عسكرة إمبريالية تخنق العالم..!
كانت النزعة العسكرية، ولا تزال، وسيلة ملازمة للتوجه نحو التوسع الإمبريالي في العالم، استناداً إلى الأزمة الاقتصادية العميقة التي يعانيها النظام الرأسمالي ككل، وخصوصاً المراكز الإمبريالية التي تئن اليوم تحت وطأة المرحلة الجديدة عالمياً.
طوال القرن الماضي، كانت الإمبريالية مرادفاً للحرب. وخلال مرحلة سيادة القطب الواحد (الأمريكي) على العالم، أي منذ تراجع الاتحاد السوفييتي وحتى مطلع القرن الحالي، كان مفهوم الحرب العالمية يتخذ لنفسه تركيباً بين مفهوم الحرب أيام الاستعمار القديم وبين الحرب بحلتها «الجديدة»، حيث يخلق السلاح النووي سقوفاً جديدة لأشكال الحروب.
بعد فشل الأدوات التقليدية: الفاشية الجديدة
في استعراض مجموعة من الأحداث الدولية التي ظهرت على المسرح العالمي منذ 17 عاماً، حيث كانت سمة الوضع الدولي هي سيادة القطب الأمريكي الواحد، يمكن إيراد ما يلي: واصلت الإمبريالية حل مشاكلها بالحروب، وتصاعدت النزعة العسكرية للرأسمالية منذ حرب البلقان إلى افغانستان، وباكستان، والعراق وليبيريا، والققفاس، على تخوم روسيا، إلى الشرق: في فلسطين المحتلة، ولبنان، وكانت هذه الحروب، ونتائجها التي لم تفلح في كبح جماح التراجع الإمبريالي، إيذاناً بصعود الفاشية الجديدة.
بعد عام 2009، توسعت رقعة الحرب لتشمل الصومال، وليبيا، ومالي، ونيجيريا، والسودان، وسورية، وأوكرانيا، واليمن، فيما تجري محاولات لإشعال حروب جديدة في البلقان، وتركيا، والخليج، لتصبح المنطقة المتوترة تمتد من نيجيريا (وسط إفريقيا) حتى أفغانستان في الشرق، بالتوازي مع تصاعد النزعة العسكرية في الشرق الأقصى، إثر البدء في تثبيت ميزان القوى الدولي الجديد متعدد الاقطاب الذي يحل محل القطب الأمريكي المهيمن سابقاً.
وفي موازاة ذلك، تضاعفت قدرات وسائل العنف والسيطرة الاجتماعية بشكل غير مسبوق، مع تركيز وسائل الاتصال العالمية والتكنولوجيا في أيدي عدد قليل جداً من الجماعات القوية. وتعززت الحروب الإلكترونية، والطائرات بدون طيار، والقنابل الخارقة للتحصينات، وما سمي بـ«حرب النجوم» أو القوات الفضائية، حتى أصبحت النزعة العسكرية أشبه بـ«قانون طوارئ دائم» أو حالة «أحكام عرفية عالمية»..!
«إمبراطورية القواعد» تتهاوى
في هذا السياق، يمكن فهم النزعة العسكرية الأمريكية وتوابعها، ونشاط الأذرع الفاشية حول العالم، من زاوية فشل الأدوات التقليدية السابقة التي لم تفلح في منع عملية التراجع. وقد علق موقع «هافينغتون بوست» الأمريكي على ذلك قائلاً: «إن إمبراطورية القواعد العسكرية الأمريكية تطوق الكرة الارضية. هناك الآن حوالي 800 قاعدة عسكرية أمريكية في دول أجنبية. وبعد الحرب العالمية الثانية بسبعين عاماً، لا تزال هناك 174 قاعدة أمريكية في ألمانيا، و113 في اليابان، و83 في كوريا الجنوبية».
وفي مقابل وضوح الأزمة التي تقف خلف هذه النزعة العسكرية، تحاول فيه معظم «جامعات النخبة» الأمريكية أن ترجع هذه النزعة إلى ما باتت تسميه العديد من «دراساتها الأكاديمية» بـ«الأخطاء.. والأمراض العقلية».. إلخ، وهو ما يشبه إلى حد بعيد محاولة عزل الظاهرة النازية عن مسبباتها الحقيقية، من خلال محاولة تصوير الزعيم النازي، أدولف هتلر، بـ«المجنون»..!