنائية معها، تتعهد بموجبها رفض تسليم أي مواطن أميركي الى تلك المحكمة، تحت طائلة العقوبات والعداء لأميركا.
سابعاً: الحق في اللجوء المستمر إلى محاكم مخابراتية خارجية سرية. وهو الموضوع الذي أثيرت فضائح عدة حياله في عهد بوش، ويستمر الآن مقونناً مع أوباما.
ثامناً: أن يمنح الأشخاص الحقيقيين أو المعنويين الذين يسلمون معلومات حول أي مواطن في شكل ينتهك حرياته وحقوقه، حصانة قانونية كاملة، بحيث يتعذر على ضحية تلك المعلومات المسربة أن يلجأ الى مقاضاة من انتهك سرية حياته الخاصة أو العامة.
تاسعاً: أن يأمر برصد حركة أي مواطن في شكل دائم عبر أجهزة «جي بي إس» مرتبطة بالأقمار الاصطناعية، من دون اللجوء الى أي إذن قضائي بذلك.
عاشراً: السماح بنقل أو تسليم أي شخص، مواطناً أميركياً كان أم غير مواطن، لأي دولة أخرى، خلافاً لأي أصول محددة وفق القانون الدولي.
عشرة «حقوق» شبه إلهية، منحها أوباما لنفسه في اليوم الأخير من السنة الماضية، هدية ذاتية للعام الجاري، وهداية لديمقراطية العام سام في كل العالم. هكذا صار حامل نوبل للسلام قبل عامين، هو نفسه حامل سيف القتل بلا حكم ولا قضاء ولا من يأذنون. مفارقة ستتوقف عندها طويلاً عظام ألفرد نوبل، أكثر من مفارقة استذكاره بأنه هو من اخترع الديناميت.