السلطة المتداعية طرفاً ثالثاً في «معركة وطنية»

السلطة المتداعية طرفاً ثالثاً في «معركة وطنية»

بعد ضخ إعلامي واسع يروج لـ«خطاب مهم» مرتقب، خرج رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يوم الأربعاء 6/1/2016 في «خطاب قصر الرئاسة» في مدينة بيت لحم الفلسطينية، مجدداً طروحاته التي اعتاد الفلسطينيون على سماعها دورياً منذ حقبة «أوسلو» المشؤومة.

افتتح عباس خطابه بـ«البسملة» المكرورة في معظم خطابات السلطة: «نحن نمد يدنا للاحتلال، والاحتلال هو من يعيق عملية السلام. نحن ملتزمون بكل شيء، لكن هم (يا للأسف..!) لا يلتزمون بشيء»..! وأضاف في موقع آخر من حديثه أن الإبقاء على «السلطة الفلسطينية» التي طالما لوّح بالتعفف إزائها والزهد بها هو «معركة وطنية».

تفقد السلطة مبرر وجودها. ويعاني المنتفعون منها تحت وطأة المرحلة التي، في جميع تفاصيلها ومعطياتها الجديدة دولياً وإقليمياً، وفي الداخل الفلسطيني، إنما تشي بإمكانية دفن خطاب المساومة في رماد المرحلة الماضية، والقفز خطوات إلى الأمام لتحصيل أعلى قدر من الحقوق التي استحق زمنها.

انتقت السلطة الفلسطينية لنفسها أن تكون «طرفاً ثالثاً» مع العدو الصهيوني، والحراك الشعبي الفلسطيني الآخذ بالتصاعد، والملتزم بالخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني في مقاومة الكيان بالوسائل الممكنة كافة، بغض النظر عن «اعتبارات وضرورات» السلطة المتخاذلة.

بدأها مقاومة.. 

وهكذا سيستمر فيها

لو نظرنا إلى المعادلات التي تحكم المشهد الفلسطيني، لوجدنا أن ذروة نهوض كل فصيل من الفصائل الفلسطينية كانت مرتبطة بمقدار التزام هذا الفصيل بالثوابت الفلسطينية، وعلى رأسها المقاومة المسلحة في وجه المحتل: فعلى سبيل المثال، أعلنت حركة «فتح» عن قيام الكفاح المسلح في 1/1/1965، في عملية تفجير «نفق عيلبون» التي استشهد خلالها الرمز أحمد سلامة. لمع اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد العمليات النوعية التي قامت بها وطالت «أسماء كبرى» في قيادات الاحتلال. بينما ربطت حركة «حماس» ظهورها بالانتفاضة الفلسطينية الأولى، وما تخللها من عمليات استشهادية بطولية.

منذ نكبة 1948، كان الالتفاف الشعبي حول هذا الفصيل أو ذاك، مرهوناً بمدى التزامه بخيار الكفاح المسلح، بوصفه المعركة الوطنية الحقيقية لاستعادة الحقوق. هذه هي القاعدة التي لا تزال تسري حتى اليوم في الداخل الفلسطيني: من لا يلتزم بالثوابت الشعبية الفلسطينية، سريعاً سيعاني تحت وطأة العزلة..

الثوابت و«حواجز أوسلو»

بالملموس، لا يمكن للضفة الغربية أن تنجز انتفاضتها بلا عوائق، في ظل السلطة الفلسطينية التي تمارس تضييقاً كارثياً على حركة الشارع الفلسطيني، تارة تقمعه، وتقمع حريته وتوجهاته، في ظل إمساكها بالسلطة وبالنظام المتكون عقب «أوسلو»، وتارة أخرى، تحاول استثمار ما تنتجه التحركات الفلسطينية هنا وهناك، على طاولة «البازار السلطوي الفلسطيني- الصهيوني».

ما يعول عليه المساومون كثيراً، هو الاعتقاد الواهم بأنه دون غطاء سياسي معلن، لن يكون بإمكان أية حركة مقاومة منظمة أن تظهر وتواصل ضغطها على الكيان الغاصب، غير أن ما يتغاضى عنه هؤلاء، هو أن حركة الشارع الفلسطيني، المنطلقة أساساً من ثوابت لا يمكنها التنازل عنها، كفيلة بخلق إطارها السياسي الجامع في حال استمر التعنت والتسويف السياسي طويلاً..

التحالفات المهزومة

ينتمي مشروع «أوسلو»، ومعه الخيارات القاسية على الشعب الفلسطيني، إلى ميزان قوى دولي انتهى، وكانت إحدى أبرز مؤشرات انتهائه سلسلة «الفيتوات» الروسية- الصينية في مجلس الأمن الدولي. لكن سلطة «أوسلو»- بوصفها تركيباً متوافقاً مع ميزان قوى قديم- لا تزال تعوم في تحالفاتها القديمة الخاسرة ذاتها. حيث لا يزال التحالف والانصياع للأعداء، ضمن الوهم بتحصيل دولة مستمراً، رغم أنه حتى هذا الخيار بات ممكناً دون استجداء أحد..

مع ارتفاع مستوى ونوعية العمل المقاوم في الضفة والقدس، ومع انعدام قدرة واشنطن تقريباً على تحويل الحراك الشعبي إلى «ثورة مضادة»، تضيق الفرص تدريجياً على السلطة الفلسطينية وطروحاتها، ويبزغ من جديد، مع العمليات النضالية في الداخل، براعم قوى فلسطينية جدية- تتابع مسيرة المقاومين الأوائل الذين رفضوا نهج المساومة بشكل مطلق.